..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

منصرو اللاجئين إذ سبقوا إجراءات أوروبا

أمير سعيد

٨ سبتمبر ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6905

منصرو اللاجئين إذ سبقوا إجراءات أوروبا
اللاجئين 00.jpg

شـــــارك المادة

أخبار مساعي تنصير المسلمين اللاجئين عبر القوارب أو غيرها إلى أوروبا لا تثير الاستغراب أبداً إذا ما نظرنا إلى تاريخ قريب لم يضع فيه "المسيحيون" أي فرصة تفرض على مسلمين الاضطرار إلى اللجوء، سواء إلى بلد "مسيحي" أو مسلم؛ فأي مثال يمكن لنا سوقه ليثبت لنا حالة واحدة "ترفعت" فيها فرق التنصير عن استغلال حاجة مسلمين لاجئين أحاط بهم الفقر والعوز والتشريد من كل جانب من دون أن تمد لهم يد "المساعدة" وفي اليد الأخرى إنجيلاً يفترض عليهم الإيمان بمحتواه الحالي شرطاً لهذا "العطاء" أو تحفيزاً للمزيد منه، أو تأكيداً على ترابطهما معاً؟

لا يوجد مطلقاً هذا المثال أو النموذج، بل الحق أن كل أزمة تعرض فيها مسلمون للتهجير أو اللجوء إلا كانت فرق التنصير جاهزة قبل فرق الإغاثة لمقايضة المسلمين بدينهم مقابل لقيمات أو نزل إيواء أو خيمة.. اضطرد هذا السلوك المشين من كنائس العالم، ولم تجد ما يناقضه أو يخالفه أبداً على مر العقود، ولا القرون القريبة.

ولم أكد أتتبع ما يرشح من أنباء شحيحة عن سلوك متوقع كهذا هذه المرة، وأحاول جمع ما تيسر منها، إلا سالت أمامي والجميع أنباء هذا المشروع التنصيري الذي تبدت معالمه بما لم يعد يجعل أحداً بحاجة إلى تجشم مشقة البحث.

وكانت أوضح تلك الدلائل وأقواها، دعوة بابا الفاتيكان فرانشيسكو الكنائس والأبرشيات إلى استضافة اللاجئين القادمين إلى أوروبا عبر قوارب الموت وغيرها، قائلاً -خلال قداس الأحد في ساحة القديس بطرس في روما- "ينبغي على كل أبرشية، وكل مجتمع ديني، وكل دير، وكل مزار ديني في أوروبا أن تتولى أمر أسرة واحدة، بداية من أبرشيتي في روما".

ويحدد أكثر الدور التنصيري الذي ستقوم به كل هذه الجهات الدينية: "في مواجهة مأساة عشرات الآلاف من طالبي اللجوء الهاربين من الموت، وضحايا الحرب والجوع والذين هم على الطريق بحثا عن رجاء في الحياة، فإن الإنجيل ينادينا ويطلب منا أن نكون أقرباء للصغار والمتروكين، ومنحهم رجاء ملموسا".

فرانشيسكو يشمل بدعوته عشرات الآلاف من الأبرشيات الكاثوليكية في أوروبا، منها في ايطاليا وحدها أكثر من 25 ألف أبرشية وأكثر من 12 ألفا في ألمانيا، وتعد دعوته، دعوة صريحة جداً للتنصير، لأنه تجاوز الدور الطبيعي الذي يتوجب أن تقوم به أي حكومة حيال لاجئين، وقفز إلى مخطط تنصيري بحت.

لم تلق دعوة فرانشيسكو أي إدانة من أي دولة إسلامية، ولا من أي مؤسسة دينية رسمية تمنعها سلطاتها من القيام بأي دور موازٍ حتى حيال المسلمين اللاجئين، إذ تمنع الدول الإسلامية قيام المساجد من أداء هذا الدور تجاه المسلمين، فضلاً عن "المسيحيين"، ومثلما لم تلق تصريحات فيكتور أوربان رئيس وزراء المجر العنصرية حيال المسلمين أي نقد أوروبي أو إسلامي، شأنها شأن الانتقائية العنصرية التي أعلنتها الدول الأوروبية كبلجيكا وسلوفانيا وقبرص.. الخ في اختيار اللاجئ "المسيحي" فقط من بين اللاجئين.

وكأن ثمة توزيع أدوار، بين من يرفض الاستقبال من حيث المبدأ، وبين من ينتقي "المسيحيين"، وبين من يفتح الباب على مصراعيه لتنصير من يتسرب من اللاجئين إليه.

وإذا كان هذا الأخير هو موضوعنا في هذه السطور؛ فإن ما استقصته شبكة أورينت نت السورية يعد مفزعاً في دلالته التنصيرية وأيضاً في دلالته لجهة تعامل الأنظمة في الدول الإسلامية مع مساجدها في مقابل هذا.. فالشبكة التي قابلت الخوري (فلوريان – م) والقس (ديفيد – س) في إحدى الكنائس التي تستقبل السوريين، قد نقلت عنهما إجابة حول عدم اقتحام الشرطة لكنيستهم التي تعرف السلطات أنها تؤويهم لمدة 18 شهراً لإخراجهم من طائلة اتفاقية دبلن، يقولان فيها: "للكنيسة حرمتها.. وهي بيت عبادة، ولا يستطيع أحد الدخول إليها لفرض أي شيء عليها، وهم في حماية الكنيسة فلا يتجرأ أحد على إلحاق الأذى بهم".. (المقارنة هنا مؤلمة حين تجد أن عدد المساجد التي حرقت وهدمت في بلداننا العربية والإسلامية تبلغ الآلاف خلال الأعوام الأربعة الماضية من قبل سلطات فاشية بعضها ينسب نفسه للإسلام).

من بعد الطعام والإيواء، يتحدث المسؤولان الكنسيان عن الإجراءات من بعد هذا: "نقوم بتوكيل محامٍ من قبل الكنيسة، ليقوم بدوره بإعادة تقديم طلب اللجوء مرة أخرى وحينها، لا يتسنَّ للحكومة الألمانية سوى القبول، لأنه حق للاجئ أساسا، وخصوصا أن في بلدهم حرب.. كما أُسقطت عنهم جميع الاتفاقيات، بما ذلك قانون البحث، بحكم مكوثهم في الكنيسة".

واضحٌ أن ثمة تواطؤ رسمي من تلك الدول؛ فهؤلاء يتركون لكي يؤثر هذا المكث الطويل في عقيدتهم، وهؤلاء يستثنون من أي تعقب أو ضرب أو اعتقال لأنهم "في معية الكنيسة" التي "لها حرمتها" كما يقول المسؤولان! وهذا التواطؤ ليس ظرفياً في هذا البلد، أو ذاك الذي تحدثت عنه أسوشيتدبرس في تقريرها عن "دخول اللاجئين في المسيحية أفواجاً!" كما تزعم في كنيسة ألمانية، بل يتدرع بإشادة من المنظمات الدولية والإعلام الأوروبي "المسيحي حقاً"؛ فالمفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق اللاجئين بذاتها تشيد بما فعله قس يقدم "مساعدات" مشفوعة بـ"عظات كنسية"، أوردتها في مقطع مرئي في موقعها العربي، وتعتبر أن ما يقوم به أحد الأدلة على "التسامح" (مع أن هذا ليس دورها في الحقيقة كمنظمة دولية)!

ولمناسبة تقرير الأسوشيتدبرس عن دخول اللاجئين في المسيحية "أفواجاً"؛ فإن التقرير المغلوط على ما فيه من مبالغات، أباح لنا من زاوية أخرى الاطلاع على رغبة دفينة في إخراج المسلمين من دينهم حتى لو لم يكن للدخول في "المسيحية"؛ فإثر استعراض التقرير لآراء بعض من ارتدوا علانية عن الإسلام في كنيسة ترينيتي الإنجيلية ببرلين، وأنهم في غالبيتهم لا يفعلون هذا قناعة وإنما سلماً لتحقيق مطلب اللجوء فقط، نقلت عن القس مارتنز قوله: "أعلم أن هناك الكثير من الناس الذين يأتون إلى هنا لأن لديهم أملًا ما فيما يتعلق باللجوء، وأنا أدعوهم للانضمام إلينا؛ لأنني أعرف أن مَن يأتِ هنا لن يرحل دون تغيير" (تغيير يتعلق بالخروج من الإسلام، حتى لو كان دخولها في "المسيحية""نفاقاً"!).

ما سيق الآن، ليس لإبداء انزعاجاً مبالغاً فيه حيال نجاح المنصرين في مساعيهم؛ فأملنا في إخواننا المسلمين السوريين كبير، وندرك أن لديهم حصانة عن الارتداد عن دينهم من أجل إقامة في بلد أوروبي، وهم من صبروا على ظلم بشار ولم يخضعوا له، ونتفاءل بأن منهم من سيكون سفيراً وداعيةً للإسلام في أوروبا، وأن منهم من سيضخ دماً جديداً في عروق الجاليات المسلمة التي تغربت أجيال ثانية وثالثة فيها، ولا حتى تغافلاً عن أن ما نشره تقرير الأسوشيتدبرس يتعلق في معظمه بإيرانيين وأفغان (معظمهم شيعة إمامية)، بحسب تأكيد التقرير ذاته الذي تحدث عن زيادة في "رعايا" تلك الكنيسة من 150 إلى 600 خلال عامين بسبب ارتداد هؤلاء، وأن هؤلاء الإيرانيين (الأكثرية بحسب ما نقلته الوكالة) يقوم تسعة أعشار دينهم على "التقية"، وهم يخادعون الألمان بهذا، مع ما في ذلك من إظهار لرقة دين هؤلاء التي حملتهم على ارتكاب ما قاموا به، وأن ليس على الألمان "المسيحيين" أن يفرحوا كثيراً بانضمام هؤلاء إليهم، لأن هؤلاء بالأصل كانوا خصماً من أمتنا لا إضافة عليها..

كل ما سيق في هذا، ليس لإبداء انزعاج مبالغ فيه وحده، وإنما للتدليل على أن عقيدة أوروبا لن تتخلف يوماً أبداً عما كانت عليه منذ أن واجهوا الإسلام أول مرة، وتحرشوا بدولة النبي صلى الله عليه وسلم في العقد الأول من تاريخ هذه الدولة.. أوروبا ستظل "مسيحية" لا علمانية، وسوف لن تدين أي سلوك عنصري قائم على معتقدها، ومثلما مررت تصريح أوربان وإجراءات دول شرقية وجنوبية وشمالية في أوروبا الانتقائية؛ ستشجع ابتزاز اللاجئين بتغيير دينهم..

هذا السلوك ما نركز عليه، أما الانزعاج؛ فحاصل بالتأكيد، لاسيما حين يتعلق باستضافة أطفال يمكن تنصيرهم بسهولة بعيداً عن أهليهم مثلما حصل مع لاجئي البوسنة والهرسك قبل عشرين عاماً، ويحصل دوماً. بل نزيد من الانزعاج جديداً حين نحذر الآن من مصيبة قد تأتي قريباً حين يحال أمر اللاجئين إلى دول شرقية عرفت بانتشار المافيات فيها، ودورها القذر في تجارة البشر وتجارة الأعضاء البشرية بتواطؤ وفساد من أنظمتها وصمت من دول أوروبا الغربية (يلاحظ الآن أن أوروبا الغربية (كاثوليكية وبرتستانتية) تحاول أن تجعل حصتها من اللاجئين دون الحدود الدنيا، بما يحيل البقية تلقائياً إلى أوروبا الشرقية (والجنوبية) (أرثذوكسية)الأفقر والأقل في التزامها بحقوق الإنسان).

ثمة قلق يعترينا بلاشك، وهو يتعاظم مع الوقت، لكن علينا ألا نبالغ في انزعاجنا للحد الذي يجعلنا نفقد الثقة تماماً في قدرة إخواننا السوريين على مقاومة الابتزاز العقدي، وفي تأثير السنوات الأربع الماضية على زيادة وعيهم، ونظرتهم الدقيقة للدور الأوروبي/الأمريكي فيما آلت إليه الأمور في بلادهم، وفي رعايتهم لطاغية بلدهم.. ولعل ما يلقونه يحفزهم بالاتجاه الصحيح، أن يكونوا سفراء بارعين لدينهم وحضارتهم وقيمهم.

 

 

المسلم

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع