علي العبد الله
تصدير المادة
المشاهدات : 3329
شـــــارك المادة
عكس السجال الإعلامي والسياسي بين المسؤولين الروس والإيرانيين وجود فجوة واسعة بين أطراف الحلف الثلاثي (روسيا إيران والنظام السوري).
ففي الوقت الذي تتبنى فيه روسيا إستراتيجية قائمة على استخدام القوة العسكرية لإجبار المعارضة على القبول بتصورها للحل السياسي فإن إيران تتبنى خيار سحق المعارضة المسلحة عسكريا وتحقيق نصر حاسم عليها يضع المعارضة السياسية أمام أمر واقع مفاده هزيمة مشروعها لتغيير النظام، بينما يحاول النظام إرضاء الروس، لدورهم في حمايته من السقوط، وتنفيذ التصور الإيراني، لأنه يبقي السلطة كما هي، في آن.
يتفق الحلفاء الثلاثة على التكتيك ويختلفون على الإستراتيجية، فهم يتبنون تكتيكا قائما على زعم المحافظة على مؤسسات الدولة السورية ومحاربة الإرهاب، مع أن غايتهم منع المعارضة السورية والدول الداعمة لها من تحقيق أهدافها بإسقاط النظام عسكريا، أو الضغط عليه ودفعه إلى القبول برؤيتها للحل السياسي المبني على تغيير سياسي شامل بعد المرور بمرحلة انتقالية مهمتها الرئيسة تصفية أسس النظام الاستبدادي وتهيئة الأرضية لنظام سياسي جديد.
وقد تجلى الاختلاف الإستراتيجي في إدارة المعركة في محافظة حلب حيث يسعى النظام وإيران والميلشيات التي زجت بها في المعركة إلى استعادة حلب، أو محاصرتها على الأقل، وتحقيق نصر إستراتيجي على المعارضة يجعلها أقرب ما تكون إلى الهزيمة، ما دفعهما إلى إعلان الاستياء من الاتفاق الأميركي الروسي على وقف الأعمال العدائية، ومن توقف الدعم الجوي الروسي لهجومهما البري، وصوراه على أنه تخل وطعن في الظهر، بينما تعمل روسيا على إلحاق خسائر مادية وبشرية بالمعارضة المسلحة لتهيئة المناخ لحل تفاوضي على قاعدة شراكة بين النظام والمعارضة تنفيذا لقرار مجلس الأمن رقم 2254، ودفع المعارضة السياسية إلى تليين مواقفها على طاولة المفاوضات في جنيف.
فروسيا -وفق تقدير الخبير العسكري الروسي فلاديمير يفسيف- "لا تريد فتح معارك جديدة٬ وهي لم تتدخل كي تخوض حربا بل لتخلق شروطا مناسبة للحل السياسي٬ وعليه فهي لن تتورط في معارك جديدة٬ لكنها ستواصل ضرباتها لمواقع المجموعات الإرهابية٬ ودعم القوات الحكومية في المعارك ضد الإرهابيين، مثل معركة الرقة٬ وستؤمن الغطاء الجوي المناسب كي تبقى القوات الحكومية مسيطرة على المناطق التي استعادتها مؤخرا".
وقد فجرت المكاسب الميدانية التي حققتها المعارضة المسلحة في حلب وريفها، والخسائر البشرية الكبيرة التي ألحقتها بقوات النظام والقوات الإيرانية وميليشياتها، والانتشار الأميركي في الشمال السوري، وتوسع دور واشنطن في سوريا بإطلاقها عمليات عسكرية منسقة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في محافظتي الرقة وحلب، خاصة وأن واشنطن تعمل على الحيلولة دون تحقق ما يريد النظام السوري، وحليفاه الروسي والإيراني من فرض واقع على الأرض، وكسر توازنات القوى لمصلحته، ومنعه من السيطرة على حلب، ومن استثمار أي إنجاز ميداني ضد "داعش"، بتوسيع رقعة انتشاره على حساب المعارضة... كل تلك العوامل فجرت الخلاف ودفعته إلى العلن لما للتطورات من أثر على مسيرة الصراع وعلى طبيعة المستقبل السوري، وانعكاس ذلك على مصالح كل طرف في الحلف.
غير أن الصورة الظاهرة لا تعكس هذا الخلاف بوضوح بسبب التداخل بين الملفات والمصالح، فالروس يسعون إلى صفقة سياسية شاملة مع الإدارة الأميركية تقوم على الاعتراف بالدور الدولي لروسيا، ووقف تمدد حلف الناتو نحوها عبر ضم دول شرق أوروبا، ووقف عمليات التطويق التي يجسدها نشر الدرع الصاروخية في دول أوروبا الشرقية (زاد دخول مدمرة أميركية إلى البحر الأسود وحاملتي مروحية إلى شرق البحر المتوسط وإجراء مناورات عسكرية في بولندا، في توتير العلاقات بين الطرفين كما عكسته التهديدات الروسية)، ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها دون تخليها عن جزيرة القرم.
كما يعملون على توظيف الدور الإيراني في سوريا والعراق للضغط على واشنطن من أجل دفعها للقبول بعقد الصفقة معهم، وإرضاء إيران في الوقت نفسه، لاعتبارات تتعلق بحاجتها لقوة برية كبيرة تستثمر عملياتها في الضغط على واشنطن، وتحاشي إغضاب طهران خوفا من دفعها أكثر نحو واشنطن، وانعكاس ذلك على سوق الغاز وحصة موسكو فيه وتحرر أوروبا من كابوس الاعتماد على الغاز الروسي، فإيران الدولة الثانية، بعد روسيا، في احتياطيات الغاز (132 تريليون قدم مكعب)، وروسيا تعتمد على الغاز في إيراداتها المالية (60 في المائة مصدرها تصدير الغاز).
وهذا الأمر يستدعي تقديم دعم عسكري وسياسي لإيران في سوريا والعراق وغض الطرف عن تصعيدها للأعمال العدائية، وتهديدها لوقف إطلاق النار الهش، كما يستدعي تثبيت مواقع النظام العسكرية، ومساعدته على تحقيق مكاسب ميدانية إضافية باستعادة مناطق من المعارضة من جهة، وعدم استفزاز واشنطن لإدراك موسكو عدم قدرتها منفردة على فرض حل سياسي.
وهذا ما يضطرها إلى تعديل مواقفها وإعادة النظر في دورها الميداني والسياسي باستمرار، وخاصة تلميحها المتكرر بعدم تمسكها برأس النظام، على الضد من موقف طهران التي ترى في بقائه ضمانة لمصالحها في سوريا ولبنان، ويدفعها للضغط على إيران لتعديل خططها وترك ساحة حلب والتوجه إلى دير الزور لمواجهة "داعش"، وهو ما ترفضه الأخيرة.
لقد عبر الخبير العسكري الروسي فلاديمير يفسيف عن موقف موسكو بقوله: "إن روسيا لن تحارب عوضا عن السوريين٬ بل ستزيد نشاطها العسكري، لأن الوضع بدأ يخرج عن السيطرة٬ وهناك خسائر كبيرة تكبدها الإيرانيون لاسيما في خان طومان"، وأضاف، في ضوء وصول قوات النظام السوري إلى حائط مسدود مقابل نجاح المعارضة في ريف حلب خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، "من المهم الآن وقف التقدم (يقصد تقدم المعارضة) في ريف حلب وريف إدلب وشمال اللاذقية، هذه المناطق الأكثر خطورة حاليا". وهذا أضفى أهمية مضاعفة على الدور الذي تلعبه موسكو إن بالنسبة إلى النظام وداعميه أو بالنسبة إلى واشنطن والدول الغربية.
بدورهم يسعى الإيرانيون إلى صفقة مع الإدارة الأميركية قائمة على اعتراف واشنطن بالنفوذ الإيراني الذي تحقق في العقد الأخير في أكثر من بلد عربي، ويرفضون التصور الأميركي للإقليم القائم على تقاسم النفوذ مع السعودية، لذا فإنهم ينسقون مع موسكو ويوظفون العلاقة معها للضغط على واشنطن لتحقيق هذا الهدف، دون أن يعني ذلك قبولا بالتصور الروسي لمستقبل سوريا (خاصة إقامة فيدرالية) والإقليم، ويتمسكون ببقاء النظام كما هو تأكيدا لنفوذهم الراهن وتجسيدا لدورهم المتصور في الإقليم، ويتوسلون الحضور العسكري، بما في ذلك القوات الروسية، لإثبات قدرتهم على منع أية تسوية سياسية لا تسلم بدورهم ومصالحهم.
وقاد ذلك محللين إيرانيين إلى ربط إرسال طهران قوات عسكرية وفرض إرادتها السياسية بـ "خطط النظام الإيراني لتثبيت نفسه بصفته أبرز اللاعبين الدوليين عبر تعميق الأزمات في المنطقة"، فهم من ناحية يبتزون موسكو بإرسال إشارات حول التقارب مع واشنطن من جهة، ويضغطون في الوقت ذاته على واشنطن بتوسيع التعاون مع روسيا والصين من جهة ثانية.
موقف النظام السوري قائم هو الآخر على محاولة استرضاء واشنطن والعمل بكل الطرق لإقناعها بتبني قراءته للصراع في سوريا وأخذ موقف يدعم بقاءه في السلطة مع إجراء تعديلات شكلية على بنيته وخياراته.
غير أن تمسكه بالسلطة، ورفضه لأي إصلاح، جعل أولويته القضاء على المعارضة المسلحة التي يستدعي وجودها ودورها في الصراع، وتجسيدها لطبيعته وجذره، إشراكها في أي حل سياسي، وهذا لن يكون إلا على حساب تصوراته ومصالحه، وهو ما دفعه ليس إلى التعايش مع "داعش" بل وتبادل الخدمات معه، لأن أولويته الرئيسية هي القضاء على المعارضة المسلحة.
يتفق الطرفان النظام وإيران في توجهها لسحق المعارضة المسلحة عسكريا، وإجبار المعارضة السياسية على الاستسلام لشروطه، وهو ما يقود أحيانا إلى "توتير" علاقة النظام بالجانب الروسي الذي لا يقبل الذهاب في هذا خيار الحرب إلى نهاياته، دون قطع العلاقة معه نظرا لحاجته الماسة إليه، لأنه لا يستطيع هو ولا الإيرانيون دون الدعم الروسي القوي والكثيف تحقيق هدفهم المشترك سحق المعارضة المسلحة، وهو ما اتضح عمليا خلال معارك حلب وريفي اللاذقية ودمشق وخسارتهما الكبيرة في الرجال والعتاد في هذه المواجهات، ناهيك عن خسارتهما نقاطا إستراتيجية في خان طومان وتلة العيس.
لذا فإن فشل محاولات أطراف الحلف الثلاثي في عقد صفقة مع واشنطن -كل على حدة- سيضعهم أمام خيار وحيد: تصعيد الأعمال العسكرية لإرباك خطط واشنطن على أمل دفعها لقبول الصفقات المعروضة عليها، وهو ما سيعمق الهوة بينهم لأن مطالبهم متباينة ومتعارضة، ما يعني تجميد العملية السياسية.
الجزيرة نت
محمد بوبوش
أحمد نوفل
موسى الغنامي
مهنا الحبيل
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة