جهاد حسين
تصدير المادة
المشاهدات : 2975
شـــــارك المادة
على الرغم مما لاقاه المجتمع السوري السني، الذي يشكِّل ما نسبته 80% من التوزيع البشري لسكان سورية بأكملها، من إبادات جماعية وتضييق في دينه على يد شرذمة طائفية حكمت البلاد طوال 40 سنة تقريبا، إلا أنه ما زال متمسكا بحبال الوصل بينه وبين دينه الذي ارتضاه الله له، ويبدو هذا جليا من الشعارات التي رفعها منذ بداية ثورته المباركة التي أطلقها قبل نحو 3 سنوات، وأجمع عليها بجميع طوائفه العرقية: (يا الله ما لنا غيرك يا الله).
كان لحافظ الأسد تاريخ حافل بالعداوة لدين الله ومساجد المسلمين، بدأ ذلك مع بداية تسلطه على مقدرات الأمور في سورية، وكان آخر هذا العداء ما فعلته عصاباته الحاقدة في حماه؛ ففي بداية السبعينيات استولى الأسد الأب على المدارس الشرعية التي كانت منتشرة في البلاد، واستولى على كل المؤسسات الدينية التابعة لها، أو المنفصلة عنها، وكانت هذه خطوته الأولى في محاربة المساجد ودورها الكبير في المجتمع تربويا وسياسيا واجتماعيا. وكانت خطوته الثانية متمثلة في الأوامر الصادرة عن وزارة الأوقاف عام 1978م، وتقضي بألّا تَفتح المساجد أبوابها للمصلين إلا في أوقات الصلوات الخمس فقط، وأن تغلق بين كل وقتَيْ صلاة.
لكن هذا لم يكن ليحوِّل السوريين عن اهتمامهم بالمساجد وحرصهم على بنائها، فازداد عدد المساجد، وتداعى الناس إلى عمارتها بالتبرع وبذل الأموال، والصلاة فيها وعقد مجالس العلم، وتنشئة أبنائهم على هذه المبادئ؛ ما زاد من غيظ الأسد الأب ونظامه. وهنا بدأت الحرب على المساجد تأخذ شكلا أكثر مباشرة، ففي 2/6/1980م قامت عناصر سرايا الدفاع والوحدات الخاصة بمداهمة مساجد مدينة دمشق ليلا، ثم احتلالها حتى طلوع الفجر عندما بدأ المصلون يتواردون إليها، حيث تم اعتقالهم، وتخريبها – أي المساجد - ونهبها وتمزيق مكتباتها. وبعد أيام جمع الأسد عددا من مشايخ دمشق وعلمائها قسرا، وبعد أن تهدّدهم وتوعدهم قال لهم إنه لن يكترث ولو راح ضحية تفتيش المساجد عشرات الآلاف من المسلمين. وفي 17/2/1980م اقتحمت عناصر من السلطة مسجد ثكنة هنانو في حلب، فمزّقوا المصاحف وداسوها! ثم أضرموا النار في المسجد. وفي أبريل من العام نفسه اقتحمت السلطة جامع (أبي ذر) في حلب بقصد اعتقال شيخي المسجد (الشيخ محمد أبو النصر البيانوني، والشيخ محمد أبو اليسر البيانوني)، ولما لم يجدوهما أهانوا المصلين واضطهدوهم، ثم عادوا بعد أيام، فنهبوا المسجد وأغلقوه بالشمع الأحمر. وفي أبريل ومايو من عام 1980م هاجمت عناصر القمع عددا من مساجد حلب بحجة التفتيش، منها (مسجد الصالحين، مسجد فاطمة الزهراء، مسجد عباد الرحمن، ومسجد النور)، وعاثوا فيها تخريبا وفسادا. وفي أبريل من العام نفسه تعرض مسجد الشيخ علوان في حماه لهجوم غادر، مزقت فيه المصاحف، وديست مع الكتب الإسلامية، وأتلفت مع غيرها من محتويات المسجد. وفي اللاذقية قامت عناصر من سرايا الدفاع بمهاجمة جامع (العجان) في المدينة خُفْيةً، وحاولوا زرع المتفجرات فيه، لكن الله سلَّم وأحبط كيدهم، فقد اكتشف المصلون الأمر، وأجبرت المخابرات على ترك المسجد. وجاء فبراير 1982م، وسُجِّلت فيه واحدة من أكبر المجازر في التاريخ التي استهدفت مدينة حماه السنية، ووصم الأسد نفسه وعشيرته وأركان حكمه بوصمة عار ستلحقهم إلى يوم الدين؛ فقد نفثوا في هذا الشهر كل حقدهم على الإسلام، فبدؤوا أول ما بدؤوا بمآذن المساجد يقصفونها، ثم ثنُّوا بالمساجد نفسها يقصفونها ضمن قصفهم العشوائي للحياة والأحياء، ولم يكتفوا بهذا، بل نسفوا المساجد بالديناميت، بعد أن خيَّم الهدوء على المدينة، ثم أزالوا أنقاضها بالجرافات!!
وحينها توقف الأذان في حماه لمدة ثلاثة أشهر، بدءا من اليوم الأول للأحداث 2/فبراير/ 1982م؛ لسببين: الأول: أن مآذن المساجد والجوامع قد هدمت بأكملها. السبب الثاني: الخوف الذي تلبَّس الأهالي من بطش زبانية السلطة. وبعد مضي أكثر من شهر على نهاية مأساة حماه الكبرى، سعى من تبقى من أبناء المدينة لترميم المساجد التي أصيبت إصابات جزئية. وخلافا للعادة المتبعة في جمع التبرعات العلنية لبناء المساجد، اضطر المواطنون لجمع التبرعات بشكل خفي للإنفاق على هذه الترميمات. بعد ذلك أعادوا بناء جميع المساجد المهدمة خلال سنوات بعد الكارثة. فيما سبق كان شيئا يسيرا مما عاشه السوريون من اضطهاد في دينهم كان بطله حافظ الأسد وأعوانه من الطائفة النصيرية، وهذا الأمر لم يختلف كثيرا عما عاشه ويعيشه "سنة سورية" حاليا في ظل إدارة الابن بشار الأسد؛ فما زالت هناك العديد من المدارس الشرعية السنية التي يرفض النظام الاعتراف بها دراسيّا بسبب أنها رفضت تقرير منهاجه الدراسي الذي يحتوي في أغلبه على مبادئ حزب البعث والاشتراكية وتاريخ مزيَّف عمل النظام من خلاله على تمجيد وتحسين صورة جرائمه بدعوى أنها لحماية الأمن المجتمعي السوري.
وفي مقابل ذلك، أتاح نظام الأسد الابن في السنوات القليلة الماضية المجال لدعاة التشيّع في سوريا "البلد السني"، ومهّد أمامهم جميع العقبات، وهو ما ساعدهم على نشر تشيّعهم بكل يسر ودون أي اعتراض في كثير من المدن والقرى السورية.. علما أن التشيّع جسم غريب أراد النظام وأزلامه زرعه في الجسم السوري السني حتى يمزق هذا الجسد الواحد، وعوضا عن أن يكون الشعب السوري شعبا موحدا متجانسا كما كان عبر التاريخ؛ يكون شعبا متفرقا غارقا بالفتن والاقتتال. وما نشاهده الآن من جرائم فظيعة يرتكبها النظام النصيري منذ نحو 3 سنوات بحق أهل سورية الذين خرجوا على نظام يعرفونه جيدا؛ فهم لم ينسوا ما حدث قبل ثلاثين عاما من اضطهاد وتقتيل على يد الأسد الأب بحق آبائهم وأجدادهم؛ ما نشاهده ما هو إلا دليل بالغ الوضوح على محاولة تصفية المجتمع السني وتهجيره من أرضه، لكن هذه الحرب فرضت عليه -أي المجتمع السني-، ولن يكون في وسعه إلا أن يخوضها حتى النهاية؛ لأنه ثار من أجل دينه وعزته وكرامته وحريته، ولن يتراجع -بإذن الله- أبدا حتى ينال ما يريده، عاقدا أمله على ربه تبارك وتعالى وحده: (يا الله ما لنا غيرك يا الله). مجلة البيان
ياسر الزعاترة
داود البصري
طارق الحميد
ميشيل كيلو
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة