أيمن أحمد ذو الغنى
تصدير المادة
المشاهدات : 6828
شـــــارك المادة
دعاني أستاذي الفاضلُ إلى العَشاء احتفاءً بابن أخيه القادم من دمشق..
وصلتُ المكانَ فرأيت مظاهرَ الاحتفال والبهجة عمَّت أرجاء الدار، كيف لا والضيفُ يزور الرياضَ أولَ مرَّة، ولم يسبِق أن زارَ عمَّه فيها من قبل، بل لم يجتمعا من أكثرَ من سبع سنين؟! كان العمُّ مَشوقًا إلى لقاء ابن أخيه، فهو من رائحة الأحباب في الشام، وأين هو الآنَ من الشام وأهله وخُلاَّنه فيها!
وكان مَشوقًا أكثرَ إلى أخبار الشباب الثائرينَ هناك، أولئك الأبطالِ البواسلِ الذين ضَربوا بشجاعتهم وثباتهم وإصرارهم أمثلةً ستخلِّدُها صحائفُ التاريخ غيرَ شك. بُسطَت أمامنا مائدةٌ شاميَّة عامرة، وما أدراكَ ما موائدُ أهل الشام! فيها ما لذَّ وطاب من صُنوف الطعام والشَّراب والفاكهة والحلوى.. عاداتٌ لا يتخلَّى عنها الشاميُّ في أيِّ ظرف، حتى باتت جُزءًا من هُويَّته لا يكون إلا بها شاميًّا! ولا تسأل عن حميميَّة اللقاء والفرَح المرتسم على وجه الضَّيف والمُضيف.. ولكن لم يمضِ غيرُ قليل حتى انقلبَ الحال... اكفهرَّت الوجوه، وتقطَّبت الجباه، وانتفخت الأوداج.. لقد كانت خَيبةً يا لها من خَيبة! لم يتوقَّعها الأستاذ البتَّة، فكانت صدمتُه مضاعَفة! إن ابن أخيه هذا المكرَّمَ والمحتَفَى به، ما هو إلا (منحبكجي) مؤيِّدٌ للنظام المجرم في الشام، مدافعٌ عن السفَّاح وزبانيته العُتاة!! أجل هو ابن الشام المسلم السنِّي، ولكنَّه أبى بحُمقه إلا أن ينحازَ للباطل، وأن يستدبرَ الحقَّ!! انتفضَ أستاذي يبيِّن له الصَّوابَ ويبصِّره بالحقائق، ويوضح ويشرح، ويقيم حُجَجًا ويدحَضُ حُجَجًا و و... لكن دون جَدوى، فقد طُمس على بصيرة صاحبنا فما عاد يرى في الشام من يصلُح للحكم فيها إلا فردٌ واحد، عَقِمَت أرحامُ النساء في طول البلاد وعَرضها عن إنجاب آخر َبمُواصفاته الفريدة!! ولم يتمالك الأستاذُ نفسَه، فإذا به يغضب غضبًا لم أرَهُ غضبه من قبل، حتى إني خشِيتُ عليه! وإذا به ينطلق من فَوره إلى باب الدَّار ويفتحه على مِصراعَيه ويصرُخ فيمَن كان ضيفَه: اخرُج من بيتي، هيَّا اخرُج، ولينفَعكَ قاتلُ الأطفال وجَلاوزتُه.. أُوقعَ بيدِ ابن الأخ وقام وهو في حالةٍ من الذُّهول، ومضى يجرُّ رجليه جرًّا، وعمُّه يستعجله بالخروج وكأنه بُركانٌ ثائر يقذف بحِمَمه!! وعندما وصل البابَ قال لعمِّه مُستنكرًا: أتطردُني من بيتك يا عمِّي؟! فأجابه بحَنَق شديد: أجل أطرُدك، ولا يشرِّفني أن تكونَ ابنَ أخي، ولا أن يكونَ لي بكَ صلةُ دمٍ أو نسَب!! وهمَّ ابنُ الأخ بالردِّ ولكنَّ الباب صُفِقَ بقوَّة في وجهه قبل أن يلفِظَ حروفَه!! ولمَّا عادَ الأستاذُ واستقرَّ في مجلسه وهدأت أنفاسُه.. قلت له: جزاكَ الله خيرًا على غَيرتك الحميدة، وحماستك الجيَّاشة للحقِّ وأهله، ولكنَّك ربما قسَوتَ على ابن أخيك، ولو.. فقاطعني قائلاً بهدوئه واتِّزانه المعهود: بعد الذي وقعَ في بلادنا من قتل للأبرياء، وسَفك للدِّماء، وذَبح للأطفال والنساء، وهَتك لأعراض الحرائر والإماء، وتدمير للمساجد، وتمزيق للمصاحف، وإهانة للمقدَّسات... ومجازرَ وحشيَّة تترفَّع عنها سِباع الغاب... بعد كلِّ هذا لا يمكن أن يؤيدَ هذا النظامَ المجرمَ ويدافعَ عنه إلا من كان فاقدًا للدِّين، وفاقدًا للشَّرف، وفاقدًا للعقل.. ولا أتشرَّف أبدًا أن يكونَ لي أدنى صلةٍ بمن فقدَ أحدَ هذه الثلاثة، فما بالُكَ بمن فقدَها كلَّها؟! وخرجتُ من دار أستاذي وهذا الثالوثُ حاضرٌ أمام ناظريَّ: الدِّين، والشَّرف، والعقل.. وردَّدتُّ في نفسي في تحسُّر: كم كشفَت هذه الثورةُ من حقائقَ، وكم عرَّت من أشخاص، كنَّا نحسَبُهم من ذوي الدِّين والشَّرف والعقل، فإذا بهم لا يملكون منها شَرْوى نَقير!! تمَّت هذه ليست قصَّة، ولكنَّها مشهد حقيقيٌّ صوَّرته بعدَسَتي، ونقلتُه إليكم لتُبصروا مَعالمه كما أبصرت
داليا شمس
ياسر سعد الدين
نجوى شبلي
مصطفى اللداوي
شكرا للكاتب الذي نقل لنا صورة حية من سوريا الحرة
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة