..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الممانعة الإسرائيلية والاحتلال السوري

ماهر السعيد

٧ إبريل ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6670

الممانعة الإسرائيلية والاحتلال السوري
1.jpeg

شـــــارك المادة

استبعد الغرب، وأجهزة استخباراته، انتقال شعلة الثورة إلى سوريا، ولكنه تمرن سريعاً على عصر الثورات وكيفية احتوائها، والاستفادة منها. وبعد انطلاق الاحتجاجات واشتعال فتيل الثورة لم يفهم أحد في الداخل أو الخارج (لاسيما المعارضة) طبيعة النظام السوري مثلما فهمتها إسرائيل. فقد كتبت الصحف الإسرائيلية، نقلاً عن محللين عسكريين وإستراتيجيين، بأن ما فعله القذافي لن يرقى بأي حال إلى ما سيفعله نظام الأسد في شعبه.. وكانوا من الصادقين.


إذا ما راجعنا، بعد عام على انطلاق الثورة السورية، موقف النظام ومن لفًّ لفُّه، مقابل الموقف العربي والدولي، "الداعم" طوعاً أم قسراً لحركة التاريخ، سنجد أن الموقفين يسيران في اتجاهين متعاكسين. فقد اختار النظام، منذ الصرخة الأولى التي صدحت "حرية"، طريق القمع والقتل متمثلاً بالحل الأمني ثم العسكري. مستبعداً كل الخيارات السياسية والدبلوماسية التي تجنح نحو التغيير الحقيقي والانتقال السلمي للسلطة. وفي المقابل اتجه الموقف الدولي نحو الخيار السياسي (من الإصلاح إلى التنحي) مستبعداً أي حل عسكري للأزمة السورية. وما يبدو جلياً في أفق هذه المواقف المتعاكسة جوهرياً، هو أن النظام السوري لن يتخلى عن الحل العسكري ويتجه نحو حل سياسي، إلا عندما يتخلى الموقف الدولي عن الحل السياسي ويتجه نحو الحل العسكري. وفي كلا الحالين، الزمن والثمن هو من حصة السوريين شعباً ودولة، وأرباح الخرائب تتقاسمها الدول "الصديقة"، وتجنيها إسرائيل السعيدة، أما العار فتلبسه الإنسانية ثوباً جديداً.
"أمن إسرائيل المقدس" هو حجر الزاوية والمدخل الرئيس لفهم الموقف فهماً موسعاً. وهو المقابل الموضوعي لكل تعقيدات القضية السورية بصيغتها الراهنة. فإسرائيل؛ المحمية الأمريكية في الشرق الأوسط؛ هي البوصلة المرشدة لطبيعة واتجاهات التدخل الدولي المرؤوس أمريكياً، (ولو ما زال هذا الرأس بارداً إلى اليوم)؛ إلّا أنّ أمن إسرائيل لم تهدده "سوريا الأسد" يوماً لتهدده بعد أن دُمِّرت على يدي الأسد. ولكن سوريا مدمَّرة تعبُّد الطريق المؤدي إلى طهران النووية، الخصم الإقليمي المزعج لأمن إسرائيل ومصالحها الإستراتيجية في المنطقة. أما الدور السوري القديم والذي بناه الأسد الأول كمركز للتوازن الإقليمي، فقد فرَّط به الأسد الثاني بتخبطه السياسي حتى قبل اندلاع الثورة، ولكنه يجهز عليه اليوم بشكل نهائي بعد أن تحولت سوريا على يديه الدمويتين إلى مركز للصراع الجديد بدل التوازن القديم. ولا يمكننا التنبؤ، على أي حال، بمسارات هذا الصراع قبل استعادة الجمهورية السورية من جديد.
خلافاً لفكرة انعدام المبادئ في السياسة؛ فإن سياسات الدول لا تقوم إلا على أساسات ومبادئ حاكمة. وعلى هذا؛ فإن حماية إسرائيل هو مبدأ حاكم للسياسة الأمريكية في المنطقة. أما في "سوريا الأسد" فقد كان الاستبداد والاستفراد بالسلطة هو أهم المبادئ الحاكمة للسياسات الداخلية والخارجية. وما نريد قوله هو أن استحصال القوة النووية في إيران الخمينية يبدو عاملاً جوهرياً موجهاً لمبادئ السياسة الإيرانية القائمة على السيطرة الإقليمية والتسلط الداخلي. وعليه فإن الضربة العسكرية لإيران تبدو قادمة باحتمالات متزايدة، ولن تجد إسرائيل شرطاً أفضل لضرب إيران بمساعدة أمريكية من الشروط الحالية التي يساهم في خلقها وتهيئتها نظام الأسد عبر تدمير قوته العسكرية والاقتصادية في مواجهة الثورة، وما يلحق ذلك من تدمير متوقع للبنى الاجتماعية والسلم الأهلي. فسوريا اليوم هي الذراع الأطول لإيران في المنطقة والتي يجب قطعها قبل قطع الرأس النووي لإيران.
كان من الممكن للموقف الدولي أن يكون أكثر فاعلية وأقل تراخياً واستمهالاً و"مطمطة"، لو استطاع الشعب السوري احتلال الساحات العامة، لاسيما في العاصمة دمشق وبعدها حلب، كما حصل في الحالة التونسية والمصرية، أو لو تورط النظام بحرب الإبادة والمجازر الجماعية كما حصل في ليبيا. إلا أن حفاظ النظام السوري على إستراتيجيات القتل المتصاعد تدريجياً، وبمتوالية هندسية، مقابل استراتيجياته الأمنية الناجحة في قمع التظاهر وإبعاده نسبياً عن العاصمتين. هذا لعب دوراً أساسياً في تحويل الثورة السورية إلى لعبة تتقاذفها المواقف الشفهية الخادعة للدول، والمواقف العملية المخزية إنسانياً أمام ما يحصل في المدن السورية الثائرة، لاسيما حمص وإدلب اللتان تحولتا إلى مكررات معاصرة لحماه القديمة.
الممانعة الإسرائيلية للتدخل الدولي هي العامل الأكثر مساعدة للاحتلال الأسدي، وهي ما يطيل في عمر النظام وعمر الأزمة الوطنية لسوريا. أما الفيتو الروسي وظهيره الصيني فليسا أكثر من مسكنات ضعيفة الفعالية للالتهاب الأسدي، تزيل أعراض الأزمة السورية وتترك الأسباب حاضرة والجرح مفتوح ونازف، ولا شك بأنها غير حالمة بتحنيط الأسد بقدر ما هي راغبة بالتفاوض تكتيكياً واستراتيجياً على بقاياه.

المصدر: صباح سوريا

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع