مجاهد مأمون ديرانية
تصدير المادة
المشاهدات : 3626
شـــــارك المادة
نشر الشيخ عبد الله المحيسني تغريدة من كسب يبشّر فيها المسلمين بأن المجاهدين كسروا الصلبان في كنائس النصارى وأراقوا خمورَهم في الطرقات، فلما قرأت ما كتبَه تذكّرت حادثةً قرأتُ خبرها في عدرا يوم افتتحتها كتائب الغوطة قبل شهرين، وفيها أن بعض المجاهدين دخلوا بيتاً لأرملة نصرانية فوجدوا على الحائط صليباً معلّقاً،
فهَمّ أحدهم بكسره، فرَجَتْه أن لا يفعل لأنه ذكرى من أمها، فلم يُبالِ برجائها وكسره؛ لأن كسره واجبٌ في الإسلام كما قال. لا أجزم بصحة القصة الأخيرة، أما تغريدة المحيسني فقد صدرت عن حسابه الرسمي وانتشرت وعمّ خبرها حتى صارت مسوِّغاً لمثل تلك الأفعال ودافعاً إليها، فلا نأمَنُ أن يستند إليها مَن ليس عنده علم من المجاهدين، فيصبح تكسير صلبان القوم ممارسة عامة تقوم بها الكتائب المجاهدة باسم الإسلام، من أجل ذلك كتبت هذه الكلمة الموجزة. الأصل أن الإسلام يصون أموال الناس، فمَن أتلف لغيره مالاً "متقوَّماً" فإنه يضمنه ويطالَب بتعويضه. والمال المتقوَّم عند الفقهاء هو كل غرض يُنتفَع به على وجه صحيح، فلما كانت الخمر مما لا يَنتفع به المسلمُ؛ لأنها محرَّمة في الإسلام فإنها ليست مالاً متقوَّماً عند المسلمين، ولكنها كذلك عند غيرهم، ومثلها الخنزير والصلبان. هذه الأشياء التي حَرّمها الإسلام على المسلمين -أكلاً وشرباً واقتناء- لا تُضمَن وحقُّها الإتلاف ما وُجدت عندهم، وإذا غصب المسلم أو الذمّي من المسلم شيئاً منها أو أتلفه فلا ضمان عليه، أما الذمّي فإنها عنده مالٌ متقوّم، وله أن يحتفظ بها في بيته وأن يستعملها كما يشاء، فيعلّق الصليبَ ويأكل الخنزير ويشرب الخمر أو يبيعها لذمّي غيره. لا أعلم خلافاً بين أهل العلم في أن ذلك كله جائز لأهل الذمة في ديار المسلمين ما لم يتظاهروا بها، أي ما لم يُظهروها علانيةً بقصد تحدي المسلمين وإثارة مشاعرهم، فإذا خلت من التظاهر (من الإعلان) واقتصرت على بيوتهم وكنائسهم فهي من الحقوق الأصلية لهم ولا يجوز الاعتداء عليها ولا مصادرتها أو إتلافها، وقد ذهب أكثر فقهاء الحنفية والمالكية إلى أن مَن أتلف على الذمي الخمرَ والخنزير غرم قيمتهما، فقالوا: يضمن المسلم والذمّي خمرَ الذمي وخنزيرَه إذا استهلكه أو أتلفه، ويضمن المسلم قيمة صليب النصراني إذا تلف في يده (راجع: "نصب الراية" وغيره من كتب الحنفية والمالكية). قد يقول بعض الثوار: إن شبّيحة وادي النصارى شاركوا جيشَ النظام في مجزرة قلعة الحصن التي راح ضحيتَها عددٌ كبير من الأبرياء، وإن هذا يُبيح الانتقام من نصارى كسب وسائر نصارى سوريا؛ لأن مِلّة الكفر واحدة، وليس هذا في دين الإسلام، فإن القاعدة العامة عندنا والأصل العظيم هي قوله تبارك وتعالى: {ولا تَزِر وازِرةٌ وِزْرَ أخرى}، وروى أبو يوسف في كتاب "الخراج" أن مما جاء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لنصارى نجران: ((لا يؤخَذ منهم رجل بظلم آخر)). فيا أيها المجاهدون الكرام: لا تخالفوا دينكم ولا تَخفِروا ذمّتكم، ولا تصنعوا كما صنعت داعش التي لم تَرْعَ حقاً لمسلم ولا ذمّة لغير مسلم، فاستباحت الأموال والأملاك واعتدت على كنائس النصارى بالباطل، إن ديننا أعظم من ذلك وأسمى، وإن يكن المحيسني قد أفتاكم فاعرضوا فتواه على أهل العلم الثقات الراسخين من علماء سوريا وغيرهم ولا تتابعوه على خطئه، ودونَكم ما صحّ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في "العهدة العمرية" الشهيرة التي منحها لأهل إيلياء (القدس) قبل 1420 سنة: "هذا ما أعطى عبد الله عمرُ أميرُ المؤمنين أهلَ إيلياء من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم، لا تُسكَن كنائسهم ولا تُهدَم ولا يُنتقَص منها ولا من حيّزها ولا من صليبها". هذا هو ديننا، والجهاد إنما شُرع لتمكين الدين لا لنقضه ومخالفته. اللهمّ إني قد بلّغت.
رابطة العلماء السوريين
أبو طلحة الحولي
عبد العظيم عرنوس
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة