كيف وقعت الطائفة العلوية في (فخ) الأسد الأب؟ وهل تعرف أنها وقعت؟ كما ذكرت في مقال سابق، فقد وصل الأسد الأب إلى السلطة مكافأة له على تسليم الجولان في حرب حزيران 1967. ثم ضمن الغرب استمراره في الحكم مقابل قيامه بتنفيذ مجموعة من (المهام القذرة) أهمها تصفية المقاومة الفلسطينية وضمان سلامة حدود إسرائيل وخلق الفتن الطائفية في المنطقة (حين الطلب) وحتى يتمكن من ذلك، كان عليه أن يجند لحمايته في الداخل مجموعة شكلها من حثالة كافة طوائف الشعب السوري بلا استثناء قدرتها بحوالي خمسة بالمئة من مجموع السكان.

وهي مجموعة تضم تجاراً ورجال أعمال وأطباء ومهندسين وضباطاً ورجال أمن وكذلك جهلة ومعدمين، ينطوون تحت تصنيفات مختلفة كمستفيدين وانتهازيين ولصوص وحاقدين.
ولكن لماذا شكلت الطائفة العلوية النسبة الأكبر من هذه المجموعة التي وافقت أن تحمي الأسد وهو ينفذ تلك المهام المطلوبة منه وبهذه الصورة الفجة؟ من الطبيعي حين استولى على السلطة أن يتجه أول مايتجه إلى طائفته لطلب الدعم، فسورية تبقى في النهاية بلد تحكمه العلاقات القبلية والعشائرية والمذهبية.
ولكن، وكما ذكرت في مقالي السابق، فحتى طائفته انقسمت حوله منذ البداية بين مؤيد ومعارض ومحايد، وذلك إما لأسباب سياسية عقائدية، وإما لأسباب اجتماعية تتعلق بمكانة هذه العائلة أو تلك.
ورأينا كيف أنه لم يرحم معارضيه ومنتقديه حتى من نفس الطائفة، فزج باللواء (صلاح جديد) في السجن حتى مات فيه، ودبر تصفية اللواء (محمد عمران) في بيروت.
وحين بدأت أحداث الإخوان في نهاية السبعينيات، تم تدبير اغتيال رئيس جامعة دمشق الدكتور/ محمد الفاضل، واتهم الأخوان بذلك. وحديثاً قام الأسد الابن بالسير على نفس الخط وأمر بتصفية وزير الداخلية اللواء (غازي كنعان) في مكتبه، لوجود شكوك حول نيته القيام بانقلاب عام 2005، ومؤخراً وزير الدفاع السابق اللواء/علي حبيب، الذي قضى في ظروف غامضة العام الماضي.
هذه الاغتيالات تؤكد بما لايترك مكاناً للشك بأن هذا النظام ليس طائفياً ولا بأي مقياس، بل عائلياً- مافيوياً بامتياز يستعمل الطائفة ليختبئ خلفها لتحارب من أجله فتَقتل أو تُقتل.
ولكن ماهو (الفخ) الذي نصبه الأسد الأب لإيقاع طائفته به واستعمالها لصالحه؟ إذا ألقينا بنظرة على جبال الساحل حيث تقع معظم قرى الطائفة، للاحظنا أن الرجل تقصد إبقاء هذه المناطق محرومة من نوعية الخدمات والمرافق بالمقارنة مع تلك المتوفرة في المدن الكبيرة وخاصة العاصمة، كما أنه أبقاها محرومة من المشاريع الصناعية والإنمائية التي توفر سوق العمل لأبنائها.
ولايبدو أن هدفه كان من ذلك إلا دفعه لأبناء الطائفة لترك مناطقهم والهجرة إلى العاصمة بحثاً عن كل شئ، من التحصيل العلمي إلى العمل. وهذا دليل آخر على عدم اكتراثه بمصلحتهم، فهجرتهم إلى العاصمة ترك قراهم عرضة للإهمال ولم يترك فيها سوى كبار السن والمتقاعدين الغير قادرين على تنميتها واستثمارها.
وبرأيي فان أكبر جريمة ارتكبها الأسد الأب، وتابعها الابن، بحق الطائفة هو سلخها من أرضها خدمة لمصالحه وأهدافه. وقد لاحظ المخرج المبدع (أسامة محمد) هذه المأساة فقام بتصويرها بكل شفافية وعمق في فيلمه (نجوم النهار) في الثمانينيات، فأثار عليه غضب النظام الذي حاربه بكل الوسائل، وهذا ماكان يفعله مع أفلام صديقه المخرج الراحل (عمر أميرالاي.
نعود إلى السؤال في عنوان المقال: ماهي أسباب وقوع قسم كبير من الطائفة في (فخ) الأسد الأب وموافقتها أن يتم استعمالها كسيف على رقبة الشعب؟ هذه الأسباب في الحقيقة متعددة ومتنوعة، وبعضها هي نفس تلك التي جعلت شرائح من بقية الطوائف، بما فيها الأغلبية العربية السنية، تدعم هذا النظام. وهي أسباب تتأرجح بين إغراء السلطة أو المال، ولكن أيضاً الجهل أو الفقر أو الحقد أو كلها معاً.
وهنا لابد لنا من الاعتراف أن ماكان يميز الطائفة العلوية عن غيرها قبل وصول الأسد الأب إلى السلطة هو معاناة شرائح واسعة منها من (التهميش والفقر) ولعقود طويلة. فوجد فيها الرجل صيداً سهلاً لمشروع دولته المافيوية في حين وجد الكثير منهم فيه، وبقصر نظر وجهل، فرصتهم الذهبية ليكونوا (شيئاً). فاستغل جهلهم هذا من جهة ليقنعهم بشعارات (تحرير القدس وتوحيد الأمة ومقاومة الهجمة الاستعمارية). واستغل فقرهم من جهة ثانية ليقنعهم بأن هذه هي فرصتهم (للانتقام من البورجوازية والاقطاعية التي كانت سبب إفقارهم وتهميشهم). وأن تطوعهم في الجيش والأمن والميليشيات سيجعلهم في موقع السيد وليس العبد، وأن الوقت قد حان لينتقموا من الأكثرية التي كانت سبب شقائهم.
ليس هناك ما أقوله لمن انضم لمجموعة الأسد طمعاً بالمال أو السلطة، فهو مجرم مثله وعن سابق إصرار وترصد، ولم يخدعه أحد حين انضم لهذا النظام بكامل إرادته وقواه العقلية. ولكني أقول لهؤلاء الذين تم استغلال جهلهم وفقرهم من كافة الطوائف: ألم يتبين لكم بعد أن الأب لم يجندكم للتحرير ولا للتوحيد، فهو (لم يحرر الجولان ليحرر القدس ولم يوحد السوريين ليوحد العرب). فالهدف من تجنيدكم هو حمايته وحماية عائلته التي تقوم بدورها بحماية أعداء الوطن ومن يحتل أرض الوطن. وأقول لهم في الخاتمة أنكم إذا كنتم ترون أن الثروات الطائلة لأسرة الأسد ومخلوف وشاليش وغيرها هي التي ستقضي على الاستعمار وتحقق الوحدة والحرية والاشتراكية، فهذا يعني أنكم وصلتم بجهلكم إلى درجة الانفصال عن الواقع وحتى عن الحياة كما قال المتنبي:

وفي الجهلِ قبلَ الموتِ موتٌ لأهلهِ *** فأجسامهمْ قبلَ القبورِ قبورُ