رديف المقداد
تصدير المادة
المشاهدات : 6132
شـــــارك المادة
من أروع الآثار الإسلامية القديمة المحتفظة بتفصيلها المعماري وهيكلها الأصلي العظيم ومن أقدم الجوامع الإسلامية. ويعود بناؤه إلى عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويحمل اسمه بعد (13 هجري / 634- 23 /644) (لعله في الفترة التي مرّ بها سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحوران حيث اجتمع بالأمراء في مؤتمر الجابية)
(وربما قبل ذلك بقليل بعد الفتح الإسلامي للمدينة لأن شأن المسلمين في كل مدينة يفتحها الله لهم بناء المساجد). يؤكد العالم(كريزول يسول) بأن مئذنة الجامع التي ترتفع على شكل مربع إلى(15) متراً هي أقدم مئذنة لا تزال قائمة في العالم الإسلامي. والمسجد بني على أنقاض معبد وثني على طراز المساجد التي بنيت في عهد الخلفاء الراشدين وهي مسجد المدينة المنورة ومسجد عمرو بن العاص في مصر. إن التبعية لنموذج الجامع الأموي في دمشق يمكن ملاحظتها في معظم ملامح الشكل في جامع بصرى ولكن إذا كانت كل أبنية المساجد قد تأثرت بجامع دمشق الأموي _ النموذج العمراني الأمثل - حتى العصور الوسطى، فهذا لا يعني بالضرورة أن صلة جامع بصرى بنموذج دمشق من ناحية الشكل تؤرخه في ذلك العصر.
عندما بدأت أعمال الترميم عام (1938/ 1939) هذا المبنى الذي كان متساقطاً تطلب الأمر إزالة الدعامة التي كانت عليها هذا النقش حيث اكتشفت كتابة تشير إلى قيام إصلاحات داخلية في المسجد زمن الخليفة يزيد الثاني عام 102 هجري -720 ميلادي تحمل اسم الحارث. وكتابة ثانية تحمل اسم القائد عثمان بن الحكم وتاريخ عام 128/745-746 في زمن مروان آخر الخلفاء الأمويين (127هجري -744م) - (130هجري-750 م) وفي العصور الوسطى كان مسجد بصرى (العمري) له حظ في التطور العمراني في تلك الفترة. ومن خلال الكتابة التي وجدت على جدار الجامع الشرقي من الجهة الخارجية {بسم الله الرحمن الرحيم. أمر بتحديد هذا المسجد المبارك بعد نقصه الأمير الإسفهسلار الأجل السيد الكبير المخلص المختار عز الدين ربيع الإسلام أمين الدولة أبو منصور كمشتكين الأتابكي معين أمير المؤمنين رغبة في ثواب الله تعالى وغفرانه في أيام مولانا ظهير الدين طغتكين أتابك سيف أمير المؤمنين في شهور سنة ست وخمسمائة}. -وهناك نقش آخر في المسجد يحمل تاريخ ترميم صحن الجامع على يد الحاج يحيى بن علي بن هميان وذلك في عام (618/1221-1222) والنص مكتوب بخط شديد الميولة يحتمل أنه اعتمد على نص كتاب من قبل ذلك بخط اليد وقد أغفل النص الكتابي اسم الصالح إسماعيل الذي كان يحكم المدينة في عام (615/1218-إلى عام 644/1246) من المحتمل أن إنشاء الجدار الشمالي للجامع قد تم على يد مهندس معماري قلد نفس الأسلوب الذي قام به المهندسون الدمشقيون في قلعة بصرى ولكن بشكل مبسط وذلك عندما زيدت مساحة الجامع لإضافة الرواق الشمالي كذلك بأن المئذنة التي تبرز عند الزاوية الشمالية الشرقية بمقدار (2.50) متر والمتصلة معمارياً بالواجهة الشمالية لا تعود إلى بداية الفترة الإسلامية وإنما أنشئت مع هذه الواجهة في عام (618/ 1221-1222) وفي هذه الفترة أضيفت بائكة خارجية للجامع على الجانب الشرقي منه مما أدى إلى إغلاق فتحات الواجهة الشرقية ومن المحتمل أن هذا هو الذي أدى إلى إزالة النقش الكتابي المؤرخ والذي يحمل اسم كمشتكين.
وفي فترة لاحقة أضيفت ميضأة للجامع إلى الشرق من المئذنة قام بإنشائها البنّاء المصري عبيد بن صمام المصري. فهذه الإضافة المعمارية يحتمل أنها كانت متصلة بحمام منجك الذي يقع في الجانب الآخر من الشارع والذي كان افتتاحه عام (773هجري/ 1273) ومن المحتمل أن ذلك قد حدث عندما تم توصيل الإمدادات المائية لهذا الحمام وللمنطقة ككل. السقف الجملوني الخشبي الذي كان يغطي رواق حرم الصلاة عند بنائه قد سقط في زمن غير معروف وقد استبدل السقف من الحجر يتبع في أسلوب بنائه نظام العمارة التقليدية في حوران ونظراً إلى أن المساحة المغطاة يصل عرضها إلى حوالي (4.50) متر مما يصعب استخدام ألواح البازلت فقد أقيمت صفوف إضافية من الأعمدة والدعامات من أجل زيادة الدعم المعماري وقد عثر أثناء الترميم على لوح حجري بين الأنقاض يحتمل أنه استخدم في تغطية أحد المباني الأثرية في المدينة وهو يحمل توقيع حيدره وتاريخ (460/1067-1068). لقد غطيت جدران حرم الصلاة من الداخل بطبقة من الجص وكسيت حنية المحراب والجدار الجنوبي بزخارف جصية لا تزال أجزاء منها باقية حتى الآن هذه الزخارف تشبه بصورة كبيرة زخارف جصية نفذت في شرق إيران وأفغانستان خلال القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي. وهذا يدل على استيراد أساليب فنية متطورة من أرض السلاجقة من أجل هذا الأمير التركي الأصل فقط. وتحيط بجدران المصلى نقوش وكتابات عربية محفورة على الجص بينها آيات قرآنية {بسم الله الرحمن الرحيم.. لا يكلف الله نفساً إلا وسعها..... } المبنى الحالي للمسجد يقع على كل شكل شبه منحرف تبلغ أطوالها (34 × 36) متر - يتألف المسجد: من صالة مستطيلة الشكل يستند سقفها على أعمدة تعلوها أقواس متتابعة وتفتح الصالة (حرم المسجد) على فناء واسع دون أن يكون لها أبواب وحرم المسجد مكون من أعمدة رخامية مختلفة الطراز منها الكورنثي والدوري والأيوبي وهي تحمل الأقواس التي كانت مسقوفة بأحجار طويلة استبدلت بالأسمنت المسلح عند الترميم فمخطط حرم الصلاة يتكون من رواقين بينها أعمدة ويتوسطها رواق مستعرض ذو أقواس واسعة تقوم على دعائم مستطيلة يتبع مخطط الجامع الأموي في دمشق. وفي الصحن الداخلي فوارة كانت تعلوها قبة لطيفة والفوارة هي عبارة عن الميضئة (بركة الماء) قائمة في وسط فناء الأروقة. وللجامع ثمانية أبواب تؤدي إلى المساكن والأسواق مما يدل على عمران المدينة ورواج تجارتها وتم نقل أعمدة الرخام البيضاء من المسرح الروماني وهي مادة بناء نادرة في هذه المنطقة التي يغلب فيها استخدام البازلت الأسود وذلك من أجل بناء الجامع. يعتبر المسجد الآن المسجد الرئيس الذي تقام فيه شعائر صلاة الجمعة في مدينة بصرى الشام.
كتاب الحضارة الإسلامية في مدينة بصرى الشام – تأليف رديف المقداد
أسرة التحرير
عبد الرحمن خضر
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
محمد العبدة