محمد أحمد الراشد
تصدير المادة
المشاهدات : 6698
شـــــارك المادة
ويبدو لي أن أوردغان كان ينطلق من مثل هذا الكلام، ويؤمن بهذه المعاني حين أعطى لأميركا إشارة تطمين لا أعلم عنها شيئاً، ولكن أربكان انتقدها وجعله من أجلها من أهل جهنم، وأنا أتوقع الأخطاء من أوردغان، ولا أراه بعين التقديس كما يراه كثير من الدعاة الترك والعرب، وأعترف بفضله وصواب خطته عموماً من غير أن أزعم له عِصمة، وأستطيع أن أقف عند بعض تصريحاته وأفعاله فأقول تخميناً أنها هي موضوع تفاهمه مع أميركا، وأنه قد أخطأ في ذلك، ويبقى هو الثقة المبتكر لطريقة سلمية في التغيير أغرتنا أن نقلدها، وأنه هو ورهطه فقهاء في تنظير التغيير، ولكنهم استعجلوا فذهبوا في تطمين أميركا حبّتين زيادة.
الخطأ الأول: ذهابه إلى خطأ حماس في قرارها رفض الصلح الدائم وعدم اعترافها بإسرائيل التي هي حقيقة واقعة، وهذا أكبر سقطاته التي ليس من الصعب أن نلمس فيها جانب إرضاء أميركا. وهو قد نَصَر غزة، ووقف مواقف جريئة ضد إسرائيل، وقلص التعاون التركي الإسرائيلي في الجانب العسكري والأمني، ولكنه يريد كل ذلك على طريقة أنور السادات في (حرب التحريك) حين عبر القناة وحقق نصراً من أجل دفع إسرائيل لقبول الصلح معه، فهو يريد أن تكون حماس في موقف قوي لإجبار إسرائيل على أن تخفف شروطها في الصلح، بينما مشروع حماس أن تسعى لهدنة طويلة لعشر سنوات من دون اعتراف بإسرائيل ولا تنازل عن حق عودة اللاجئين، وفقه الأستاذ القرضاوي في كتابه عن "الجهاد" يؤيد مذهب حماس في الصلابة وضرورة عدم الصلح والاعتراف الدائم. الخطأ الثاني: عرضه وتنفيذه لوساطة بين أميركا والفصائل الجهادية العراقية لإنهاء القتال والالتحاق بالحكومة مقابل مناصب وامتيازات، لكنه لم يكن منحازاً للمقاومة بشكل حاسم، فحصل تخدير للمجاهدين من دون تحقيق نتيجة، وهذه قضية لا يعرفها معظم الناس. وأوردغان على العموم يتخبط في العراق ولم يمارس دوراً قوياً في إسناد أهل السُنّة بمقابل دور إيران الكاسح في إسناد الشيعة، وأحد مظاهر تخبطه أنه جعل السفاح الطاغية الدموي المجرم محمد جواد المولى مستشاراً للحكومة التركية في الشأن العراقي، لأنه تركماني من أهل تلعفر في العراق غرب الموصل، مع أنه هو الذي أسس (فيلق بدر) في إيران بالتعاون مع الحكومة الإيرانية، ومارس خطة تقتيل أعيان أهل السنة في العراق تحت رعاية الاحتلال الأميركي، وله تاريخ أسود، وسبب ثقة أوردغان به أنه تركماني يظن فيه الإخلاص لتركيا، مع أنه مستعد لبيع ألف تركياً لصالح خطته الطائفية، مما يشير إلى بقايا شعور قومي تركي في أوردغان، وقد بلّغناه بحال المولى هذا وإجرامه، ونصحناه بتركه وتعيين مستشار سني، ولكنه أعرض عن نصحنا، ولذلك حصل نشاط اختراقي من الأحزاب الطائفية العراقية للمجتمع التركي والى حد يشكل خطورة مستقبلية، وعلى الأخص حين نلاحظ وجود نصف مليون علوي في إسطنبول أصلهم من علوية منطقة قرة حصار في أقصى شرق تركيا، وأقامت الأحزاب العراقية معهم الآن أقوى العلاقات وترعاهم وتبث دعوتها في صفوفهم، وأوردغان لا يأبه ويستهين بالأمر، لضعف في وعيه التاريخي، حتى أنه ذهب إلى حسينياتهم في عاشوراء أواخر سنة 2010م وخطب فيهم عن إيمانه بالدرس الثوري في قصة مقتل الحسين - رضي الله عنه -، تقرباً لهم وطمعاً بأصواتهم الانتخابية، فعاتبه في ذلك شيخه رئيس علماء الشرع الحنيف في تركيا وأنكر عليه أن يبلغ هذا الحد في المداراة. الخطأ الثالث: إعراضه عن اختراق إيراني قوي للمجتمع التركي مدفوعاً بشعور عداوة صفوية تريد أن تنتقم من فعلة السلطان سليم في كسر شوكة الشاة إسماعيل الصفوي بمعركة تبريز، وأخطر هذا الاختراق سعي إيران الدائب لبناء تنظيم لحزب الله في شرق تركيا بخاصة، وبناء الحسينيات ومراكز التبشير الخمينية في إسطنبول ومدن أخرى، وإسناد ساسة يوالونها، حتى أن رئيس المعارضة الآن هو شخص علوي، وذكر أوردغان ذلك، ولكن بأنفاس الإشارة إلى خطر بشار الأسد وليس بأنفاس الإشارة إلى خطر إيران، وهو في تهاونه هذا على أشد الخطأ، وسيندم لاحقاً، لأن العامل التاريخي والبدعي هو الذي يقود الموقف الإيراني لا الدبلوماسي، وكما أن أميركا ساعدت إيران على اختراق منظومة الأمن الإستراتيجي العربي فإنها تريد أن تساعد أيضاً وبموازاة ذلك على أن تخترق إيران منظومة الأمن التركي، لغايات بعيدة تريدها أميركا كان الرئيس نيكسون قد نبّه إليها وكتب في مذكراته أن أكبر خطأ ارتكبته السياسة الأميركية أنها لم تستثمر الخلاف الشيعي لأهل السنة، وأوصى الرؤساء من بعده أن يستدركوا ويستثمروه، وأنا لا أستبعد أن تكون أميركا أوحت إلى أوردغان أن يسلك دبلوماسياً مع إيران، وتخدعه بأن القصد هو احتواء إيران بينما هي تريد أن يتحقق هذا الاختراق، وأوردغان يظن أنه يرضي أميركا بذلك وفي نفس الوقت يقوم بتحييد إيران، فيحقق مكسبين وليس مكسباً واحداً، ذاهلاً عن النوايا الحاقدة التي تضمرها إيران. الخطأ الرابع: تأخره في اكتشاف ضرورة إزاحة القذافي وتصريحه بأن القتال في ليبيا خلاف بين أشقاء ومحاولته الصلح، ومهما قيل أنه يداري الاستثمارات التركية في ليبيا بذلك، إلا أّن خاطراً يقع في القلب أنه إنما يقف هذا الموقف الوسط لأنه كان يلمس أن أميركا في المرحلة الأولى من الثورة الليبية ما كانت ترغب في إزالة القذافي نهائياً، وإنما تقليم أظافره والضغط عليه وتحصيل تنازلات منه وعبودية تامة لها، ولم يستدرك أوردغان إلا قرب نهاية الثورة بعدما بات من المرجح سقوط القذافي. وخطأ خامس يمازجه صواب، أو صواب يحمل في ثناياه احتمالات الخطأ: وهو موقفه المتحمس في إسناد الثورة السورية على حكم النصيرية وبشار الأسد، وهو موقف جريء نلمس واقعيته من أنه مشتق من حالة خلاف قديم بين تركيا وسورية، ومن أنه يتخلص بذلك من امتداد الالتفاف الإيراني بعد العراق ليطوّق تركيا من جنوبها بحكم إسناد إيران لسورية، فكأنه طوق إيراني من الشرق والجنوب به وبالتهديد اليوناني تكون تركيا محاصرة لولا الثغرتين جهة البحر الأسود والبحر الأبيض، وفي موقف أوردغان أيضاً مقدار من صدق الرغبة بدافع إيماني لإسناد الأحرار العرب، ولكن الخوف في أن يكون كل ذلك بسبب أنه يلمس اندفاع أميركا في طريق إزاحة حكم الأسد لإتاحة صلح بين سورية واليهود لا شروط فيه، لذلك ننتظر ونحكم على ما يكون من تصرف أوردغان بعد زوال الأسد، فإن كان سيتحمس لإغراء سورية الثورية بعقد معاهدة السلم مع إسرائيل فمعنى ذلك أنه هو سفير أميركا للثوار وتريدهم أن لا يجفلوا منها فترسل لهم صديقاً وديعاً ينجز المهمة بعدما لمست من أن ضغطها المباشر يخيف الثوار وغيرهم، ويشهد لهذه السفارة أن وزير الخارجية الأول في حكومة أودرغان قبل أحمد داود كان قد زار دمشق مراراً وعلناً ساعياً في صلح مع إسرائيل ولكن الدعاة العرب من عادتهم النسيان والتأويل، ثم سننتظر مرة أخرى لنرى أن كان أودرغان بعد الصلح السوري الإسرائيلي سيسعى في مد قناة المياه من سد أتاتورك إلى إسرائيل لإنقاذها من العطش، فإنّ سد أتاتورك إنما تم إنشاؤه من أجل هذا الغرض، وهو أمام قرار إستراتيجي أبرمه مجلس الأمن التركي سابقاً بحجز المياه وإيصالها إلى إسرائيل، فإن لان ولم يقاوم وروى عطش إسرائيل: فاعلموا أن مقالة أربكان في وجود تعهدات أوردغانية لأميركا مقالة صحيحة، فإن استثمر الظروف الجديدة وتغيُّر المعادلات الإقليمية والدولية: فيكون الدليل في ذلك على أنه تاب ورجع إلى الأصل وأنه كان متأولاً ومرناً أمام ضرورة، والأيام هي التي ستصدّق أو تكذّب الظنون، وبعض الظن إثم، ولكن بعض الظن حزم أيضاً ووعي ونباهة، وعيبنا أننا نقع في تقديس المصلح المحسن، وأوردغان بطل، ومحسن كبير، وسياسي بارع، وتنموي ناجح، واحد مناقبه: أنه بنجاحه أوقد شعلة الربيع العربي وكان أحد الأسباب في اتقادها، وأنا معجب به، وله مبايع، ولكنه قبل كل ذلك إنسان يمكن أن يقترف الخطأ إذا اجتهد، وانتصارات أميركا في تحرير الكويت ثم في احتلال العراق: جعلته يصدق مقولة أن أميركا دولة لا تُقهر وأنها سيدة العالم ويجب التفاهم معها ومسايرتها إلى حدٍ ما وما كانت الأزمة المالية قد حدثت لتعظه، وما كان الجهاد العراقي قد حقق النصر بعد على الجيش العاتي ليفهم أن التطمين درجات، وأن درجته الدنيا جائزة شرعاً وسياسة، وأن فقه الدعوة يقول بها، ولكن تحول التطمين إلى وعود والتزامات فيه باس ونظر.
سلوى الوفائي
السبيل
أحمد موفق زيدان
عماد الدين أديب
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة