..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


ابحاث ودراسات

استراتيجيات صراع الإخوة الأعداء فى سوريا

أحمد أبازيد

٢٨ ديسمبر ٢٠١٤ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3035

استراتيجيات صراع الإخوة الأعداء فى سوريا
أبازيد 00.jpg

شـــــارك المادة

أحدث أسرُ الطيار الأردني معاذ الكساسبة يوم 24 كانون أول الراهن؛ من قبل تنظيم الدولة (داعش) بعد سقوط طائرته العاملة ضمن التحالف الدولي في الرقة شمال شرقي سوريا، الضجة الأكبر –إعلاميّاً- منذ بدء التحالف غاراته فجر 23 أيلول 2014م،؛ ليفتح نقاشاً واسعاً حول مشاركة الأردن في التحالف الدولي، وحول مواقف الجهاديين الأردنيين وموقعهم من الصراع في سوريا.

بدأ التحالف الدولي قصف مواقع لتنظيم داعش وجبهة النصرة في الشمال السوري، في معركة طويلة الأمد تحت شعار “مكافحة الإرهاب” والتي تشمل سوريا والعراق، وتلا ذلك توسيع قائمة الإرهابيين من قبل الخارجية الأمريكية لتشمل “جيش المهاجرين والأنصار” و “حركة شام الإسلام” وشخصيات ضمن الفصائل الجهادية المقاتلة للنظام السوري، مع تلميحات بإمكانية ضم فصائل أخرى للثوار السوريين (كأحرار الشام) إلى القائمة، ويوضح القرار رقم 2178 (2014) الموقع في 24 أيلول الراهن والذي تبناه مجلس الأمن بالإجماع منطق التحالف، والذي نصّ على خروج كل “المقاتلين الأجانب” من سوريا، وخص بالذكر “تجنيد المقاتلين الإرهابيين الأجانب من جانب كيانات من قبيل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وجبهة النصرة وغيرهما من خلايا تنظيم القاعدة أو الجماعات المرتبطة به أو المنشقة عنه أو المتفرعة منه”، دون أن يستهدف التحالف أو القرار –ولو بالتسمية- النظام السوري أو الميليشات الشيعية الأجنبية المقاتلة معه.

تطورت أهداف التحالف وتغير الوضع الميداني على الأرض، سواء بالنسبة لسوريا أو العراق، ومرت مسيرة التحالف بمراحل مختلفة مع معركة كوباني في سوريا أو معارك إربيل والأنبار في العراق، وتطور معها الموقف المعلن من “السياسة الطائفية” في المشرق العربي، والتي ساهمت –حسب اعتراف أوباما نفسه- في تأسيس مظلومية سنية مقابل تضخيم الهيمنة الشيعية على سوريا والعراق، الوضع الذي رفدته بالتوازي سياسات الثورة المضادة التي اتبعها المحور الإقليمي “السنيّ” الأكبر، والتي عملت على وأد فكرة التغيير السياسي بالنسبة للجمهور “العربي السني”، وأسهمت في منح دفع مضاعف لطاقة نموذج داعش على الجذب (في مصر خاصة)، كحلّ خلاصي وجذري.

كان اشتراك الأردن في التحالف الدولي منذ بدايته قراراً إشكالياً، باعتباره توغّلاً مباشراً في حقل الشوك، بعد محاولته الطويلة التأثير عن بعد، وفي البركان السوري الذي أحرق كثيراً من التصنيفات والاصطفافات التقليدية، كانت ثمة عوامل متصارعة تحيط بهذا الموقف، سواء بالنسبة لمحاولة عدم الانعزال عن التأثير في مستقبل الخرائط السياسية القادمة التي يبدو أن التحالف كان المسؤول عنها، أو لإقناع “الجمهور” بضرورة أو جدوى هذه المشاركة، أو للقدرة على ضبط التيار الجهادي وخلايا داعش النائمة في داخل الأردن أو على الحدود، العراقية منها حيث اقتربت داعش في حزيران لهذا العام قبل إرجاعها بعملية عسكرية لم تظهر تفاصيلها، أو السورية حيث تستقر القوة الأكبر لجبهة النصرة في سوريا.

وفي قلب هذا الصراع الإقليمي، كان الصراع الجهادي الداخلي لا يزال مستعراً، ويطوّر سياسات الجذب والتحصين تجاه الآخر القريب، بالتوازي مع ترتيب صفوفه تجاه الآخر البعيد.

المشروعية الجهادية: ديناميات التنافس

منذ إعلان تنظيم دولة العراق والشام في 9 نيسان 2013م، وحتى ما بعد تحوله إلى الخلافة في 29 حزيران 2014م، وهو يعيد فرز التيار الجهادي العالمي، ويغرق المجتمعات المحلية في سوريا والعراق وجميع التيارات الجهادية والإسلامية في العالم بتصنيفاته، لتصبح في موضع الرد عليه، والدفاع عن نفسها ضد إشكالياته هو، ما منحه بامتياز سلطة الخطاب، حتى على قيادة القاعدة التي يبدو أنها تنزاح عن عرش السلطة المرجعية والرمزية للتيار الجهادي العالمي.

ورغم مرجعية “الدعوة النجدية” الفقهية الطاغية في الوسط السلفي الجهادي، وأن كثيراً من النقاشات النظرية في هذا التيار تعلقت بمن يمثلها أكثر، وتوجهت تلقاء ذلك نحو الجمهور السلفي في دول الخليج، فإننا يمكن أن نلحظ توسع دائرة الرموز والمنظرين لهذا التيار خارج السعودية، وتفوق الأردنيين ضمنه منذ البداية والتأسيس، سواء كمنظّرين مثل أبو محمد المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني، أو كرموز قيادية مثل أبو مصعب الزرقاوي (الأب الروحي لدولة العراق الإسلامية)، عدا طبعاً عن عبدالله عزام الذي مثل مرجعية جهادية عابرة لاختلافات الإسلاميين، ويمكن ملاحظة حجم تأثير التيار السلفي الجهادي الأردني في التنظير السلفي الجهادي عامة، وفي التجارب الجهادية بأفغانستان والعراق وسوريا خاصة.

وإن كان ثمة أنصار لتنظيم داعش داخل التيار السلفي الجهادي الأردني، فإن معظم رموزه اتخذت موقفاً مناوئاً للتنظيم ومؤيّداً لجبهة النصرة (أبو محمد المقدسي، أبو قتادة الفلسطيني، إياد القنيبي) ، بينما نجد أن مؤيدي التنظيم هم من الجيل الأحدث من الجهاديين، كما أن معظم المقاتلين الأردنيين في سوريا (ويقدر عددهم بحوالي 1500 مقاتل) ينضوون تحت راية جبهة النصرة.

ولأن “السلفية الجهادية” كأفق نظري وواقع عملي، مسكونة بمسألة الهوية والنقاء، والتفسير الأحادي، واحتكارية التمثيل للإسلام، إضافة لنزعة نحو الشكّ العصابي بالآخر “القريب” (أسوة بأي أقلّيّة محاربة) فإنه تيار يتشظى باستمرار، ويحمل عوامل انقسامه في ذاته، والتي تتفجر لدى الصراعات الداخلية، التي قد تكون أحياناً صراعات نفوذ تعبر عن نفسها كصراع على الدين نفسه، هذا لا يعني التقليل من قيمة الاختلافات النظرية، أو أنها مجرد تبرير أو غطاء لاحق، وإنما لتبيين تداخل الأيديولوجي والميداني في هذه الصراعات، واختلاف سطوة نظام العقيدة على نظام القوة بين الجهاديين.

وهذا ما تسبب في أن أعنف معارك التيار الجهادي يخوضها داخل التيار، بتهم العمالة أو الكفر أو الردّة، بحكم أن الآخر القريب يهدد احتكارية التمثيل للمشروع الجهادي أكثر من الآخر البعيد الذي يساعد في منح المشروعية لعدوّه، ويضاعف ذلك العامل الطائفي للصراع في المشرق، حيث يقدم تنظيم “داعش” نفسه كمدافع عن سنة المشرق ضد الميليشيات الشيعية، وكممثل سياسي لهم، ما يجعل أي مشروع “سنّي” مغاير تشكيكاً في سردية المشروعية هذه، وهو ما أدى إلى أن معظم ضحايا التنظيم هم من السنة أنفسهم، ومن الجماعات الجهادية والثورية التي تحارب الأنظمة الديكتاتورية التابعة للحلف الإقليمي الإيراني (الشيعي)، ما أدى إلى نشوء دعاية منافسة تنسب التنظيم إلى العمالة للشيعة أيضاً.

ثمة جانبان فيما يتعلق بالخطاب الجهادي وتأثير داعش فيه: الأول من ناحية أساس المشروعية الجهادية، والتي تتشكل هنا بشكل مزدوج، محاربة العدو الخارجي الذي يمثل الكفر الصريح من جهة (أمريكا، الشيعة، الأنظمة العربية)، ومحاربة العدو الداخلي الذي يمثله الآخر المسلم بحجة التمييع أو العلمانية أو العمالة أو حتى الردّة، من جهة مقابلة. ولعلّ أهمّ آثار تنظيم داعش على الخطاب الجهادي وسجالاته، هو أنه قدّم –حدّ الطغيان- الجانبَ الثاني في منح المشروعية على الأول.

والثاني من ناحية شكل الخطاب التعبوي، فبينما اعتمد الإخوان المسلمون خطاب الدعوة، واعتمدت القاعدة وحركات المقاومة خطاب الحق، فإن الخطاب الطاغي لدى داعش هو خطاب القوة والتغلب وقهر الآخر، وهو ما يشكل عامل جذب مهمّاً للجهاديين الشباب، ولذلك فإن استمرار الانتصار والإنجاز الميداني ضروري للمحافظة على الزخم التعبوي والقدرة على تجنيد المزيد من المقاتلين ومنح المصداقية والمشروعية للتنظيم.

ولئن كان الكلام هنا عن الخطاب المؤثر بمن ينتمون لأيديولوجيا التيار الجهادي العالمي، فإن ثمة عاملاً مهمّاً لا يمكن إغفاله اعتمد عليه تنظيم داعش –خاصة- في تجنيد مئات –وآلاف- المقاتلين من الفصائل السورية والمجتمعات المحلية، مستغلّاً بذكاء الخلافات العشائرية والعداوات الشخصية والفصائلية، وهو كونه يوفر مسار انتقام، سواء من جبهة النصرة أو الجيش الحر أو عشائر أكثر هيمنة (راجع دراسة الكاتب: المشهد السوري بعد دير الزور).

لكن هذا الخلاف النظري هو في الوقت نفسه خلاف استراتيجيات عملياتية وقيادات ميدانية، كان اعتبار عموم الشيعة عدوّاً استراتيجية الزرقاوي التي لم ترض عنها القاعدة التي اعتبرت أن أمريكا هي الأولوية، كما أن اعتبار أن إسقاط النظام أولوية قبل التفكير بإقامة دولة إسلامية كانت استراتيجية جبهة النصرة التي لم ترض عنها داعش التي اعتبرت الجميع مرتدّين في سبيل هيمنتها الأحادية، ولذلك فهو تنافس على الأرض والموارد وطرق الإمداد أيضاً، لأن مشروع السلطة يقوم على الأرض لا في النظرية، وهو ما جعل المعارك الأعنف بين المختلفين أيديولوجيا هي في مناطق الثروات الطبيعية وطرق الإمداد (دير الزور مثلاً).

هذا الإطار النظري العام للتنافس على الرأسمال الرمزي والسلطة المرجعية ضمن الخطاب الجهادي مقدمة لفهم الصراع ما بين تنظيم داعش وجبهة النصرة في سوريا.
استراتيجيات الصراع:

حتى تاريخ الحرب الموسعة مع تنظيم داعش بداية العام الراهن، كان ثمة مرتكزان واضحان لقوة جبهة النصرة يتمايزان عن مرتكزات قوة داعش: الأول بين المناطق السورية وهو المنطقة الشرقية كمساحة جغرافية شاسعة تقدم موارد نفطية وطبيعية غنية وتشكل رافداً بشرياً نوعيّاً من المقاتلين الذين كانوا الثقل الأهمّ للنصرة في سوريا، وبرز هناك اسم (أبو مارية القحطاني) الجهادي العراقي الذي كان مقاتلاً في دولة العراق الإسلامية والذي أصبح الرجل الثاني في جبهة النصرة وشرعيها العام، والذي طرح خطاباً معتدلاً ومرناً مع المجتمعات المحلية والجيش الحر ما أكسبه شعبية واسعة.

والثاني بين المهاجرين وهم الأردنيون الذي تبوؤوا مناصب قيادية في جبهة النصرة (في الجنوب خاصة) وشكلوا نسبة كبيرة ضمن المهاجرين فيها (ليس ثمة إحصاء دقيق للجنسيات ضمن النصرة)، بسبب التواصل الجغرافي مع منطقة درعا وبسبب تأييد النصرة الطاغي على المنظرين الجهاديين الأردنيين، وكان الاسم الأبرز هنا هو سامي العريدي شرعي جبهة النصرة في درعا، والذي يقدم خطاباً أكثر صلابةً وخصومة مع الآخرين من الإسلاميين أو المقاتلين المحليين، والذي أصبح الشرعي العام بعد سيطرة تنظيم داعش على دير الزور وعزل القحطاني في تموز لهذا العام.

يشغل الأردنيون مناصب قيادية مهمة ضمن جبهة النصرة، يمكن أن نذكر مثلاً الشرعي العام لجبهة النصرة (د.سامي العريدي)، والأمير في درعا (أبو جليبيب واسمه إياد الطوباسي وهو صهر الزرقاوي)، والقائد العسكري في درعا (مختار)، أمير القاطع الشرقي في درعا (أبو المقداد)، إضافة إلى القيادي المعروف في التيار السلفي الجهادي الأردني (أبو أنس الصحابة واسمه مصطفى عبداللطيف صالح) الذي تواصل مع الإعلام من درعا كذلك، وأمير النصرة في إدلب (أبو قدامة الأردني)، والمسؤول الشرعي في الغوطة الشرقية (أبو خديجة الأردني واسمه بلال عواد خريسات)، أمير النصرة في الغوطة الشرقية (أبو الوليد الأردني)، المسؤول الشرعي في الغوطة الغربية (أبو عبدالله الأردني)، مسؤول النصرة في برزة والقلمون (أبو تراب الأردني).

ومنذ 2 شباط 2014م وحتى 14 تموز 2014م، استمات التنظيم ليمكنه السيطرة على دير الزور، وطرد جبهة النصرة والجيش الحر منها، إلا من بايعه منهم، مستغلّاً بذكاء الخلافات العشائرية والداخلية بين المقاتلين، والاحتقان المتراكم ضد جبهة النصرة وعشيرة الشحيل من قبل المنافسين (وثّق الكاتب بالتفصيل سيطرة التنظيم على دير الزور في دراسته المنشورة في المنتدى: المشهد السوري بعد دير الزور)، لتكون هذه السيطرة، بعد السيطرة على الموصل (10 حزيران) وإعلان الخلافة (29 حزيران) تتويجاً للمرحلة الأخيرة من تطور التنظيم، ولتكون هزيمة مركبة لجبهة النصرة، استطاع فيها التنظيم السيطرة على المعقل الجغرافي والبشري والاقتصادي الأهم للجبهة، واكتساب مصداقية لخطاب القوة، وتمثيله لمشروع دولة، في مقابل الجبهة الحليفة للـ “مرتدّين”.

حاولت جبهة النصرة الرد على هذه الخسارة بمحاولة إعادة بناء المشروعية الجهادية التي ضعفت أمام صلابة خطاب داعش ومزايداتهم على علاقتهم بالجيش الحر أو عدم تبنيهم مشروع الدولة الإسلامية، ومحاولة تثبيت البنية الداخلية التي تفككت مع مواجهات داعش واختلاف مواقف أمراء النصرة منها، وذلك عبر طرح مشروع الإمارة كمقابل لمشروع الدولة لدى داعش، واعتماد خطاب أكثر تصلّباً تجاه الآخر، وزيادة نفوذ الجناح الأردني ضمن جبهة النصرة كمرتكز للقوة، من خلال تعيين سامي العريدي كشرعي عام للجبهة، وميدانيّاً عبر خيار التوسع في إدلب.

خلال ذلك وقبله عملت داعش على الورقة الثانية بعد دير الزور وهي سحب الجهاديين الأردنيين من جبهة النصرة، واستغلال شعبيتها الواسعة بين أنصار التيار في الأردن، رغم اتخاذ معظم المنظرين الجهاديين المعروفين مواقف نقدية قاسية ضد تنظيم داعش (أبو قتادة الفلسطيني وأبو محمد المقدسي خاصة)، والذين أفرجت عنهم الحكومة الأردنية وأتاحت لغيرهم مساحات أكبر من الحديث (مثل إياد القنيبي) في محاولة لمواجهة تنامي شعبية التنظيم وسط التيار السلفي الجهادي الأردني، الظروف التي استغلتها الدعاية المضادة لدى التنظيم تجاه هؤلاء.
ولا يقف التوجه نحو الأردنيين على إضعاف جبهة النصرة، بقدر ما الأب الروحي لدولة العراق الإسلامية وتطوراتها اللاحقة كان الأردني أبو مصعب الزرقاوي (ورفيق دربه أبو أنس الشامي)، الذي استمر تأثير مجموعته من الجهاديين الأردنيين ضمن التنظيم، عدا عن تأثير أفكاره وخطابه على عموم التيار السلفي الجهادي، ما كان في صالح شعبية التنظيم في الأردن.

في تشرين الأول لهذا العام؛ أعلن عمر مهدي زيدان انضمامه إلى صفوف التنظيم، بعد أن كان شبه الوحيد بين المنظرين المعروفين في الأردن من المدافعين عنه منذ البداية، عدا عن كونه من الجيل الثالث من الجهاديين وقلة أتباعه وتلامذته مقارنة بالمنظرين المعروفين، ما أضعف من تأثير بيعته مقابل بيعة الدكتور سعد الحنيطي (أفرج عنه من السجون الأردنية في حزيران 2013م)، الذي كان الناطق باسم التيار السلفي الجهادي الأردني، ويعتبر أهم تلامذة المقدسي والفلسطيني وأبرز منظري الجيل الثاني من الجهاديين في الأردن، والذي بقي شهوراً بعد انتقاله إلى سوريا قاضياً ومستشاراً نافذاً في جبهة النصرة.

كان هذا في الوقت نفسه الذي أعلن فيه السعودي سلطان العطوي انشقاقه عن جبهة النصرة، وكتب فيه شهادته عن تجربة النصرة في المنطقة الشرقية، والتي اتخذت طابعاً هجومياً على (أبو مارية القحطاني) ودعوة للمهاجرين إلى الانشقاق عن النصرة.

ضمن هذه الظروف كانت مواجهة النصرة مع جمال معروف في ريف إدلب (تشرين أول-تشرين ثان 2014م) ، جزءاً من المواجهة مع تنظيم داعش (وغيره من المشاريع الإسلامية في الثورة) وتعويض خسارة دير الزور إضافة لمحاولة تثبيت البيت الداخلي ووقف تشظّي المهاجرين إلى جهة الدولة (كان ضغط المهاجرين في النصرة عاملاً حاسماً لاتخاذ خيار المواجهة)، عدا عن توفير جمال معروف الأساس الغائب من المشروعية الجهادية التي فرضتها داعش: مواجهة الآخر القريب (حيث اتهم بالعمالة والإفساد والردة)، ومن الجدير بالذكر أن قائد هذه الحملة كان (أبو قدامة الأردني) أمير النصرة في إدلب.

أما التحالف الدولي، فقد كان يمكن أن يكون له موقع أكثر تأثيراً في صراع المشروعية الجهادية بين طرفي المعادلة السلفية الجهادية، فيما لو لم يشمل النصرة وداعش معاً في هذا الهجوم، وإن كان التركيز الإعلامي المكثف على التنظيم، إضافة إلى حادثة الأسر الأخيرة، أسهمت في زيادة حظوظ داعش من مشروعية المظلومية والمواجهة تجاه “التحالف الصليبي”.
الاستثمار الجهادي حول الأردني الأسير:

يمثل أسر الطيار الأردني عاملاً مهماً في معادلة الصراع على المشروعية الجهادية بين داعش والنصرة، بقدر ما يمثل لحظة فارقة بالنسبة لأدبيات التنظيم وخطاب القوة والمظلومية الذي يصدّره باعتباره أول أسير من التحالف وأوّل طيار كذلك يمكن أسره عدا طيّاري النظام السوري، هذا خاصة بعد شعور من فقدان أي انتصار واضح يجدد الزخم التعبوي للتنظيم، وإرهاق مقاتلي التنظيم بحجم خسائر مهول مع معركة كوباني ومطار دير الزور.

وتجاوزاً لغرابة توقعات البعض من توسط الجهاديين الأردنيين للإفراج عن الطيار الأسير، فإن أسر هذا الطيّار والحكم بردته ردة مغلظة (كما صرّح سعد الحنيطي معلناً فرحه بهذا الحدث)، يزيد من رصيد التنظيم لدى الجهاديين الأردنيين على النقيض مما يتوقع البعيدون عن منطق الجماعات الجهادية، باعتباره يمثل ساحة تنافس في إثبات الولاء والبراء، وإنجاز قوة ومواجهة للتحالف “الصليبي” والأنظمة “المرتدة” يحسب لتنظيم داعش، ولا يمكن لمنظّر جهادي أن يستنكره دون أن تسقط سلطته المرجعية ضمن التيار، وعلى النقيض سنشهد مواقف أكثر تأييداً لإعدام هذا الأسير وتتضمن إعجاباً ضمنياً بالتنظيم ضمن جبهة النصرة، عدا عن أنه يمثل عامل جذب لمنضمين جدد من الأردنيين إلى التنظيم.

ولا تمتلك الأردن أوراق ضغط كافية على التنظيم للإفراج عنه، أو بديلاً مغرياً بالإفراج عنه، باعتبار أن المنظرين الجهاديين المعروفين في الأردن المفرج عنهم أوالمعتقلين هم في غالبهم ضد التنظيم ويُعدُّون مرتدّين بالنسبة له، إضافة إلى فشل عمليات مخابراتية سابقة حاولت إنقاذ معتقلين أجانب لدى التنظيم.
خاتمة:

حاولت الورقة البحث في منطق الكسب والتنافس على المشروعية الجهادية ومعادلات الصراع الميداني الذي يتداخل معها كنتيجة أحياناً أو كدافع أحياناً أخرى، مع التركيز على الجهاديين الأردنيين كحالة مفتاحية؛ لما فتحته حادثة أسر الطيار الأردني من نقاش وما تتيحه من تأثير محتمل على مواقفهم ومواقعهم في خارطة التنظيمات السلفية الجهادية في سوريا، والتي يبدو أن بوصلتها لم تتوجه دوماً –ولا حتى غالباً- نحو النظام السوري وحلفه الإقليمي العراقي والإيراني وحده، بقدر ما دفعت المرجعيات النظرية وتعدد أسباب المشروعية وتنافس المشاريع والنفوذ، دفعت إلى توسيع دائرة الأعداء المحتملين إلى المجتمعات السنيّة والثورة السورية ورفاق المنهج والسلاح من السلفيين الجهاديين أنفسهم.

 

 

منتدى العلاقات العربية الدولية

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع