..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


ابحاث ودراسات

العرب السٌّنة بين ناري: الحرب أو قبول الواقع!

علي محمد آل شاهر

٢ فبراير ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2875

العرب السٌّنة بين ناري: الحرب أو قبول الواقع!
35871200px.jpg

شـــــارك المادة

يعيش العرب السنة منذ قرون كالأيتام على موائد اللئام، حيث يعيشون في هذا العالم المتوحش بلا كيانات سياسية تحمي استقلالهم وسيادتهم من الانتهاك، وثرواتهم من النهب. وقد ازدادت أحوال العرب السنة سوءاً في ظل النظام الدولي الحالي، ذلك النظام الظالم الذي يزداد فيه ثراء الغرب واستقراره وازدهاره على حساب فقر العرب ودمائهم وأرواحهم وغيرهم من شعوب الأرض التي يسيطر عليها الغرب ويعبث بأمنها وثرواتها بلا وازع من ضمير أو إنسانية.

والسؤال الأكبر الذي يؤرق كل عربيٍ مبصر لهذه الحالة التاريخية البائسة هو حول كيفية الخروج من هذه الحفرة العميقة المظلمة التي سقطت فيها هذه الأمة الجريحة؟! وكيف يمكن تغيير مكانة العرب في هذا النظام الجائر ورفعها إلى منزلة يتوقف فيها نزيف دمائهم وثرواتهم؟!

تباينت الإجابات وتباينت الرؤى؛ وتباينت على إثرها الأفعال ومشاريع العمل الرامية لإخراج الأمة من هذه المأساة، وقبل الحديث عن تلك التباينات يجب التنويه إلى أن العرب السنة ليسوا على شاكلة واحدة بل يمكن تصنيفهم حسب مواقفهم من النظام الدولي الحالي وموقعهم السيء فيه إلى طيف من الأصناف بين صنفين رئيسيين هما:

صنف مستفيد من النظام الدولي القائم، ولذلك فهو منخرط في الحفاظ على بقائه واستمراره؛ وذلك حفاظاً منه على مصالحه الخاصة المرتبطة ببقاء هذا النظام وبقاء دوره فيه، ولو كان ذلك على حساب مصلحة أمته ودماء شعوبها ولقمة عيشها؛ وهؤلاء خارج نطاق حديثنا بل هم العدو الأشرس لكل من يحاول إخراج العرب من واقعهم البئيس!

الصنف الآخر: ينضوي تحته كل متضرر من صيغة النظام الدولي الحالي وواعٍٍ بالشرور والأضرار التي يلحقها هذا النظام به وبأمته، ويسعى جاهداً لمحاولة تغيير هذا النظام وتغيير مكانة أمته فيه، وهذا الصنف ومشاريعه ومحاولاته للتغيير هو ما يعنينا هنا وهو محور الحديث.

ينقسم هذا الصنف إلى اتجاهات عدة بين فريقين بارزين هما:

  • فريق يرى أنه يمكن تغيير النظام الدولي من داخله، ويرى أن هناك فرصة أمام العرب لاختراق هذا النظام وشق طريق التقدم والنهضة فيه من خلال إحراز ازدهارٍ اقتصادي وإصلاحٍ سياسي وتطوير إداري وعلمي وصناعي، وأن أسباب تخلف العرب وانحطاطهم السياسي والأمني والاقتصادي والمعاشي تعود إلى أمراضهم الثقافية والاجتماعية، وأن هذه الأمراض تؤثر على مسيرة نهضتهم أكثر من تأثير العراقيل التي توضع باستمرار في طريق العرب نحو النهضة والتنمية الحقيقية والاستقلال السياسي، ولذلك فلا داعي لخوض صراعات عسكرية مع من يصنع تلك العراقيل ويتآمر على العرب ويناصبهم العداء قبل النجاح في حل جذور هذه المشاكل وأسبابها العميقة، ويبرهن هذا الفريق على صحة افتراضه بنجاح عدد من النماذج الإقليمية في تحقيق التنمية والاستقلال السياسي والحفاظ على أمنها القومي وفق هذا الخيار برغم العراقيل والعقبات التي وضعت في طريقها نحو صعودها إلى مكانتها الجيدة في النظام الدولي الحالي؛ ومن تلك النماذج: النموذج التركي، والنموذج الماليزي، والنموذج الإيراني.
  • الفريق الآخر: يرى أنه لا جدوى من السير في الطريق السابق حيث إنه طريق مقطوع تدأب على قطعه القوى العظمى التي تمارس احتلالاً مباشراً وغير مباشر لمعظم الجغرافيا العربية، والتي تقاتل وتستخدم كافة الأساليب والوسائل في سبيل إبقاء العرب في تلك المكانة الدولية المنحطة حفاظاً على مصالحها وحفاظاً على صيغة النظام الدولي الحالي الذي تهيمن عليه وتستفيد منه؛ ولذا فإن هذه القوى وطريقة إدارتها للنظام الدولي هي المعوق الرئيسي والأكبر أمام نهضة العرب - كما سيتضح لاحقاً - وليست أمراض العرب الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

كما أن هذا الفريق يائس من جدوى محاولة الإصلاح السلمي؛ لهذا يرى ضرورة كسر هذه المعادلة وتغيير هذا النظام من خلال مواجهة تلك القوى وعملائها في المنطقة بطرق ووسائل أخرى تتكافأ في قوتها ودرجة عنفها وشراستها مع ما يمارس تجاه العرب من ظلم وعدوان. كما يرى أن الاستمرار في محاولات البناء السلمية التي تتم في الليل وتهدم في الصباح ليست سوى ضرب من العبث وإهدار للطاقات والجهود؛ ولهذا فإنه لا مناص للعرب وفق رؤية هذا الفريق من النضال العسكري المسلح لتغيير الأوضاع القائمة ولانتزاع مكانة أفضل للشعوب العربية.

ومن هنا يبدأ جدل عميق طويل لا نهاية له بين هذين الفريقين: بين المقتنعين بخيار الاستمرار في طريق الإصلاح السلمي حتى وإن طال إلى أمدٍ غير منظور، وبين المقتنعين بالطريق الآخر الذين يفضلون الموت على حياة الذل والخنوع والفقر والاضطهاد!

ولنستعرض جزءاً من ذلك الجدل وطرفاً من حجج كلا الفريقين فيما يلي:

يحتج فريق الإصلاح السلمي بعدد من الحجج يبرهنون بها على صحة افتراضهم، ويمكن استعراض بعضٍ منها فيما يلي:

- أن نسبة فشل الثورات المسلحة عالية جداً؛ وذلك لأنها تعتمد على حركات التحرير التي تسودها الفوضى والمقاومة الشعبية المبعثرة وغير المنظمة والعارية من السلاح والدعم، في مواجهة غير متكافئة مع دول الاحتلال المنظمة ونظمها المعسكرة والمسلحة بأفتك الأسلحة؛ وهذا ما حول ربيع العرب إلى مأساة تاريخية قتل فيها مئات الألوف وشرد فيها الملايين، وحولت فيها أجزاء كبيرة من الجغرافيا العربية إلى سجون مروعة ملطخة بالدماء، حتى وإن انتصرت بعض ثورات العرب في بعض الجوانب وأينعت بعض ثمار تضحياتها إلا أن قوى الاحتلال المنظمة تسرق تلك الثمار، وتبطل تلك الانتصارات فور إجهاد قوى المقاومة وقبولها بالتفاوض والدخول معها في صفقات اللعبة السياسية.

- أن خيار الانزلاق إلى الحرب والفوضى والصراعات المسلحة هو خيار تستدرج إليه قوى الغرب الشعوبَ العربية والإسلامية؛ لتكون تلك الحرب بمثابة محرقة لطاقات تلك الشعوب وعناصرها النشطة والحية، ولتحقق به نبوءاتها المزعومة في كتبها المقدسة ولتعيد في خضم تلك الفوضى رسم الحدود وإعادة توزيع مناطق النفوذ والسيطرة.

- سهولة اختراق حركات التحرير والثورة المسلحة وحرف مساراتها وتشتيت تركيزها على أهدافها الرئيسية، وإدخالها في معارك جانبية واحترابات داخلية تشوه سمعتها وتفقدها حاضناتها الشعبية، مما يؤدي لخنقها وحصارها والقضاء عليها؛ وذلك بسبب تطور أجهزة مخابرات الخصوم وتطور خبراتها وأدائها في مقابل بدائية وسائل وأدوات وأساليب المقاومة الشعبية.

- أن السير في طريق النضال المسلح مكلف جداً ويعني التضحية الكاملة بكل شيء.. بالأرواح، بالدماء، بالأمن، بالبنى التحتية، بالمنشآت، بكل ما تم إنجازه منذ قرون؛ ومع ذلك فالنتيجة غير مضمونة ونهاية الطريق غير مشاهدة؛ ما يعني في حال فشل السير في هذا الطريق العودة إلى ما دون الصفر وإلى ربقة التخلف وحظيرة الهزيمة وإلى حالٍ من السوء تتمنى فيها شعوب العرب العودة إلى حالة ما قبل الثورات العربية على ما فيها من البؤس والشقاء.

- أن نجاح بعض نماذج حركات التحرير المسلحة حول العالم قد كان بسبب دعم وإسناد قوى دولية قادرة على دعمها وإسنادها سياسياً وعسكرياً ومادياً حتى تحققت أهدافها، وهذا العامل المهم والأساسي منتفٍ كلياً لدى قوى التحرير العربية التي لا تجد نصيراً فحسب، بل وتقف كل الدول العظمى شرقيها وغربيها في وجهها وتتحد على حربها.

- أن سلوك طريق الإصلاح الشامل والمتدرج الهادئ غير المكلف هو الأقرب إلى تحقيق نتائج جيدة، حتى وإن لم يحقق نتائج ملموسة فإن خسائره في الأرواح والدماء قليلة جداً والتي هي رأس المال الأهم الذي لا ينبغي التفريط فيه لأمة تسعى إلى الحضارة والتقدم.

- أن سلوك طريق الإصلاح السلمي الهادئ المتدرج هو الخيار الأجدر حالياً في هذه المرحلة التي يتوجب فيها الانتظار حتى يتغير الظرف الدولي الحالي والبيئة الدولية من ذاتها أو بعوامل أخرى غير الحرب فوق الجغرافيا العربية، وبهذا تزول أجزاء كبيرة من الظروف والعقبات والحواجز التي وضعها خصوم الأمة في طريقها نحو نهضتها.

ربما هذه أبرز حجج المدافعين عن ضرورة البقاء على خيارات الإصلاح السلمي والبعد كل البعد عن خيار الحرب مع قوى الاحتلال وعملائه.

أما الفريق الآخر فيجادل بالحجج التالية على صحة افتراضه ومنها:

- أن أغلب الحجج السابقة إنما هي أخطاء في مسيرة عامة الثورات، والحل إنما يكمن في تصحيح تلك الأخطاء وليس الانهزام واليأس.

- أن طريق الإصلاح السلمي المتدرج الهادئ طريق مقطوع ولا يوصل إلى الهدف المنشود، إذ تقطعه قوى الاحتلال المهيمنة على النظام الدولي الحالي بحزم وحسم؛

وذلك لسببين رئيسين هما:

1 - أن القوى الغربية العظمى قد تسمح لبعض خصومها بالارتقاء والنهوض وامتلاك مفاتيح تنمية حقيقية لأغراض سياسية واستراتيجية تخصها هي، إلا أن سلوك تلك القوى العدواني في الدعم الخفي والعلني للنظم العميلة وللثورات المضادة لربيع العرب يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه لا يمكن أن تسمح لخصمها التاريخي الأخطر «الإسلام السني العربي» بأن تقوم له قائمة! كما أنها ترى في كل خطوة يتقدم فيها هذا الخصم نحو النهضة والصعود تأخراً لها وخطراً عليها.

2 - أن طريق الإصلاح السلمي الهادئ لا يمثل خطراً على الأنظمة العميلة فحسب، وإنما على أكبر عملية نهب للثروات في تاريخ البشرية والمستمر منذ قرون والذي تمارسه إلى اليوم قوى الاحتلال على الجغرافيا العربية تحت حماية تلك النظم العميلة التي تحكم أوطانها لمصلحة الاستعمار والاحتلال المباشر وغير المباشر.

ولذا فإن تلك القوى تقاوم وبشراسة كل تلك المحاولات الهادئة للنهوض، بل وتتعامل معها بعنجهية وبطش وشراسة وظلم وعدوان؛ ولذلك يتم تسليط النظم وأجهزتها القمعية على أفراد وجماعات هذا الفريق فتملأ بهم المعتقلات والسجون وتمارس بحقهم أبشع جرائم التصفية والاغتيال باسم المحافظة على الاستقرار ومكافحة الإرهاب.

- إن الأوضاع العربية الحالية المزرية أوضاع مفروضة بالقوة العسكرية، ولن تزول إلا بالقوة العسكرية الطاردة. أما مواجهة هذا النظام الدولي المتوحش ونظمه العميلة المعسكرة المسلحة بصدور عارية ومظاهرات سلمية فإنما هو ضرب من الجنون جعل القطاعات الحية من شعوب الأمة صيداً سهلاً للشبيحة والبلطجية وقوات جيوش القمع والبطش الغاشمة.

- أن النهب المنظم والتاريخي لثروات الشعوب العربية لم يبقِ لها من مقومات الحياة الكريمة ما تسد به رمق الجوع أو تستبدل به أسمال الفقر البالية أو تعالج به أمراضها أو تسد به شيئاً من حاجاتها الأساسية، ويكفي لإدراك بشاعة أحوال الشعوب العربية المادية جولة سريعة في أحياء عواصمها الشعبية، فضلاً عن قراها وأريافها التي أصبحت أوكاراً موحشة للفقر والمرض والجهل والتخلف والتلوث! وما يزيد من غبن هذه الشعوب ما تشاهده من ازدهار ورخاء بلدان لصوص ثرواتهم! ولذلك فإنه لم يبقَ لدى هذه القطاعات الواسعة من الشعوب العربية ما تخسره إن هي فضلت خيار المقاومة والحرب والثورة المسلحة على خيار حياة الفقر والذل والجهل، وعلى خيار انتظار الموت جوعاً ومرضاً! وهذا ما يدفع هذه الشعوب المسحوقة للميل إلى تجربة خيار الحرب كآخر الخيارات والحلول المتاحة وتفضيل هذا الخيار في ظل إفشال كل الخيارات الأخرى واليأس من نجاح أي منها.

- أن النظام الدولي المعاصر نظام مادي همجي لا تحكمه سوى شريعة الغاب وقوانين القوة ولغة العنف والدماء، ولا مكان فيه للضعفاء أو من يطالب بحقوقه بلغة المبادئ والحقوق والضمير فقط دون اصطحاب لغة القوة التي تردع الطامعين وتطرد الغزاة وتحمي الديار والمقدرات وتفرض الاحترام على الجميع.

- أنه لا يمكن للعرب أن ينهضوا أبداً حتى يستردوا ثرواتهم المنهوبة، ولا يمكن أن يستردوا ثرواتهم المنهوبة إلا بالطريقة التي أخذت بها تلك الثروات، وهي طريقة السلاح والقوة العسكرية أولاً وقبل كل شيء.

- أن الثقافة العربية والإسلامية التحريرية تساند وتدعم هذا الخيار وتميل إليه وتبشر السائرين في طريقه والصابرين عليه بالنصر والنجاح والتمكين مهما طال ذلك الطريق ومهما تعاظمت التضحيات.

إلى غير ذلك من الحجج التي لا تنتهي، والتي تتوالد مع كل جريمة إنسانية وأخلاقية واقتصادية ترتكب بحق شعوب العرب.

هذه هي الحيرة المستعصية التي تواجه الكثير من الباحثين عن حلول لأزمة العرب المعاصرة؛ فخيار السلمية والتغيير المتدرج لم ينتج إلى الآن سوى الاستسلام والرضوخ للأمر الواقع والرضا بالبقاء في هذه المكانة التي لم ترضَ بها أي أمةٍ من أمم الأرض فضلًا عن أمة كانت ذات ريادة وهيمنة على التاريخ. والخيار الآخر يمثل محاولة انتحارية يائسة غير مضمونة النجاح وفق رؤية قطاعات عريضة من الشعوب العربية!

فأي هذين الخيارين أقل سوءاً؟ وما هي الخيارات الأخرى التي يمكن أن تنجح في انتشال العرب من حفرة السوء هذه؟ هذا ما ينبغي أن يكون مادة حديث العرب اليوم، وهذا ما يجب أن يتركز حوله بحثهم وجدلهم ونقاشهم؛ وما عدا ذلك فلغو وثرثرة وضجيج.

 

 

مجلة البيان العدد 331

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع