إياد جبر
تصدير المادة
المشاهدات : 2965
شـــــارك المادة
في حين كانت القارة الافريقية غائبة عن الأجندات السياسية العربية، فأنها ظلت حاضرة وبقوة في الاستراتيجية الإيرانية، التي استطاعت مطلع الألفية الجديدة أن تكلل جهودها، بعقد مؤتمر قمة في العاصمة الشيعية طهران، حظي بمشاركة ممثلين عن 40 دولة أفريقية، مما أعطى مؤشراً واضحاً على عمق العلاقات بين الجانبين، خصوصاً إذا ما علمنا أن لطهران أكثر من 30 سفارة في القارة الإفريقية، مكنتها من الحصول على عضو مراقب في الاتحاد الإفريقي.
نظرياً يبدو حصر النشاطات الإيرانية على الساحة الإفريقية أشبه بالبحث "عن ابرة في كوم من القش" لأن أشكال التعاون الاقتصادي والعسكري والثقافي خرجت من طورها الطبيعي وتحولت الى علاقات استراتيجية في بعض الاحيان، كما هو حال العلاقات الايرانية السودانية قبل قرار الرئيس السوداني "عمر البشير" الأخير، الذي جمد بموجبه الكثير من المؤسسات الشيعية بعد ضغوط عربية ودولية، لكن مستوى التعاون بين الجانين كان قد وصل الى مستوى العلاقات الاستراتيجية، حيث عرفت السودان أكبر هجمة شيعية خلال شهر العسل الذي استمر لسنوات طويلة بسبب التقاء مصالح الطرفين في سبيل مواجهة الحصار الغربي.
وفي حين رفضت السودان الإذعان للضغوط الدولية، تمكنت إيران من الحصول على الكثير من الامتيازات داخل المجتمع السوداني ذات الأغلبية السنية، فانتشرت عشرات المؤسسات الثقافية الشيعية وأشهرها مركزان ثقافيان أحدهما في الخرطوم وآخر في أم درمان، ومعهد الإمام جعفر الصادق للعلوم الدينية، بالإضافة لعشرات الجمعيات والمؤسسات التي تقدم المنح والمساعدات المباشرة، علاوة على المؤسسات الاقتصادية ذات الصبغة الدينية التي تستقطب عمالاً وموظفين بمواصفات معينة، وكانت مؤسسة إيران غاز أهم تلك المؤسسات قبل أن تبيع أصولها لشركة سودانية العام الماضي.
ولا تقل الساحة الجزائرية خطورة عن سابقتها، فتعتبر البلد العربي السني الوحيد الذي يدرج عاشوراء في خانة أيام العطل مدفوعة الأجر، كعيدي الفطر والأضحى، وهو ما يمثل انحيازا غير مبرر وخدمة مجانية تقدمها الحكومة الجزائرية للشيعة، خصوصاً إذا ما علمنا أن شيعة الجزائر يصل عددهم إلى حوالي 300 ألف نسمة، وهم أقلية مقارنة بعدد السكان ذات الأغلبية السنية الذي يصل إلى حوالي 40 مليون.
ومن نافلة القول، إن التوجه نحو التشيع بات في تنام مطرد في دول غرب أفريقيا، حيث تحدثت تقارير مختلفة عن بلوغ عدد الشيعة هناك نحو 8 ملايين فرد، بعد أن كان وجودهم محدوداً للغاية في هذه المنطقة من العالم، وقد بدأت حركة التشيع تأخذ زخماً متزايداً خلال السنوات العشر الماضية، بصورة تبدو ممنهجة ومؤسسية، نتيجة الامتيازات التي حصلت عليها إيران هنا وهناك.
وعلى ضوء التحديات المختلفة التي تواجهها، سعت إيران بالتوازي مع نشر المذهب الشيعي إلى التطلع لكسر الحصار الاقتصادي المفروض عليها، فباتت مع مرور الوقت أكبر مصدري السلاح إلى السودان، وكان المحافظ نجاد قد نجح في تصدير 4 ملايين طن من النفط إلى كينيا سنويا. وإستكمالاً لمسلسل الهروب من الحصار الدولي عليها عمدت إلى تنويع صادراتها النفطية، لتشمل الاقتصاديات النامية في أفريقيا، مستخدمة أسلوب الدخول من باب تقديم المساعدات الممثلة في بناء مشروعات البنية التحتية للطاقة وتجديد مصافي النفط، وبناء محطات توليد الكهرباء وتقديم خبراتها التكنولوجية في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية.
وقد ساعدها هذا الأسلوب على تحسين علاقاتها مع دول إفريقية عدة وقعت معها العديد من اتفاقيات التبادل التجاري، كصفقتها التجارية مع السنغال عام 2013، التي أنشأت بموجبها مصنعاً للسيارات الإيرانية هناك، مما أحداث رواجاً لسوق السيارات في الداخل الإيراني.
من ناحية أخرى تتجلى حالة التنافس الإقليمي، وتتشابه من حيث الأدوات والأساليب المستخدمة في القارة الافريقية، فإيران كإسرائيل تسعى لتدعيم نفوذها فى دول حوض النيل، كما تذهب باتجاه الدول الافريقية الأكثر تأثيراً، لاسيما أثيوبيا وأرتيريا، والأخيرة فتحت أراضيها لإيران ومكنتها من إنشاء قاعدة عسكرية في الميناء الجنوبي لأراضيها. وهو ما يمكن اعتباره محاكاة للتجربة الإسرائيلية هناك، لكن يبدو واضحاً ان الهدف الإيراني من وراء ذلك، محاولة فرض سيطرتها على الخليج العربي، من خلال استغلال وجودها في أرتيريا، الذي مكنها من دعم الحوثيين في اليمن مؤخراً.
في سياق متصل، يبدو أن القارة الافريقية تمتلك الكثير من المحفزات التي أسالت اللعاب الإيراني، فخام اليورانيوم القليل نسبياً في الأراضي الإيرانية، والمتواجد بكثرة في العديد من الدول الافريقية، يمكنه أن يجنبها الرقابة والعقوبات الدولية المفروضة عليها، لأن احتياجات برنامجها النووي منه تفوق احتياطاتها، لذلك تشكل جمهورية النيجر محط أطماع إيران، كونها تعتبر رابع دولة على مستوى العالم من حيث المخزون الاحتياطي لخام اليورانيوم.
لذلك كان لتطور العلاقات الاقتصادية والعسكرية والثقافية، انعكاسات إيجابية على صعيد العلاقات السياسية الإيرانية الأفريقية، فحققت طهران غايتها على صعيد المنظمات الدولية، لأن الحضور السياسي الأفريقي لم يكن إلا عوناً لها، أو على الأقل تضمن عدم تصويت تلك الدول ضدها، لأن مجموع الدول الأفريقية تمثل أكثر من ربع مقاعد الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وبالرغم من تغلغلها السرطاني عبر القنوات الشرعية، إلا أنها لا تدخر جهداً في استخدام القوة الخشنة في بعض المواقف، فما نشرته صحيفة الغارديان البريطانية وقناة الجزيرة القطرية الاثنين الماضي 23/2، حول نشاطات المخابرات الإيرانية في جنوب إفريقيا وعلاقاتها بمجموعات ارهابية ومنظمات متطرفة محلية تعود لعام 2010، يؤكد بما لا يقبل التأويل، أن القارة الأفريقية وثرواتها وموقعها جعلا منها مرتعاً لأجهزة المخابرات الإيرانية. لأن هذا الحادث لم يكن الأول من نوعه، فكانت نيجيريا والسنغال قد شهدت أحداثاً مشابهة في أوقات سابقة، فالأولى شهدت حدثين منفصلين لتحركات المخابرات الإيرانية التي قامت بتهريب كميات من الكوكايين داخل حاوية لقطع غيار السيارات عام 2010 وقيل حينها إن علي أكبر طبطبائي قائد وحدة إفريقيا، كان قد لجأ إلى السفارة الإيرانية في لاجوس، واستطاع الخروج من نيجيريا على طائرة وزير الخارجية الإيراني أثناء زيارته المفاجئة لها.
بينما الثانية كانت عام 2013 بعد اعتقال السلطات النيجيرية لخلية تربطها علاقة بالمخابرات الإيرانية كانت تحاول الوصول لأهداف أمريكية وإسرائيلية هناك، أما السنغال فكانت ومازالت محل اهتمام إيراني بعد قطع العلاقات معها، فعملت الأخيرة على تقديم كافة الإغراءات الاقتصادية لتحويل المزاج السياسي لتلك الدولة الأفريقية التي استجابت تحت ضغط المال وإغراءات الاقتصاد.
في ضوء هذا التحرك الإيراني الدؤوب على الساحة الأفريقية مع استمرار حالة الغيبوبة العربية، يمكننا القول إن الرؤية العربية لأمنها القومي التي تتوقف عند حماية النظام السياسي من الانهيار والحفاظ عند الحد الأدنى على تأمين الحدود المباشرة مع جيرانها، فإن الرؤية الإيرانية تبدو مغايرة تماماً، وتشبه إلى حد بعيد أسلوب الدول الاستعمارية التي لا تألو جهداً في البحث عن كل متطلبات أمنها القومي، وفي نفس الوقت الضغط على خاصرة أعدائها.
كما أن الجهود الإيرانية في القارة الأفريقية يمكن قراءتها في سياق تبادل الأدوار مع إسرائيل بهدف تطويق المنطقة العربية وعزلها عن محيطها الأفريقي وابتزازها الواضح، من خلال نفوذها في منطقة حوض النيل.
مجلة البيان
محمد بسام يوسف
نجوى شلبي
عمار ديوب
سليم الحاج
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة