عبد الوهاب بدرخان
تصدير المادة
المشاهدات : 2969
شـــــارك المادة
يحمل الرئيس الروسي نظيره التركي شخصياً مسؤولية إسقاط طائرة الـ «سوخوي 24» يوم 25 نوفمبر الماضي في شمالي سوريا، بعد انتهاكها الأجواء التركية. وأقحم الكرملين وزارة الدفاع الروسية حتى في الجانب السياسي من الحملة على رجب طيب أردوغان، كما لو أنه يحرّض المؤسسة العسكرية التركية ضد قائدها العام.
وبعدما وصف فلاديمير بوتن إسقاط الطائرة بأنه «طعنة في الظهر»، عاد فكرّر أنها «عملية غدر لن تنساها روسيا أبداً» قبل أن يهدّد تركيا بأنها «ستندم على ما فعلته». لكنه قال: «لن نشهر السلاح». بديهي أن وعيداً لدولة واستهدافاً لشخص رئيسها يستدرجان رد فعل معاكساً تماماً في تركيا أياً تكن الخلافات الداخلية. وإذا كان التصعيد البوتني موجها أولاً إلى الداخل الروسي فإنه يهدف إلى التمهيد لإبلاغ الرأي العام لديه أن الحرب التي وعده بأن تكون سريعة ومحدودة زمنياً، ستطول أكثر مما كان متصوراً.
ولا شك أن إسقاط الطائرة المدنية فوق سيناء ومقتل العديد من الروس في عملية رهائن الفندق في باماكو فضلاً عن إسقاط الطائرة الحربية، شكلت تطورات وضحايا غير متوقعة في حسابات بوتن. لذلك يصر على التقاط الحادث الأخير بغية إظهار أن روسيا لم تذهب إلى سوريا لتنهزم بل لتفرض وجودها وتؤكد نفوذاً كان لها دائماً حتى في وجود الإيرانيين، وأن على الدول الأخرى أن تتكيف مع تحركات الدب الروسي وألا تزعجه طالما أنها لم تبادر إلى -بل لم تشأ- التدخل في سوريا. ظل «القيصر» ضامناً أن الولايات المتحدة لم تتجاوز موافقتها المسبقة على دوره في سوريا وإن كانت لم تتخلَّ عن ضرورة تقنين هذا الدور ومحاولة توجيهه، وهو ما تفعله على أي حال، وبشيء من النجاح، سواء في لقاءات فيينا لـ «المجموعة الدولية لدعم سوريا» أو في تنشيط وتفعيل القوى الموجودة على الأرض والمؤهلة لخوض القتال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، أو «داعش».
كذلك يبقى «القيصر» ضامناً أن حلف الأطلسي (الناتو) لم يشأ سابقاً ولا يريد حالياً مواجهة مع روسيا ولا تدخلاً في سوريا، وإن كان الحلف بات معنياً أكثر من ذي قبل بالأزمة التي ضربت أوروبا بتدفق اللاجئين عليها ومفاقمة خطر إرهاب «داعش» في عواصمها. بديهي أن هاتين الضمانتين، الأميركية والأطلسية، لا تعنيان تسليماً للدور الروسي كما يتخيله الكرملين بل توجبان عليه التنسيق بمعناه الأكثر شمولاً.
والأهم أنهما لا تلغيان حقيقة أن لتركيا في شمالي سوريا مصالح زادتها الأزمة بفعل اضطرارها لاستقبال نحو مليوني نازح ولدعم المعارضة بجناحيها السياسي والعسكري، وكذلك بسبب تعاظم الشأن الأمني وتأثر الوضع الداخلي التركي بتحريك ورقة الأكراد السوريين واستطراداً الأكراد الأتراك، وأخيراً باستهداف التركمان السوريين ومعاملتهم كأقلية يمكن اقتلاعها، فضلاً عن الإشارة بين حين وآخر إلى بروز تعاطف وتواصل جغرافي بين العلويين في البلدين.
كل ذلك تعرفه روسيا جيداً لكنها فضلت تجاهله، متوقعة من أنقرة أن ترضخ للأمر الواقع الروسي وتتقبّل كما هو حتى لو عمد إلى تهميشها أو إلى محاولة إخراجها من الصراع وتحييدها، تماماً كما تسعى موسكو أيضاً إلى استبعاد أطراف عربية مثل السعودية وقطر. استثارت الضربة التركية بوتن فتعامل معها منذ اللحظة الأولى باعتبارها مسا بكبريائه الشخصية مقدار ما أن إسقاط طائرة روسية حادث نادر لم يحصل حتى خلال الصراع والحرب الباردة بين المعسكرين الدوليين. وراح يتصرف بنمط شخصي أيضاً لا كرجل دولة، بالأحرى دولة كبرى، بل تحولت كل المؤسسات إلى آلة بروباغندا موتورة استخرجت تقارير استخبارية عن تجارة نفط «داعش» عبر الحدود التركية، بقصد الإساءة لأردوغان وعائلته، وبثت وثائق مصورة جوا ما لبث الخبراء أن نقضوها بسهولة.
وكان مستهجناً أن يلجأ إلى «العقوبات»، متناسياً أن مطلبه الأول من الدول الغربية حالياً هو رفع العقوبات التي فرضتها عليه في سياق أزمة أوكرانيا.
وبالنظر إلى حجم التبادل بين الدولتين فإن خسائر روسيا من إجراءاتها تفوق بكثير ما تخسره تركيا، بل تتضاعف خسائر موسكو مع وقف المشاريع التي كانت قيد الدرس والتفاوض أو على وشك توقيع اتفاقات، ومنها مثلاً شراء تركيا مفاعلات نووية روسية. كان أهم ما شغل بوتن إدراكه أن الضربة التركية لا تعرقل اندفاعه إلى فرض قواعد اشتباك معينة فحسب بل تطمح إلى تغييرها، وهذا ما لم يكن قادراً على قبوله أو السكوت عنه.
لذلك شكل تصعيده نوعاً من الإنذار غير المباشر للولايات المتحدة وحلف «الناتو» بضرورة تأنيب أنقرة واحتوائها. ورغم أن المواقف الأولية الأميركية والأطلسية ظلت باردة إزاء تركيا تشجيعاً للتهدئة، إلا أن استمرار التصعيد الروسي دفع واشنطن إلى توضيح انحيازها للرواية التركية للحادث، ومثلها فعل «الناتو» متخلياً عن تحفظاته ليتبنى واقعة انتهاك الأجواء وحق تركيا في الردّ، بل ذهب أبعد بطرحه معاودة العمل باتفاقات فيينا التي كانت تطبق أيام الحرب الباردة لتفادي احتكاكات قد تؤدي إلى تداعيات غير محسوبة.
ولا يبدو أن روسيا راغبة في ترتيب كهذا يحقق أهداف تركيا، وربما يمنعها من مواصلة استغلال الحادث إلى أقصى حد لا لمعاقبة تركيا فحسب بل خصوصاً لفرض وقائع جديدة على الأرض من خلال ضرب مناطق المعارضة السورية ومواقعها، ذاك أن دعم نظام دمشق يبقى الهدف الرئيسي لتدخلها على أي حال.
العرب القطرية
مروان قبلان
جريدة الرأي
سميرة المسالمة
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة