الأناضول
تصدير المادة
المشاهدات : 3042
شـــــارك المادة
مئات القتلى وآلاف الجرحى، ضغوط مادية وأخرى داخلية، وخروج من دائرة "المقاومة" وخطر التحول إلى مجرد ورقة في تسويات إقليمية ودولية، تلك أبرز خسائر "حزب الله" المادية والسياسية التي يدور الحديث عنها اليوم.
لم تتوقف الآلة الإعلامية لـ"حزب الله"، منذ خمس سنوات، عن التأكيد وإعادة التذكير بالأسباب التي دفعته للدخول في المستنقع السوري، وعن التزاماته تجاه حلفائه، الأمر الذي قد يعتبر بحد ذاته مؤشراً على وجود أزمات لدى الحزب، تتعلق بأدائه على الأرض، وفي قدراته على حفظ تماسك جبهته الداخلية وجهوزية قاعدته الشعبية، أو "الخزان البشري لقوته العسكرية"، كما وصفته دراسة أمريكية حديثة.
إلا أن الخسائر الكبيرة التي مني بها الحزب، البشرية والمادية، لا تلغي تسليط الضوء على بعض المكاسب، بحسب دراسة صادرة عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.
هل تسمى مكاسب؟ حقق حزب الله ما اعتبره مكاسب كبيرة من التجربة السورية على المستويين العسكري والإقليمي. فبالرغم من مقتل أكثر من 1600 وجرح أكثر من 5000 من العناصر المقاتلة للحزب، بحسب تقديرات، فإن الحزب قد تمكن من رفع المستوى القتالي لآلاف آخرين من خلال مشاركتهم في المعارك.
لقد حول الحزب سورية إلى "حقل تجارب" مفتوح لمختلف الأسلحة، و"ميدان تدريب" كبير لآلاف المقاتلين على تكتيكات لم يعتدها الحزب من قبل، فهذه الحرب هي الأولى من نوعها التي يخوضها الحزب منذ تأسيسه، حيث يقف مقاتلوه في موقع الهجوم، لا كما اعتاد في حروبه السابقة مع إسرائيل.
إلى جانب ذلك، فإن قيادات الحزب العسكرية، قد تمكنت للمرة الأولى من خوض معارك جنباً إلى جنب مع القوات الروسية، كما حدث في معركة تدمر في مارس/آذار الماضي، حيث تمكن قادة الحزب ومقاتلوه من التعرف على التكتيكات والاستراتيجيات العسكرية المتقدمة التي يستخدمها الروس، إلى جانب إلقاء نظرة عن قرب على آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا العسكرية.
ويتبع الحزب سياسة تدوير المقاتلين، حيث يرسل ثلث مقاتليه، المقدر عددهم بـ30-33 ألفاً، إلى الجبهات لمدة محددة قبل أن يقوم بإرسال قوات تحل محلهم، وذلك لتجديد الدماء على الجبهات وتعزيز قدرته على الصمود، ولتشجيع المقاتلين وعوائلهم على تقبل المشاركة، إلى جانب رفع المستوى القتالي لأكبر عدد ممكن من مقاتليه.
إلا أنه ومنذ إعلانه المشاركة في جبهات بعيدة عن الحدود اللبنانية، فقد زادت مدد بقاء مقاتليه على الجبهات قبل استبدالهم، الأمر الذي ترتب عليه تكاليف مادية ومعنوية كبيرة من جهة، ولكنه من جهة أخرى شكل فرصة مهمة للحزب لتدريب عناصره على البقاء في الجبهات لفترات طويلة، وفي النهاية فإن أداء الحزب على الأرض سيرجح كفة مكاسبه أو خسائره من تلك المغامرة.
وتجدر الإشارة أيضاً إلى إنشاء الحزب قواعد عسكرية على الأراضي السورية، كما حدث في القصير بعد سيطرته عليها عام 2013، الأمر الذي يجعل لحضوره بعداً استراتيجياً إلى جانب الأبعاد الأمنية والمذهبية.
كما قام الحزب وإيران بنقل جميع الأنشطة المشتركة التي كانت تتم في إيران، من تدريب ودورات لعناصر الحزب، إلى تلك القواعد، الأمر الذي عمق من ارتباط الحزب بالصراع في سورية.
اعتبارات الحزب إقليمياً: يعتقد "حزب الله" بأنه ورقة مهمةٌ لأطراف إقليمية عديدة، وفرض نفسه لاعباً أساسياً في "محور الممانعة"، الأمر الذي يشجعه على المضي في استثماره في الملف السوري، ففي النهاية لن يتخلى عنه "أصدقاؤه" مهما حصل مستقبلاً، داخلياً على الساحة اللبنانية أو خارجياً، كما قد يثير أداء الحزب اهتمام أطراف أخرى قد تسعى لدعمه من أجل الاستفادة من خدماته وخبراته مستقبلاً، في سيناريو شبيه بحزب العمال الكردستاني PKK
ويشكل وجود الحزب في قواعد على الأرض السورية وبالقرب من هضبة الجولان السوري المحتل، تقدماً على جبهة المواجهة مع إسرائيل، الأمر الذي سيؤثر على طبيعة الصراع بين الطرفين، ويفرض الحزب كلاعب إقليمي مهم قد تسعى أطراف دولية للتفاهم معه دون اللجوء إلى المواجهة، خصوصاً مع وجود مصالح للحزب في ملفات أخرى، تبدّى بأنها قد تفوق ملف الصراع مع إسرائيل أهمية بالنسبة للحزب.
الخسائر باهظة: سبقت الإشارة إلى أعداد قتلى وجرحى الحزب، حيث تقدر بـ1600 قتيل و5000 جريح، إلا أن الأمر لا يقف عند إحصاء الأرقام، حيث تؤثر تلك الخسائر نفسياً على حاضنة الحزب الشعبية وإيمانها بمهمته في سورية، والذي يفاقمه عجز الحزب في كثير من الأحيان عن نقل جثامين قتلاه لدفنهم في لبنان.
كما تضم قوائم قتلى وجرحى الحزب قادة ميدانيين وكوادر مخضرمين، الأمر الذي ينعكس على أداء المقاتلين على الأرض وعلى ومعنوياتهم.
ولا تقف تداعيات تلك الأرقام عند ذلك الحد، حيث يلتزم الحزب بدفع تعويضات لأهالي القتلى والجرحى للحفاظ على تلك الحاضنة ولبث الطمأنينة لدى المقاتلين بأنه لن يترك عوائلهم في حال موتهم.
إضافة إلى الأموال التي يتم ضخها في أجهزة الحزب الإعلامية للحفاظ على حماس أنصاره وقدرته على تجنيد المزيد من الشباب.
يشكل كل ذلك ضغوطاً ماديةً كبيرةً على الحزب الذي يعاني أصلاً من نفقات الحرب، ومن تردي الاقتصاد اللبناني، وتأثيرات انخفاض أسعار النفط على الدعم السوري والإيراني، عدا عن العقوبات الأمريكية والأوروبية، وأخيراً وليس آخراً، العقوبات الخليجية، الأمر الذي حدا بالحزب تقليص رواتب العديد من كوادره، وخفض المبالغ المقدمة لجهات داخلية من أجل الحصول على ولائها السياسي، بحسب الدراسة.
ومن قبيل الاستدلال على مخاوف الحزب الحقيقية حيال تراجع التأييد الشعبي الشيعي في لبنان لعملياته في سورية، تشير الدراسة إلى حرص قادة الحزب جميعهم، بمن فيهم أعضاء البرلمان، على حضور جنازات جميع القتلى، وإقامة جنازات مهيبة لهم.
إن الحرب في سورية، في سياقها المذهبي والإقليمي بل والدولي، أثرت بشكل كبير على الداخل اللبناني، وعززت من الشلل السياسي والاقتصادي والتشرذم الاجتماعي الذي تعيشه البلاد، الأمر الذي يزيد من فرص ظهور أصوات من داخل البيت الشيعي تدعو إلى الخروج من المستنقع السوري ولملمة الأوضاع داخلياً وإيقاف النزيف في الأرواح والأموال، وقد حدث ذلك الأمر بالفعل، حيث ظهرت مجموعات حظيت بقبول لدى أعداد من الشيعة من قبيل "هيا بنا" و"تجمع لبنان المدني" و"جنوبية"، وغيرها من المجموعات المعارضة لتوجهات "حزب الله".
بالرغم من كل ذلك، فإن الحزب لا يزال يحظى، بحسب إحصاءات وتقديرات، بدعم 80 بالمئة من شيعة لبنان الـ1.6 مليون، إلا أن أي فشل له على المستوى العسكري في سورية، سيزيد الضغوط بشكل مضاعف على قدراته في الحفاظ على ذلك الدعم.
أما قاعدته الشعبية الإقليمية، التي عمل جاهداً على تعزيزها لعقود، فيبدو بأن الحزب قد قرر الاستغناء عنها عندما أعلن إرسال قواته للمشاركة في قتل الشعب السوري وإخماد ثورته، فقد كان يحظى بدعم كبير في دول عربية كالكويت والأردن ومصر، ارتفع بشكل ملحوظ بعد حربه في 2006 مع إسرائيل، وتهاوى بعد 2013.
ماذا بعد؟ في ظل هذه الصورة، يبدو بأنه يصعب الجزم بمستقبل حرب "حزب الله" في سورية وبتوقع نتائجها النهائية، فأي خلل في موازين القوى على الأرض، أو أي تطور كبير قد يطرأ على تجاذبات التسوية السياسية للملف السوري بين الدول المعنية فيه، قد يؤثر على الحزب بشكل مضاعف.
ولكن الحزب، من جهة أخرى، يخوض الحرب ضمن حلف كبير لن يقبل بالهزيمة الكاملة، وبالنسبة له، فإن أقل مكاسب التحالف حجماً ستشكل انتصاراً له، وستدعم من موقعه في الداخل اللبناني وعلى المستوى الدولي.
يمكن القول بأن "حزب الله" لن يعود أبداً كما كان، فإما سيتم تقليص حجمه ضمن تسوية إقليمية ودولية، أو سيمضي قدماً بالدور الذي يمثله اليوم، وبشكل أكبر، لأن الرجوع إلى المربع الأول، مربع "الحزب المقاوم"، سيعد تراجعاً عن مكاسب الحرب التي ضحى لأجلها بالكثير.
لقد عززت مشاركة الحزب في هذه الحرب من ارتهانه لقوى من قبيل روسيا ذات العلاقات القوية مع إسرائيل، وإيران التي قامت أخيراً بمصالحة الغرب، كما أن صورته في الشارع العربي والإسلامي السني لا يمكن ترميمها بعد الآن، ولو عاد الحزب إلى محاربة إسرائيل، التي سيستمر بإظهار العداء لها والتناوش معها للحفاظ على رصيده في الشارع اللبناني الشيعي على الأقل.
إذن فالحزب، في أفضل الأحوال بالنسبة له، مقبل على تطور هام، يخرج فيه من دائرة "الحزب المقاوم" إلى دائرة "الأداة القوية"، حيث يعلن أنه يحارب ما يسميه "التكفير" ويدعي الدفاع عن "الأماكن المقدسة" وحماية "أمن لبنان" والدفاع عن "أصدقائه"، وربما تكون حروبه القادمة في الداخل اللبناني أو في العراق واليمن، حيث لا ينفي الحزب وجود أنشطة له فيهما بالفعل، وربما في أماكن أخرى.
ناصر السهلي
الشرق الأوسط
نزار محمد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة