أمير سعيد
تصدير المادة
المشاهدات : 3236
شـــــارك المادة
سياقات متباينة يمكن أن تؤخذ فيها الضربة الأمريكية على مطار لنظام بشار الأسد، منها ما هو شديد التفاؤل، ومنها ما هو منه حذر، ومنها ما يعتبرها لا أكثر من ضربة تقوي ظهر بشار ولا تكسره، ومنها ما لا يرى فيها أي تأثير، ومنها ما يؤطرها في حدود التنافس الدولي عامة دون النظر إلى ميدان الرماية ذاته. لكن قبل النظر إلى أي من تلك السياقات، ثمة ما هو أولى بالحديث لكيلا يذهب الحديث بعيداً عن أصول لابد من اعتمادها دون النظر إلى واقع ومناخ ونتائج الضربة الأمريكية: أولى هذه الأصول: أن الولايات المتحدة كانت دوماً راضية عن حرب الإبادة التي شنها نظام بشار الأسد على أهل السنة في سوريا، والتي استشهد فيها مئات الآلاف، وجرح الملايين، وأرغم نصف سكان سوريا على مغادرة ديارهم، وهي وقفت بالمرصاد أمام أي محاولة تركية أو عربية لرفع الظلم عنهم. ثاني الأصول: أن التغيير الديموغرافي الذي نفذته عصابات بشار وإيران والقوات الجوية الروسية في المنقطة التي يطلق عليها "سوريا المفيدة"، كان هائلاً لدرجة تؤكد على أنه قد سار ضمن اتفاق دولي تشاركت فيه الولايات المتحدة مع اللاعبين الدوليين، الولايات المتحدة، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، وإيران، والنظام السوري بغية ضمان أمن الكيان الصهيوني، من جهة، ومن جهة أخرى إقامة حزام نصيري يمتد من الساحل السوري حتى الجولان تتضاعف فيه نسبة الأقليات النصيرية والدرزية على حساب السنة لحصر السنة بعيداً عن الكيان الصهيوني وساحل البحر الأبيض. وهذا هدف تاريخ استراتيجي قد تحقق بنسبة كبيرة بتأييد أمريكي مبطن. ثالث تلك الأصول: أن الامتعاض الأمريكي بسبب جرائم تنفذها ميليشيات بشار بقصف مناطق سكنية بالسلاح الكيماوي لا يعود إلى حجم ضحايا الجرائم التي تتفوق عليها بكثير مجازر استخدمت فيها أسلحة بدائية رخيصة كالبراميل المتفجرة، وإنما يرجع إلى أن السلاح الكيماوي نفسه ينبغي أن يكون بعيداً جداً عن حدود ما تُسمى بإسرائيل، خشية أن يقع في يوم ما في يد من لا يحافظ على أمنها مثلما يتعهد بشار بتأمينها. رابع تلك الأصول، وأهمها على الإطلاق: أن النظر إلى تعارض المصالح وتعاكس الاستراتيجيات بين الدول الكبرى، والذي يترتب عليها أحياناً ما يصطلح عليه إسلامياً باسم "سنة التدافع" لا ينبغي أبداً أن يذهب ببعض المسلمين بعيداً لإحسان الظن بمن يعادون الأمة الإسلامية ويقفون ضد نهضتها بالمرصاد كالنظام الأمريكي وغيره من النظم الغربية، ويتعين أن يكون معلوماً لدى المسلمين أن على رأس سلم أولويات أي عمل تقوم به واشنطن وغيرها ألا يصب ذلك في مصلحة المسلمين، وهذا هدف متعين ومقصود مهما تعارضت المصالح مع القوى الأخرى، ولهذا؛ فإن الفرح المبالغ به، وتوقع مضي واشنطن في إطاحة النظام النصيري هو ضرب من ضروب السذاجة والخفة في النظر إلى الأحداث. خامس تلك الأصول: وهو عطفاً على ما سبقه، هو أن الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي قد يقبلوا بإطاحة بشار، لكن لا يمكنهم بسهولة قبول نظام آخر ليس للأقليات غير المسلمة (نصيرية – درزية – مسيحية) سيطرة شبه تامة فيه على الجيش والاستخبارات والأجهزة الأمنية في سوريا ولبنان. أما سياقات الضربة الصاروخية الأمريكية فنابعة من معطيات سابقة، تتعلق بالاستراتيجية الأمريكية عموماً في المنطقة، وفي خياراتها المتاحة حالياً. فهناك معطى يتعلق بالطريقة التي انتخب بها الرئيس الأمريكي والتي تلفت إلى رغبة البنتاجون في مراجعة الانسحاب الظرفي الذي قامت به السياسة الأمريكية في المنطقة، ونزوعها إلى تغليب العمل الاستخباري والدبلوماسي على العمل العسكري، وهو ما جلب روسيا لاحتلال سوريا بعد إخفاق إيران وميليشياتها في حسم المعركة ضد الثورة لصالحها. ثمة امتعاض في المؤسسة العسكرية الأمريكية صانعة الاستراتيجية الأمريكية بوجه عام من سياسة الانسحاب الأمريكي، وما خلفته من تراجع الدور الأمريكي في العالم، برغم إدراك المؤسسة أن هذا الانسحاب كان ضرورياً فعلاً لوقف نزيف الاقتصاد العسكري الأمريكي الكبير الذي أدى لحصول تباطؤ واضح للاقتصاد الأمريكي برمته. ولا تتعلق تلك المراجعة للسياسة العسكرية الأمريكية بسوريا وحدها، وإنما أيضاً بملفات مهمة كالسلاح وصفقاته، حيث نجحت روسيا في كسب أسواق جديدة للسلاح من الولايات المتحدة، ونسجت خيوط بدائية لتحالفات حتى داخل الناتو نفسه (كالتقارب الروسي التركي، وصفقات السلاح المزمعة بين البلدين). وكذلك الأمر في دول أخرى بدأت تسعى لصفقات أسلحة من شاكلة منظومةs-400 الروسية المتطورة. ثمة معطى آخر يخص العلاقة الأمريكية الإيرانية، والحدود التي تريد واشنطن لإيران ألا تتخطاها في المنطقة؛ فالدور الوظيفي لإيران في السياسة الأمريكية يتلخص في الحلول مكان الولايات المتحدة كشرطي فيما لا تود واشنطن التورط فيه بشكل مباشر من جهة، ولكن في مقابل ذلك لا تسمح الولايات المتحدة لإيران أن تتجاوز حداً يضر بالمصالح الأمريكية في المنطقة، ومنها تحالفاتها مع دول الخليج؛ فإذ لا تمانع الولايات المتحدة من سيطرة إيرانية واسعة على العراق (مع ضمان المصالح النفطية الأمريكية في هذا البلد)، ونفوذاً كبيراً في سوريا ولبنان، ومشاركة للحكم في اليمن، إلا أنها غير معنية بدفع فواتير الإخفاقات الإيرانية في دول كهذه من جهة، كما أنها غير مستعدة لقبول توسع امبراطوري لإيران في المنطقة بأكبر من الدور المنوط بها لعبه، وبمعنى آخر: لا يمكنها قبول دور أكبر من "فزاعة" لدول أخرى تسعى لابتياع السلاح من أمريكا وطلب الحماية منها. نستطيع القول: إن واشنطن معنية بإرسال رسائل متعددة بضرباتها تلك: لروسيا: أنها غير مطلقة اليد في المنطقة، وأنها غير قادرة على تجاوز التفوق التقني للسلاح الأمريكي في العالم (تعمدت واشنطن أن تكون الضربة صاروخية من البحر منعاً للاحتكاك مع الروس، ولعقد مقارنة بين الصواريخ الروسية التي ضلت طريقها لروسيا من غواصات بحر قزوين، وصواريخ توماهوك الأمريكية التي ضربت أهدافاً داخل مطار تجنبت معه إلحاق الضرر بالوحدة العسكرية الروسية فيه لإبراز دقة التصويب الأمريكي) للكيان الصهيوني: أنها ملتزمة بالحفاظ على أمنه وعدم تعريض مغتصبي فلسطين لأي احتمال بوقوع سلاح كيماوي في أيدٍ "غير أمينة" (في هذا السياق: كيف يمكن فهم استهداف المضادات الأرضية السورية بالقصف الصاروخي في وقت لا يضيف هذا أي مزية للثوار وإنما الكيان الصهيوني وحده على وجه التحديد)! للدول الخليجية: أنها ما زالت تمسك بزمام المنطقة لم تبرحها، وأنها ملتزمة باتفاقاتها الأمنية مع حكوماتها. لإيران: أن الاتفاق النووي له استحقاقاته الأمريكية التي يتعين على الحرس الثوري والملالي الإيرانيين ألا يتناسوه. للنظام السوري: أن عليه قريباً أن يذعن للحل الأمريكي بعد إخفاقه المستمر في الإفادة من التواطؤ الأوروأمريكي معه. هذا الأخير، قد يذهب بنا إلى احتمال ترتيب اتفاق الحل الوسط في سوريا برعاية أمريكية بعدما راوحت مفاوضات أستانة وجنيف مكانها، وبعد تجاهل متعمد من الأتراك والروس للأمريكيين في المفاوضات الأولى اعتماداً على تراجع الدور الأمريكي في سوريا. إذ بدا أن الأمريكيين ماضون في لعب دور أكثر حضوراً في الساحة السورية يؤذن به مضاعفة عديد قواتها في المنطقة (في سوريا ميدانياً، وفي الكويت وقطر تحضيرياً)، والاحتلال المتعاظم المساند للقوات الكردية غرب وشرق الفرات. في كلمة، هذا تطور لا يمكن الاستخفاف به في الساحة السورية وفي المنطقة برمتها، لكنه بالتأكيد ليس مسانداً للثورة أو تطلعات الشعب السوري، وليس أيضاً تدخلاً من بوابة إنسانية حركتها مشاهد أطفال خان شيخون المؤلمة، ولن ينبغي مع هذا المبالغة في تأثيراته حيث وُضعت ظهور السوريين للحائط، ولم تعد أمامهم خيارات واسعة تؤهلهم للمناورة مع الأمريكيين حين أتوا لفرض حلهم أو على الأقل تغيير قواعد اللعبة، والحضور ولو من بوابة الضربة التي لا تكسر ظهر بشار.
موقع المسلم
عمر قدور
الطاهر إبراهيم
علي حسين باكير
مصطفى فحص
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة