طريف يوسف آغا
تصدير المادة
المشاهدات : 2576
شـــــارك المادة
من شعار طلبنا المدد إلى شعار سنحرق البلد ما أن وصل الأسد الأب إلى سدة الحكم رسمياً عام 1970، حتى بدأت وسائل إعلامه وأبواقه تفبرك الشعارات الطنانة والرنانة التي تنال قرائتها الاعجاب، ويثير التحقق منها القرف. وقد تنوعت هذه الشعارات وذهبت في كافة الاتجاهات وحملت الكثير من الألفاظ والمعاني والمفردات، وإن كانت في جوهرها تمجد برأس النظام وسياساته.
نذكر من هذه الشعارات على سبيل المثال لا الحصر: ستتكسر المؤامرات على صخرة صمودنا. المؤامرة الامبريالية الشرسة ستذهب أدراج الرياح. إن صمود شعبنا خلف قيادته التاريخية كفيل بتحقيق النصر. إن شعباً قائده الأسد لايستسلم... إلى آخر هذه المقولات التي لاشك قد خصصوا لها جهازاً متفرغاً لفبركتها ووضعها على صور صاحبها، وعرضها في شوارع المدن والقرى ومؤسسات الدولة. ولكن، ومن بين كل هذه الشعارات، فقد لفت نظري واحد منها بشكل خاص كانت أجهزة النظام قد بدأت بتداوله في مطلع الثمانينيات ويقول: طلبنا من الله المدد، فأرسل لنا حافظ الأسد وسبب توقفي عند هذا الشعار بالذات، وبغض النظر عن الرأي الشرعي لأصحاب الدين به، فهو الجانب المعنوي منه. فالشعار يقول باختصار أن هذا الرجل قد أرسل من عند الله ليفعل الخير، ويمنع الشر، ويحقق العدل، تلبية لمطالب الناس ودعائهم لربهم بإرسال المدد! طبعاً لاحاجة هنا للتذكير بأن صاحب العلاقة لم يفعل ذلك، ولابأنه قام بتنفيذ عكس هذه الأفعال على أرض الواقع، إلا إذا كان يعتبر أن مجازر حماة وتدمر ومخيم تل الزعتر وغيرها إنما هي من أفعال الخير. وهكذا بقي النظام (يطبل ويزمر) بذلك الشعار وأمثاله حتى آخر يوم من حياة الرجل الذي رحل عام 2000. طبعاً كلنا نعرف كيف ورث ابنه الحكم بواسطة نكتة تعديل الدستور في مجلس الشعب بعدة دقائق، ثم رأينا كيف استمر جهاز (فبركة) الشعارات في عمله كالمعتاد في زمن الابن، ليتحف الشعب السوري بشعار من كلمة واحدة أصبحت جزءاً من صورته، وهو شعار (منحبك). ومن ثم كيف ألحقوه بالملصق الذي يحوي صور الأب والابنين، وعليها شعار: القائد الرمز، والقائد الشهيد، والقائد الأمل. وماذا يريد أي شعب أجمل من كلمات تزخر بمعاني الحب والرمز والبطولة والأمل؟ إذاً فقد كان كل هذا يبدو جميلاً ومثالياً ورائعاً، وخاصة عندما تضاف إليه شعارات (المقاومة والممانعة)، فبدت سورية في الظاهر وكأنها (أسرة) سعيدة ومحظوظة بقائدها الملهم، ورافعة رأسها بمواقفها المقاومة المشرفة. أما لمن يعرف بحقائق الأمور وينظر إلى الأفعال وليس إلى الأقوال، فكان يعرف أن تلك الشعارات ما وضعت إلا من أجل (الابتزاز) لعقد الصفقات السياسية والتجارية. فمن هو غير قادر، إذا لم نقل لايريد، أن يحرر أرضه في الجولان، فكيف سيقدر على تحرير فلسطين من النهر إلى البحر؟ ولكن لسوء حظ هذا النظام، فقد فاجئته الثورة لتكشف أوراقه وتسقط الأقنعة عن وجهه. فرأينا بأم أعيننا كيف أن (الله) لم يكن من أرسل (القائد) هدية لشعبه كما ادعى، بل إن إسرائيل، وليس غيرها، هي من فعلت ذلك وثبتته في الحكم، تماماً كما أرسلت وثبتت أباه من قبله. وقد برهن ابن خاله (سيئ الصيت) على ذلك حين ذكرنا في بداية الثورة بحقيقة أن أمن سورية وإسرائيل واحد. ثم كيف سارع الحاخامات اليهود للنجدة ولقبوا الأسد الابن (بملك إسرائيل) وطالبوا حكومة الليكود، الحليف الحقيقي للنظام، بدعمه وبصورة علنية. ثم رأينا كيف سارع ملالي إيران إلى دعمه علناً بالمال والسلاح والمقاتلين، والكل يعرف كراهية إيران التاريخية للعرب وأنها آخر من يريد الخير لهم. وهنا رأينا كيف قطعت شعارات النظام رحلتها الطويلة خلال الأربعين سنة الماضية من تلك التي تتحدث عن المدد والخير والحب والأمل إلى تلك التي بدأت تظهر مع بدايات الثورة مثل: (الأسد أو لا أحد، وي اأسد لا تهتم، نحن رجالك منشرب دم)، لتصل أخيراً إلى خط النهاية بالشعار الأميز الذي يقولها ويعترف بها بكل صراحة: الأسد أو نحرق البلد فهذا الشعار بالذات إنما يدل على (حقيقة) ذلك النظام من اليوم الأول للأسد الأب في الحكم إلى اليوم، وكل ما تغير هو أن النظام اضطر أخيراً للكشف عن وجهه الحقيقي لانقاذ نفسه وغنيمته المسروقة التي تسمى سورية. فلو كان النظام وطنياً حقاً كما يدعي، ووجد نفسه في ظروف كهذه، لكان من واجبه أن ينسحب من الحكم ليحقن دماء الشعب وينقذ الوطن. أما ما فعله ويفعله، فهو على العكس تماماً، حيث قرر أن يحاول إنقاذ نفسه بسفك دماء الشعب وحرق البلد. التفسير المنطقي الوحيد لهذا التصرف أن النظام وأعوانه، لايعتبرون أن هذا الشعب هو شعبهم ولا الوطن هو وطنهم، بل يعتبرون أن الشعب عدوهم والوطن غنيمة حرب حصلوا عليها بالانقلاب العسكري الذي دعوه (بالحركة التصحيحية) عام 1970. هذا من جهة، ومن جهة ثانية فالنظام وأعوانه يعرفون بشاعة الجرائم التي ارتكبوها خلال الأربعة عقود الماضية بحق الشعب السوري، والتي وصلت إلى درجة ذبح الأطفال وعمليات الإبادة الجماعية، فوضعوا أنفسهم بأيديهم في موقع (ياقاتل يامقتول)، وبالتالي فهم يعرفون أن إيقافهم لحمام الدم وتخليهم عن السلطة إنما هو بمثابة دخولهم إلى حمام الدم الخاص بهم، وإلى تجرعهم من نفس الكأس الذي طالما سقوه للشعب، وماجرى للقذافي خير مثال على ذلك. في الخاتمة، فان ما يلفت النظر هنا أنه، وبعد انكشاف النظام على حقيقته، كانت الشعارات هي ورقة التوت الأخيرة التي سقطت عنه لتؤكد أن ما كان ينسب إليه ويتهم به إنما حقائق وليس تلفيقات أو مهاترات. فهذا هو نظام (الأسد) على حقيقته، إما يقبل به الناس، وإما يحرق بهم البلد.
رضا خليل الجروان
موقع المسلم
أبو أمجد
يحيي البوليني
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة