..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مقالات منوعة

أنت أطرش ؟!

محمد حسن السوري

٤ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2815

أنت أطرش ؟!
1.jpg

شـــــارك المادة

تحقق حلمي أخيراً ووصلت إلى الوطن الحبيب، وسلمت الجواز ليختم، دخل جوازي ولم يعد. كل رفاقي استلموا جوازاتهم إلا أنا. بدأ القلق والرعب يساورني، فربما قد وصل للأمن أني قد تكلمت بكلمة (برا الطريق) ولا تروق للنظام هنا أوهناك في الغربة. حاولت استجماع ذاكرتي، ولكني لم أتكلم بشيء، فقد التزمت بأمر أبي بأن أقص لساني الطويل.

 

ثم تذكرت. إنه هو، إنه أبو باسل لا غير، وهو ممن يردد أنه يركع ويبوس المحل الذي فيه بشار يدوس، فقد حدثته عن تفشي الرشوة في سوريا، ثم تذكرت أنه أجابني أن هذا الزمان يتطلب ذلك، وعلى الإنسان أن يكون (قد حاله) ويعرف من أين تؤكل الكتف !، إذن يبدو أن المشكلة أكبر من ذلك. وبدأت أعد الثواني، ودقات قلبي تتسارع، ومرت لحظات والهواجس تلاحقني. وأخيراً تذكرت. فقبيل الاغتراب كنت موظفا، وقد تبوأ زميل سيئ منصباً في الحزب القائد، بدلاً من آخر قد افتضح أمر سرقاته، وفاحت رائحته، وقد سألني عن هذا الجديد أحد المعارف، ولا أدري كيف زل لساني فأجبته: هو أوسخ من سابقه. كنت متخيلاً أنه لن يتكلم، وقد لمت نفسي وقتها كثيراً على التسرع، ولكن عندما مرت أيام ولم يحدث شيء لي، ظننت أنه قد تجاهل الأمر، ثم سافرت، والآن حان وقت الحساب وعاقبة عدم الالتزام بقص اللسان.
بدأت أتصبب عرقاً ورعباً، فأنا أعرف ما معنى الاستجواب، فقد قرأت قصة القوقعة وما فيها من تعذيب رهيب لأحد المسيحيين بتهمة الانتماء للإخوان، وسمعت من آخرين أهوالاً وأهوالاً. كان في الزاوية بضعة عسكريين يتحادثون، ظهر لي أنهم يتحايلون للقبض علي قبل الهرب، ولكن أين المفر ورجال الممانعة من أمامك وأبطال الصمود من ورائك!
أوصيت زميلي أن يسلم حقيبتي وفيها هدايا لبناتي الصغيرات، إنهن منتظرات وقد لبسن أجمل ما عندهن لقد تحضرن للهدايا والعناق، وتصورت مشهد بكاءهن ودمعات أمهن، لم أفق من المشهد المرعب إلا على صوت مرعب أكثر: محمد حسن. يا للهول، لقد حلت المصيبة. ولم أرد، ومرت ثوان طويلة أحسست فيها أني أودع الإنسانية والحياة. فصرخ ثانية: محمد حسن... رددت: نعم. رد الصوت المرعب: أنت أطرش؟ خذ جوازك وانصرف. في الدول الراقية يحاسب الموظف على هذه الجملة النابية. أما عندنا فقد وقع عليّ الصوت برداً وسلاماً، آه ما أسعدني بهذا الصوت. إنه اللطف بعينه.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع