..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

لماذا أيها الدكتور ؟

عبد الرحمن عبد الله الجميلي

١ يناير ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 7320

لماذا أيها الدكتور ؟
alboutey.jpg

شـــــارك المادة

      أطل الدكتور البوطي بعد مقتل عدة آلافٍ من الشعب السوري على أيدي جنود النظام ورجالاته الأمنية، أطل لا ليعزِّي أهالي شهداء البلاد السورية، في شرقها وغربها، شمالها وجنوبها، أطل لا ليقول للنظام الفرعوني: كفى قتلاً، كفى تشريداً، كفى اعتقالاً، كفى غطرسة أيها الرئيس، كفى كبراً وغروراً أيها الطاغية المتجبِّر! وهذا مطلب كلِّ الأمة ممَّن تصدَّر منابر العلم والدعوة والإفتاء.

 

 


      أطلَّ كما أطلَّ رئيسه بشار من قبل، ليبرِّئ نفسه، ويطهّر ساحته، وينفض الغبار عن صورته، ويغسل ما علق في أذهان الشعب من سوء نحوه... فجعل من نفسه الناصح الأمين، والأخ الودود المخلص لكل السوريين...اعتبر نفسه الأخ الودود؛ لأنه نصح الأمة بوقف المظاهرات وعدم فتح هذا الباب، خاصة وأن الحكومة قد فتحت صدرها للحوار، وأوصدت-في عزيمة- كلّ سيف بتّار.
      والسؤال: لماذا أيها الدكتور؟ لماذا تجعل من نفسك الناصح الأمين والأخ الودود لهذا الشعب؟ كيف يحسُن هذا؟ وكيف يُعقل هذا؟ بل كيف يستقيم هذا؟ ثم ما دليلك على هذا؟
      ألست أنت أيها الدكتور-ومن زمان- قد نازعت الشعب السوريَّ حقَّه، ونصَّبت من الأحرار عدوًّا لشخصك، فشرعت تقذفهم بسهامك، وترميهم بحجارك، وتنهش أعراضهم بلسانك، وهل تظن التاريخ ينسى ما خط قلمك، وما نطق به لسانك؟!
      ألست أنت من وصف حافظ الأسد العدو اللدود للإسلام والمسلمين بالرئيس المؤمن، وقلت عنه على قناة الحوار:"إنَّ سريرته كانت خيراً من علانيته"...تحاول بذلك تزكية باطنه... ثم وضعت المسلمين الثائرين عليه وعلى نظامه البعثي في دائرة الحرابة لا البغي، ليتك جعلتهم بغاةً(بأن لا يقتل أسيرهم، ولا يُغنم مالهم، ولا يُذفَّف على جريحهم)، ولكنك أصررت على مناصبتهم العداء وجعلتهم محاربين خارجين بلا تأويل سائغ على الإمام الأعظم حافظ الأسد؟!
      كلّ هذا خطه قلمك في كتابك"الجهاد الإسلامي...". لا أريد منك أن تقول بأن هؤلاء الخارجين على الأسد محقّون، ولكن، يا دكتور أليس لهم تأويل سائغ -على الأقل- يجعلهم في زمرة البغاة، لا المحاربين؟!
      ثم ألست من جرَّم الثائرين الخارجين على الأسد الابن، وجرَّدهم من العبادة لله، وأخرجهم من دائرة الساجدين لربِّ العالمين؟! ألست من وصفهم بـ:" الحثالة... مخالب لأعدائهم وأعداء الله سبحانه وتعالى... أوسعوا بهذه المخالب فتكاً وتخريباً وتقتيلاً وتحريقاً وإفساداً لأرضهم... أكثرهم لا تعرف جباههم السجود... يمتطون المساجد لأغراضهم... إنهم ينتعلون المساجد لمقاصدهم... أنظرُ فيهم فلا أجد واحداً منهم يعرف الصلاة...".
     ألم تقل كلَّ هذا؟! تطعن به صدور الأحرار وظهورهم، وتعطي به النظام الحِلَّ والجواز والتبرير لمزيد من قتل المتظاهرين وسفك دمائهم. أيُّها الدكتور لماذا تنظر بعينٍ واحدة؟ من الذي أنشب مخالبه في البلاد قتلاً وسفكاً وتخريباً وإفساداً؟ أليس شبيحة النظام وزبانيته ورجال مخابراته؟ من الذي يدهس المسنين في الشوارع ويضربهم ويهينهم؟ أليسوا جند النظام وحشده؟
        أيها الدكتور! ألم تتهم المتظاهرين والمطالبين بالحرِّية والعدالة والإنسانية بالتبعية للأمريكان واليهود؟ ألم تقل بعضلة لسانك:"الذي خطط لهذه الثورات الصحفي اليهودي برنارد ليفي"؟ ألم تجرِّح وتطعن، وتهمز وتلمز، وتجعل من ذهاب السفير الأمريكي إلى حماة وسيلة لإيذاء الأحرار؟ وأنت تعرف من هي حماة! حماة البطولة والجهاد، والعزَّة والإباء، حماة الشيخ محمد الحامد، أَنَسِيتَه؟!
        ذهب السفير ليطلع على أحوال المدينة، وليعرف عن قرب ما يُكاد لها من قبل النظام الغاشم، صدق السفير أم لا، ولكن الناس يريدون أن يعرف العالم ما يُكاد لحماة، وما يدبُّر لها؛ وذلك بعدما خرجت حماة كلها إلى ساحة العاصي هاتفة بالحرية، ومندِّدة بالعصابة الفرعونية... جئت أيها الدكتور على منبر الجامع الأموي( منبر بني أمية الكبير) لتسيء إلى ثورة الأحرار، وجهاد الشبيبة والشيبة الأبطال، لتقول ساخراً: جهادٌ يقوده السفير الأمريكي!!
        ثوار ينادون الله في مظاهراتهم، ويفردونه بالدعاء في صيحاتهم، ويلجؤون إليه في تضرُّعاتهم، ويصلُّون جماعات في ساحات حرَّياتهم... تجعل أنت أيها الأخ الودود من السفير الأمريكي والصحفي اليهودي مصدراً لثوراتهم!!
       هل فكرت كيف تنزل كلماتك هذه على الأمهات الثكالى، والزوجات الأيامى، والأطفال اليتامى؟ هل تعلم أنك تذرُّ الملح في جراحاتهم، وتسكب الزيت فوق نيران أحزانهم، وتثير الرياح نحو لهيب آلامهم وآهاتهم؟!
      فالأم التي فقدت ابنها في ساحات الحرية، وهي تعرف من يكون فقيدها، فقد ربته على الإباء والعزة، وأرضعته لبان الشهامة والمروءة...فهي اليوم تنتظر منك كلمة عزاء تدفئ قلبها، وتطفئ لهيب جراحها، وتربطها بما أعد الله للشهداء في جنان ربِّها! ومثلها الزوجة التي خبرت زوجها الشهيد، وعرفته صادقاً في دينه، مخلصاً لوطنه، عفيفاً نزيهاً في معاملاته، وقوراً طيباً ينبعث الأريج من جنبات صدره، مُؤْثراً ومقدماً أمته وقضاياها على نفسه، فقد أهدى الأمة أغلى ما عنده، قدم لها روحه!! فما شعور أولئك -يا دكتور- وهنَّ يسمعن ما خط قلمك أو نطق به لسانك؟!
      يا دكتور! هلا قرأت قول الله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ "!! وهلا تأملت قول الباري جلّ وعلا:" إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا * وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا"!! وهلا تقيدت بقول الحي القيوم:" وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا"!!!
      اللهم ربَّنا وربَّ كلّ شيء، امنحنا وأهلنا في الشام الطمأنينة والرضا والتسليم، واجعلنا وإياهم من الموقنين، وأنزل على قلوبهم الحرّى برداً وسلاماً يا أرحم الراحمين، وأفرغ عليهم الثبات والصبر الجميل، وتكرَّم عليهم بالتي نُحب ويحبُّون، النصر من عندك والتمكين، واشف –ربَّنا- صدور قوم مؤمنين، وصلِّ على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع