عبد المجيد البيانوني
تصدير المادة
المشاهدات : 7584
شـــــارك المادة
سخر كثير منّا من النظام عندما تكلّم عن العصابات المسلّحة، ثمّ أتبع التهمة بتهمة تنظيم القاعدة.. وقلنا: من ذا الذي يصدّقه؟ والغرب والشرق يعلم أنّه أكذب نظام على وجه الأرض، ولكنّه في الحقيقة كان يقدّم المبرّرات للغرب ليقف معه في حربنا، ويدعمه إلى أبعد مدى، ويسكت على جرائمه مهما فعل.. وهذا الذي قد كان..
وتتكشف متوالية المؤامرة، وخيوطها الدوليّة على الشعب السوريّ يوماً بعد يوم: ـ سكوت عالميّ عن جرائم النظام وكأنّ ما يجري في سورية في كوكب آخر. ـ تضخيم أخطاء الثوّار وتسليط الضوء عليها، لصرف الأنظار عن جرائم النظام. ـ منع أيّة وسيلة عن الشعب السوريّ للدفاع عن نفسه. ـ الإغاثة بالقطّارة للشعب السوريّ وللاجئين. ـ خارطة طريق مرسومة لجرائم النظام، وتنفّذ مراحلها بشفرة مضلّلة، ظاهرها فيه الرحمة، وباطنها من قبله العذاب، وذلك لتعليق آمال الشعب بالسراب، كالتصريحات المعبّرة عن التعاطف مع الشعب، وإطلاق بالونات التهديد والوعيد للنظام بين الحين والآخر، على غرار التهديدات العربيّة العنتريّة البائدة لإسرائيل، ولا تكون لها أيّة ثمرة أو نتيجة إيجابيّة. ـ فكيف سارت خارطة الإجرام: بدءُ القتل من أوّل لحظة، مُتواليةٌ هندسيّة في القتل والاعتقال، غزل للنظام من هنا وهناك، بتصريحات وتلميحات، وتوسّلات وتمنّيات، ليكفّ عن القتل، اجتماعات مكّوكيّة مطوّلة، ومهلات عربيّة متوالية، وقيل وقال، وجدل بيزنطيّ عقيم، ومبعوث عربيّ ثمّ دوليّ، ثمّ مراقبون دوليّون، أكثرهم متآمرون متواطئون.. والعالم لا يكفّ عن لهجة التوسّل للنظام والرجاء، ثمّ تمخّضت جبال العرب العتيدة ، وقممها المكسوّة بثلج الأموات عن قرارات جعجعة بلا طحن، لها صورة بلا حقيقة، ولا لون لها، ولا طعم، ولا رائحة.. وتعلّق بها المساكين من شعبنا المنكوب، والبائسون من السياسيّين العجزة، علّها أن تنفع غلّة، أو تداوي علّة.. ولكن هيهات ! هيهات ! ثمّ لعب الغرب على تعليق كلّ دعم للشعب السوريّ على توحّد المعارضة، مع العمل بكلّ وسيلة لبقائها مختلفة متفكّكة، تتجاذبها أفلاك وانتماءات، وارتهانات وولاءات.. ودعم ذلك بإطلاق المخاوف من خطر التطرّف الإسلاميّ، ووجود القاعدة، في محاولات بائسة لإبعاد الثورة عن هوّيّة الشعب وانتمائه الدينيّ، وإظهار التخوّف من الحرب الأهليّة والطائفيّة، مع تحريك مشاعر الخوف من المستقبل لدى الأقلّيّات الدينيّة والعرقيّة وتأجيجها، وتنشيط مطالبها واستحضارها .. ولوّح العالم من زمن مبكّر بامتلاك نظام الإجرام للأسلحة الكيماويّة ، وخشيته وإشفاقه على الشعب من استخدامها ، وما كان ذلك إلاّ ضوءاً أسود كوجهه الكالح ، ليستخدمها ، وقد استخدمها النظام المجرم بشكل أو بآخر ، كما استخدم معها كلّ الأسلحة المحرّمة دوليّاً ، والعالم ينظر ويسمع ، ولكنّه أصمّ أعمى .. ثمّ عاد العالم المتواطئ مع المجرم إلى الحديث عن استعمال الأسلحة الكيماويّة ، والتخويف منها ، والشعب الأبيّ المصابر ، كأنّ الأمر لا يعنيه في شيء ، فقد استوى الموت عنده بكلّ أسبابه ، ولن يصدّه عن غايته سبب منها .. ولقد تعلّمنا في هذه الثورة أنّ الغرب ما صرّح من تصريح إلاّ كان إشارة للنظام أنّه دخل في مرحلة جديدة ، وأنّ تصريحه بمثابة الإذن له بما يراد منه .. وتتداخل خيوط المؤامرة وتتشابك ، ويكثر الكرّ والفرّ ، والمراوغة والمكر ، وتتجاور الآمال المنعشة بالتصريحات المضلّلة ، وتملأ آفاق العالم بالدخان والضباب ، ويعيش الشعب السوريّ متأرجحاً بين الآمال وخيباتها ، والوعود وأكاذيبها ، وهو يودّع شهداءه كلّ يوم صابراً مرابطاً ، متطلّعاً إلى فرج عاجل ، ونصر من الله قريب ..
وإنّ أخبث الخيوط التي تكشّفت أخيراً بداياتها : التفكير بل التخطيط للتدخّل في سورية، لا لحماية الشعب السوريّ من آلة القتل والتدمير، التي لا توفّر شيئاً من مظاهر الحياة، ولا لإلجام المجرم عن إجرامه، ولا لإغاثة النساء والأطفال، الذين إن لم يموتوا ببراميل المتفجّرات ماتوا من الجوع والبرد والمرض.. وإنّما لمحاربة تنظيم يظنّ أنّه يحمل فكر القاعدة ، أو تنظيمات أخرى إسلاميّة ، تتّهم بمثل هذه التهمة .. ولا نقول لهم إلاّ تبّاً لكم أيّها المجرمون الكبار، فما عاد نفاقكم وكذبكم يخدعنا، وما أنتم بأقلّ إجراماً من هذا المجرم الجزّار .. يقول الله تعالى : « ومكروا مكراً كبّاراً » .. « ويمكرون ، ويمكر الله .. » .. « ويخوّفونك بالذين من دونه .. » .. « والله من ورائهم محيط » .. ومع تجلّيات هذه الآيات البيّنات ، وأسرارها التي لا تحيط بها العقول والأفهام نقول بكلّ اطمئنان : إنّ تعامل الغرب مع الثورة السوريّة أوقعه بشرّ أعماله ، وعصف به عكس كيده ومكره ، وحقّ عليه قول ربّنا سبحانه : « إنّه فكّر وقدّر ، فقتل كيف قدّر ، ثمّ قتل كيف قدّر » .. لقد قدّر الغرب بكيده ومكره الخفيّ ، أن توأد الثورة السوريّة خلال أشهر ، فسكت عن هذا المجرم ، وأعطاه المهلة تلو المهلة ، وما درى هذا الغبيّ المتذاكي أنّه أعطى الفرصة أيضاً لهذا الشعب أن يشتدّ في دعم الثورة عوده ، وتحشد طاقاته ، وترسخ قدمه ، وتتّضح هوّيّته وانتماؤه، ممّا جعل هذه الثورة بإذن الله عصيّة على الإجهاض أو الاحتواء أو التدجين، وفي الوقت نفسه كشف زيف الغرب ونفاقه في دعاوى الدفاع عن الحرّيّة والديموقراطيّة، والانتصار لحقوق الإنسان .. وأخيراً ، ولسنا ندري ما الأيام حبلى به من المفاجآت ، وهل بقي في جعبتها شيء من المآسي والابتلاءات.؟! ولكنّنا نعتصم بالصبر والاحتساب ، ونوطّن النفس على التضحية والثبات ، ولا نقول إلاّ ما علّمنا ربّنا جلّ جلاله : « الذين قال لهم الناس : إنّ الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ، فزادهم إيماناً ، وقالوا: حسبنا الله ، ونعم الوكيل » ، وما قال نبيّنا صلّى الله عليه وسلم يوم الطائف : « اللهمّ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي ، غير أنّ عافيتك أوسع لي .. لك العُتبى حتّى ترضى ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بك » ، ونقول ما ردّد ويردّد شعبنا الأبيّ في كلّ أرجاء سورية : « يا الله ! ما لنا غيرك يا الله ! » .. إضاءة : طوبى لشعب يدخل تاريخ المجد والفخار من أكرم أبوابه ، والإثم والعار لمجرم دمّر بلده ، وأهلك شعبه ، ولكلّ من سكت عليه أو أعانه ..
رابطة العلماء السوريين
فيصل القاسم
الطاهر إبراهيم
أبو طلحة الحولي
عبد المنعم زين الدين
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة