نجوى شبلي
تصدير المادة
المشاهدات : 4488
شـــــارك المادة
بعثت إحداهن برسالة إلى ابنتي تتحسّر فيها على أيّام ما قبل الثورة السورية, وما كان فيها من أمن وهدوء وفرح, فلا دمار للمساجد والكنائس, ولا انقطاع للكهرباء, ولا قتل ولا غير ذلك. لن أطيل عيكم يا سادة؛ فالرسالة طويلة, وتضفي على نظام الأسد من الصفات والمناقب حتى ليعتقد قارئوا هذه الرسالة أنّهم في زمن الخليفة العادل عمر بن الخطّاب, أو أنّهم في زمن الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز.
وقبل أن أتحدث عن البواعث الحقيقية, والدوافع الخفية لمشاعرها تلك, والتي دفعتها لكتابة ما بعثته, هنا لابدّ أن أذكر هذه وأمثالها بأنّ الحريّة التي تحدّثت عنها طالت الصغير قبل الكبير بحيث تساق المرأة مع بناتها اللاتي لم يولدن في بلدهن إلى فروع الأمن المختلفة, وتجرى لهنّ عمليات التخويف والترهيب قبل دخولهن على المحقّق, وانتزاع اعترافهن بإرهاب والدهن المجرم والذي فرّ من يد العدالة في ثمانينات القرن الماضي. إنّ الحديث عن الأمن يعني أن تقضي إجازتك بين فروع الأمن, وفي هذه الفروع الأمنيّة لا بدّ أن تقع عيناك على مجموعة من الشباب جاؤوا لدفع الأتاوة المفروضة من قبل المبتزين, ومن قبل السماح لهم بعدها بالحصول على تأشيرة خروج للعمل فوق سفينة مبحرة إلى هنا أو هناك في أرجاء المعمورة, أو السماح لهم بالعمل في دولة خليجية أو أوربية أو غيرها. وإذا تحدثنا عن الأمن, فالأمن الذي يريدونه هو الهدوء الذي يعني إغلاق الفم, والصمت المطبق, وعدم الحديث عمّا يعانيه الإنسان من ضائقة مادية, أو نقد لتصرف أيّ مسؤول صغر أو كبر مقامه في النظام الحاكم, إنّ الأمن الذي يريدونه هو أمن القبور. حدثتني أمّ صاحبة الرسالة أنّها رأت بعينيها في عهد الوالد الأب وأثناء أحداث الثمانينات كيف أتي بشبّان من إحدى مناطق حلب وطلب منهم رجال أمن النظام أن يصطفوا ووجوههم إلى الحائط, ثمّ بدؤوا بعدها بإطلاق الرصاص عليهم؛ ليقتلوا؛ ولتبقى دماؤهم على الحائط ولأسابيع عديدة شاهدة على ظلم الإنسان لأخيه الإنسان. ربّما خشي أهل صاحبة الرسالة من الحديث أمامها مثل الكثير ممن شهدوا أحداث الثمانينات خوفا على أنفسهم من النظام, فلم تسمع بما فعله رفعت الأسد في مدينة حماه, أو ماذا حدث في سجن تدمر, وربّما لم تسمع بما فعله ماهر الأسد في سجن صدنايا. إنّ الحديث عن الأمن في سوريا الأسد ـ كما يحلو أن يقول ذلك أتباع النظام ـ يحتاج إلى مجلدات, ولا يمكن لمقال صغير, ولا حتى لكتاب أن يفيه حقّه. أمّا الرفاهية التي ذكرتها, فلعلّها لم تزر أماكن لا تبعد عن بيتها سوى عشرات الأمتار, لترى الفقراء والمساكين في الصباح وهم يبحثون في حاويات القمامة عن بقايا طعام أو خبز, ولعلّ عينيها تجاوزت الأطفال الصغار الذين يحملون البضائع البسيطة, يبيعونها على قارعة الطريق؛ ليعودوا بمبلغ بسيط يستطيع الأهل الاستعانة به في حياتهم البائسة في الوقت الذي يجب أن يكون هؤلاء الأطفال في مدارسهم. لعلّ هذه الفتاة نسيت أنّ أخاها المهندس وأخاها الآخر الذي لم يكمل تعليمه الجامعي اضطرا للخروج للعمل في دولة خليجية؛ لكسب المال والعيش, والتمكن من الزواج وتأسيس أسرة, وأنّهما كانا أوفر حظا من آلاف الشباب الذين لم يجدوا فرصة للعمل في بلدهم لأن العمل متوفر فقط لمن يعلن ولاءه وخضوعه للنظام. إنّ الرفاهية الموجودة في سورية الأسد هي رفاهية من شارك النظام في سرقة الشعب. أمّا الجامعات فهي للمحظوظين فقط, ولمن أفنى وقته في الدراسة, أو لمن حصل على دورات في فنّ الدفاع عن النظام. أمّا الكهرباء ...فاسألوا أهل بانياس, ففي الوقت الذي يحلّ الظلام على المدينة, وتنقطع الكهرباء, كنت تجد الأضواء منبعثة من قرى طائفة النظام؛ لتعبّر عن الظلم الذي وقع على أهل المدينة, والذي عليهم أن يتحمّلوا المخلّفات والآثار الضاّرة للمحطّة الحرارية المزروعة قرب بيوتهم. وحديثها عن الفرح يبدو غريبا في الوقت الذي يخيّم الحزن والشوق والأسى على حياة هؤلاء الذين غاب عنهم أبناؤهم في بقاع الأرض المختلفة, أو غيّبهم النظام إمّا في السجون, أو تحت الأرض. أمّا هذا الفرح فقد تكون هذه الفتاة وجدته في الرحلة التي يصحبهم فيها الأخ الأكبر بسيارته التي جلبها معه من الخليج, وإلى حيث الساحل السوري بطبيعته الخلّابة, وحيث الرفاهية التي قدّمها الرئيس لبعض أبناء طائفته القليلة, في الوقت الذي تنعدم هذه الرفاهية عند أكثرية الشعب من السنّة. وليت هذه الفتاة لم تتحدّث عن تدمير الكنائس والمساجد, لأنّ من تتحسّر على أيّامه قبل الثورة هو من هدمها ببراميله المتفجّرة التي يلقيها من طائرات يقودها مرتزقة ومتطوعون أو مبتعثون من إيران وغيرها, جاؤوا من أقاصي الأرض لا يجمعهم إلّا حقد مئات السنين, والرغبة في قتل مئات ألوف أخرى, وحتّى يرضى عنهم المسردب, والذي لن يخرج قبل أن تمتلئ الأرض بدماء العرب السنّة. نعم يا سادة, الحديث أقطعه قطعا, والنفس فيها الكثير والكثير ممّا تودّ أن تخرجه, ولكني أذكّر هؤلاء الرمادييّن والمخدرين الواهمين, والذين لا يرون السعادة إلّا في توافه الأمور, وإلّا إذا حامت فوق رؤوسهم دون غيرهم, ودون أن يلتفتوا إلى أحزان الآخرين وهمومهم, أذكّر هؤلاء بقوله تعالى: {ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير أطمأنّ به, وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه, خسر الدنيا والآخرة, ذلك هو الخسران المبين}
زياد الشامي
مجاهد مأمون ديرانية
أحمد موفق زيدان
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة