سارية بن مجاهد ديرانية
تصدير المادة
المشاهدات : 3842
شـــــارك المادة
فجر سورية (خاص): في البداية هناك سؤال يطرح نفسه على أي متابع وهو: لماذا جسر الشغور بالذات بالرغم من أن بعض المدن الأخرى أكثر اشتعالاً وتفجراً؟ لا توجد بعد معلومات دقيقة في هذا الشأن، لكن شبكة واحدة –شبكة كلنا شركاء- نقلت دون غيرها معلومات حول ذلك، وحسب الشبكة فإن الأمر بدأ كالآتي: "كان السبب الرئيسي لكل هذه الوحشية التي استخدمت ضد سكان المدينة في يوم واحد هو وصول معلومات إلى السلطات عن التقاط الأهالي لستة من القناصين المنحدرين من أصول دولة أخرى (صديقة)، وقرّر الأهالي تسليم هؤلاء القناصة إلى تركيا لإثبات أنهم يدعمون النظام وتقديمهم للمحاكم الدولية، لذا أرسلت قوات هائلة تساندها مروحيات عسكرية من أجل تطويق المدينة والسيطرة عليها مهما كان عدد القتلى، وذلك قبل وصول وتسليم هؤلاء القناصة إلى تركيا". يرى بعض المراقبين أنه في ظل تكتم النظام ولحقيقة ما جرى؛ فمن المنطقي قبول هذه الرواية حتى تظهر أسباب أخرى تجيب على هذا التساؤل، لكن مع ذلك فلا يمكننا القول بأن هذه الرواية موثوقة فعلاً. والآن بالعودة إلى الأحداث، يمكننا البدء بالخوض في تفاصيل الأيام الأولى من أحداثها كما وصلت عبر وكالات الأنباء، وصفحات الفيسبوك الإخبارية. حسب رواية "شبكة أخبار إدلب وحلب" كانت بداية الأحداث في ظهر يوم السبت (/4 حزيران)، إذ بدأت مجموعات كبيرة من الأمن -قُدِّر عددها بـ (400 إلى 500) عنصر- بالزحف نحو بلدة "أورم الجوز" الواقعة في جبل الزاوية على مسافة ليست بالكبيرة شرق جسر الشغور، وما إن دخلتها حتى أخذت بإطلاق النار في شوارعها عشوائياً وتخريبها معيثةً فيها فساداً لمدة ساعة تقريباً. ومع هذه الحال بدأ الأهالي بتوجيه استغاثاتهم إلى قرى وبلدات ريف إدلب الأخرى، فهبّ سكان المنطقة لإغلاق الطرق والشوارع المؤدّية إلى البلدة في وجه التعزيزات الأمنية، بينما اتجه المئات نحوها من القرى المجاورة واحتشدوا في مظاهرة ضخمة وسطها. وبعد ذلك أخذ الأمن في إطلاق النار على المتظاهرين في مواجهة استمرت لساعة وربع، سقط خلالها (4) شهداء على الأقل وعشرات الجرحى. لكن سرعان ما جاءت موجة كبيرة أخرى من المتظاهرين قادمة من قرى ريف إدلب ومتوجهة نحو البلدة، فهرب الأمن مرتعداً منهم وترك المنطقة. وبذلك كانت قد انتهت الغارة الأولى للأمن على جبل الزاوية، وتبعها انقطاع للكهرباء عن المنطقة دام بضع ساعات، لكن الأهالي على ما يبدو وضعوا أنفسهم منذ هذه الحادثة في حالة تأهب للهجوم التالي للأمن الذي توقعوه منذ ذلك الوقت. كانت بداية أحداث جسر الشغور نفسها في الساعة الرابعة عصراً من يوم السبت ذاته. ولا زالت ملابسات بداية المجزرة في المدينة غير واضحة، إذ كانت التقارير الذي أوردته مواقع الانترنت وصفحات الفيس بوك موجزاً نسبياً ولا يشرح شيئاً عن بداية المجزرة، بل يضعنا فجأة في "وسط المعمعة" عند سقوط أوائل الشهداء في المدينة في الساعة الرابعة، والذين بلغ عددهم (8) شهداء بعدما بدأ إطلاق نار عشوائي في شوارع مدينة جسر الشغور. وفي الساعة الخامسة تصعّدت المجزرة أكثر، فقد حلّقت (3) مروحيات على الأقل في أجواء المدينة، ونفذت عمليات إنزال لعناصر من الحرس الجمهوري والقوات الخاصة فيها، بل وتطور الأمر إلى درجة أن هذه المروحيات قصفت المنطقة بالصواريخ، (وهو أمر لم يحدث سابقاً سوى في الرستن وتلبيسة المحاصرَتين). كما انتشرت قوات الأمن في الشوارع، وأخذت بإطلاق النار بالرشاشات الثقيلة على كل من يسير في الطريق أو يخرج من منزله، واستهدفت بإطلاق النار خزان مياه في المنطقة لحرمان السكان من الشرب، وذلك كله بعد أن حوصرت المدينة كلياً وقُطع عنها الماء، والكهرباء، والاتصالات. وفي ظل هذه الظروف بدأت جسر الشغور تستغيث، فاستجابت قرى ريف إدلب كما فعلت في المرة السابقة. وكانت البداية "بأورم الجوز" التي بلغتها قوات الأمن في الساعة الرابعة متجهة غرباً نحو الجسر، لكن السكان لم يدعوها تعبر البلدة وأغلقوا الطرق في وجهها، فأطلقت النار عليهم وقتلت (3) أشخاص على الأقل، لكن بالرغم من ذلك ناضل الأهالي لمنعها من العبور، وظلت تتعارك معهم حتى السابعة مساء، ثم في آخر الأمر توجّهت (أو قسم منها على الأقل) نحو طريق آخر باتجاه بلدة "دركوش" الواقعة شمال الجسر، لكن الأهالي هناك أيضاً لم يوافقوا على عبور الأمن فقطعوا عليه الطريق. وبالعودة إلى جسر الشغور فلم يهدأ إطلاق النار هناك طوال الليل، فضلاً عن بدء الدبابات بالانتشار على أطرافها، وبهذا ارتفع عدد الشهداء إلى (15)، من بينهم مختار المدينة الذي استشهد على حاجز أمني، والجرحى إلى ما يزيد عن (50)، وفي المقابل حاصر بعض السكان -في ظروف غير واضحة- ثلاثة من رجال أمن في مبنى البريد مساء ذلك اليوم تبيّن بعد القبض عليهم أنهم إيرانيون، وقد حاولت قوات الأمن الأخرى عدة مرات تنفيذ إنزالات في المبنى لفك أسرهم، إلا أن محاولاتها باءت بالفشل. في اليوم التالي (الأحد/ 5/ حزيران)، وصلت عند الساعة الثانية ظهراً (4 باصات) أمن، و(4 مدرعات) جيش إلى الفريكة -وهي بلدة صغيرة تقع جنوب جسر الشغور-، لكن الأهالي هناك منعوهم من متابعة تقدمهم بتشكيل حاجز بشري وسط الطريق وإلقاء الحجارة على الأمن. ولم يتضح لاحقاً ماذا حل بالأهالي المعتصمين، غير أنه أفيد بعد ساعتين من الحادثة عن انشقاق (8 جنود) عن الجيش في الفريكة، وإعدام (3 منهم) رمياً بالرصاص فورياً. وفي تلك الأثناء أغلق متظاهرو خان شيخون ومعرّة النعمان طريق دمشق-حلب الدولي-، وكان ذلك في وقت زحفت فيه تعزيزات ضخمة للجيش السوري شمالاً نحو جسر الشغور عبر خان شيخون. وهكذا أغلق الطريق أمامها ومنعها المعتصمون من العبور، فجن جنون الجيش وأخذ بقصف المدينة وإطلاق النار عليها لمدة ربما تبلغ بضع ساعات، وقد أدّى ذلك إلى سقوط (7 شهداء)، و(60 جريحاً) على الأقل هناك. وعند الساعة التاسعة مساء ورد خبر آخر غير مؤكد -ولم يؤكَّد لاحقاً- عن انشقاق سرية في بلدة حفسرجة -التي تقع شمال مدينة إدلب بقليل-، وأفاد الخبر بأن السريّة دخلت في اشتباك مع الجيش وأسقطت مروحية تابعة له. لكن أخيراً بعد المجزرة الدامية التي شهدتها جسر الشغور طوال يومَي السبت والأحد بدأت الأمور بالانفراج في نهاية ذلك اليوم، إذ تدفقت أعداد ضخمة من المتظاهرين من مختلف القرى والبلدات المحيطة بالمدينة في المساء، وبعد أن أطلق الأمن النار عليهم وتسبّب بسقوط (5 شهداء) على الأقل إلى جانب عشرات الجرحى أُجبر على الانسحاب كلياً من الجسر وتم فك الحصار عنها بنجاح. وعلى الرغم من الأهمية القصوى لهذا الحدث فقد كانت روايته على صفحة ثورة إدلب وحلب مقتضَبة جداً إلى حد غريب، دون إعطاء أي تفاصيل أو ملابسات عن تدفق القرى وبداية الحدث، أو على الأقل عن أسماء القرى التي اندفع منها المتظاهرون وطبيعة الاشتباكات التي دارت بينهم وبين الأمن في المدينة قبل أن ينسحب. على أي حال، ما نعلمه هو أن جسر الشغور أصبحت محرَّرة تماماً بعد انسحاب الأمن ذاك، وحسب ما يبدو الآن فقد أصبحت علاوة على ذلك قاعدة لجنود الجيش المنشقين، لكن مع هذا لم توضح شبكة أخبار إدلب وحلب -التي كانت مصدر كل ما أوردته هنا حتى الآن- البوادر الأولى للانشقاقات، وكيف انضمّ الجيش إلى المتظاهرين خلال يومي المجزرة الماضيين، على عكس ما سيأتي، وهو ما أخذته من شبكتين غيرها، هما: "شبكة أخبار إدلب"، و"تنسيقية جبل الزاورية وجسر الشغور ومعرة النعمان"، لكن تقاريرها في الأيام التي تبعت ذلك كانت تؤكد بوضوح حدوث ذلك. كان يوم الاثنين (6/ حزيران) اليوم الأول من سلسلة المواجهات التي دارت -ولا زالت تدور- بين الجنود المنشقين وقوات الجيش الموالية للنظام. ففي مساء الاثنين أغار المنشقون على رتل من الدّبابات التي كانت متجهة نحو قرية مورك وفجروا ()3 منها، كما أسر الأهالي في بلدة السرمانية في إدلب سيارتين كانتا تقلان شبّيحة متجهين نحو الجسر، والأهم من ذلك هو أن المنشقين نصبوا كميناً في صباح اليوم ذاته لكتيبة أمنية كانت متوجهة هي الأخرى إلى جسر الشغور وقتلوا ((40 شخصاً من عناصرها، وربما هي الكتيبة ذاتها التي سمعنا أنها أُرسلت من درعا إلى الجسر وقتل قائدها فور وصوله إلى هناك. وبالمجموع أفادنا التلفزيون السوري بمقتل (120) من رجال أمنه على يد المنشقين يوم الاثنين وحده. من جهة أخرى شهد يوم الاثنين بشكل واضح بداية حشد ضخم لقوات الجيش السوري في أنحاء البلاد لوضع كل طاقته في جسر الشغور، وكانت بداية هذا الحشد بتحرك الفرقة الرابعة واللواء (85)، والفوج (555) من العاصمة دمشق شمالاً باتجاه الجسر نهار الاثنين، وتبعت ذلك موجةٌ ضخمة ومتتالية من الأنباء من مختلف مناطق محافظة إدلب والمحافظات المحيطة بها في يومي الاثنين والثلاثاء وختاماً بالأربعاء عن مشاهدات لوحدات من الجيش السوري وهي تسير باتجاه جسر الشغور، كان من أبرزها خبران عن انطلاق (100 دبابة) من محافظة الرقة باتجاه المدينة يوم الاثنين، و(60) أخرى من حماة يوم الثلاثاء. كان يوم الثلاثاء (7 /حزيران) يوم انفراج آخر نسبياً بعد وصول قافلة تحمل مساعدات إنسانية من ريف إدلب، وتبعت ذلك تقارير عن أن الأوضاع الإنسانية في المدينة أصبحت مستقرة والوضع مسيطَر عليه. لكن بسبب التقارير المتكررة عن زحف الجيش بدأ السكان بالنزوح نحو القرى والمحافظات المجاورة هرباً من المعركة التي يتوقع أن تندلع بين المنشقين والجيش، وبعضهم نزح إلى تركيا أيضاً. قالت صفحات الفيسبوك: إن عدد النازحين كان كبيراً جداً بحيث لم يبقَ سوى (2000) شخص في المدينة من أصل (75000)، لكن تقارير الجزيرة قالت بدورها أيضاً: إن عشرات الآلاف من السكان -الذين لا يتجاوزون مئة ألف- نزحوا إلى تركيا، ولذا فلو كان مبالغاً بهذه الأرقام فمن الواضح أن أعداد النازحين كانت هائلة جداً، وقد تأكد ذلك بصورة أوثق عبر أنباء متكرّرة خلال الثلاثاء والأربعاء عن أن مدينة جسر الشغور أصبحت مهجورة كلياً وتحولت إلى مدينة أشباح -ثم انتشر في صفحات اليوتيوب مقطع مصور يؤكد فعلاً أن جسر الشغور صارت مدينة مهجورة-. وبهذا باتت جسر الشغور أشبه بمعسكر أو حصن للجنود المنشقين، ولذا من المتوقع جداً أن تشهد حصاراً وعمليات عنيفة جداً في الأيام المقبلة ربما تكون أعنف من أي حدث شاهدناه مسبقاً. فأولاً أصبح لدى السلطات مبرر واضح الآن لتنفيذ عملياتها وهو وجود مجموعات مسلحة تبادلها إطلاق النار، وذلك في الحقيقة يمثل بعض الفرق بالنسبة لهم خصوصاً أمام المجتمع الدولي، أما ثانياً والأهم فهو أن حربهم أصبحت الآن مع الجنود المنشقين دون غيرهم. ومن الواضح طبعاً أن القسوة التي يعامَل بها الجنود عندما ينقلبون ضد النظام أفظع بمرات مما يعامل به المدنيون، ففي أغلب الحالات يُصَفّون على الفور بالإعدام رمياً بالرصاص أو يعذبون بكل قسوة حتى الموت لخطورة انشقاقهم الشديدة على تماسك النظام وحكمه -سرعان ما يطلق سراح المدنيين الذين يلقى القبض عليهم بعد بضعة أيام فقط، أما الجنود فلن يخرجوا إلا موتى-. يؤكد ما سبق ذكره اتصال هاتفي من مقدم في الجيش السوري بقناة العربية عرف نفسه بأنه قادة المجموعة المنشقة، وأنه ومجموعته من هاجم قوات الجيش بعض رفضهم عدم قتل المتظاهرين. بالعودة إلى موضوع جسر الشغور، لم تشهد منطقتها تطورات حقيقية إلا اليوم (الأربعاء/ 8/ حزيران). فبعد يومين ونصف من الحشد والتجهيز بدأت أخيراً قوات الجيش والأمن السوري التي باتت محيطة بالجسر من كل الجهات بالتحرك نحوها. بدأت أولى أخبار هذا الهجوم بالوصول في السادسة مساء عندما أفيد بأن (38 حافلة) أمنية بلغت المدينة، في حين قالت صفحات الثورة: إن الجيش بدأ يجمع وحدات ينتمي أبناؤها إلى محافظة إدلب -أي من جسر الشغور وباقي مدن المحافظة-، ويضعها على خطوط إطلاق النار الأمامية ويعدم على الفور أي جندي يرفض القتال. لكن كما رأينا كثيراً في السابق لم يعد هناك ضمان لأساليب النظام القمعية تلك، فقد وقع انشقاق جديد -وعلى مستوى كبير على ما يبدو- في الكتائب التي كانت تعبر بلدة الفريكة متجهة نحو الجسر، واشتبك المنشقون مع الكتائب الموالية للنظام، بالرغم من عدم وورد تفاصيل عن قتلى أو جرحى. بعد ساعتين من تلك الأحداث بدأت قوات الجيش بتجهيز منصّات إطلاق صواريخ حول المدينة لتوفير تغطية لتقدم الجيش نحوها، وفي ذلك الوقت كانت تعبر تعزيزات عسكرية بلغ قوامها (20 دبابة) مدينة حماة، وشوهدت أخرى تتوجه نحو أريحا وأورم الجوز، بالإضافة إلى تعزيزات مشابهة عبرت سراقب التي تقع شرق الجسر قادمة من أبو الظهور، وقد تفاوتت تقديرات أعدادها من (40 إلى 50 دبابة) ترافقها ناقلات جند. لكن عندما بلغت هذه القوات سراقب أغلق الأهالي الطريق في وجهها كما في المرات السابقة، فأطلقت عليهم النار كما حصل في المرات السابقة أيضاً وأسقطت (12 شهيداً). ومع أن سراقب كانت المتضرر الأكبر فهي لم تكن المدينة المقاوِمة الوحيدة، إذ تكرّرت أحداث مشابهة في النيرب التي سقط فيها شهيد، وفي سرمين، كما نشبت اشتباكات في مزرعة ببلدة جورين في المساء ذاته، غير أنه لم ترد تفاصيل عن الطرفين المتعاركين وكيفية اندلاع المعركة. للمتابعة زوروا الصفحات التالية: A.E.N.N | شبكة أخبار حلب و إدلب شبكة أخبار إدلب E.N.N تنسيقية جبل الزاوية,جسر الشغور,معرة النعمان
غالية شاهين
العربي الجديد
العربية نت
أمين العاصي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة