عبد القادر الريحاوي
تصدير المادة
المشاهدات : 22441
شـــــارك المادة
طوال عصر التاريخ، حاضرة عريقة متألقة بطبيعتها الساحرة وبدائع عمائرها الباذخة، ومن يطُف بأحياء دمشق القديمة، تُطالعه إلى اليوم تلك المعالم الجميلة الباقية من عهود تاريخية متوالية، وفيها الجوامع والمدارس والمكتبات والقصور والبيوت، التي تبقى شواهد على أصالة المبدعين الدمشقيين.
وعبقريتهم الفنية والمعمارية، وهنا نعرض لمجموعة من قصور العهد الأموي بدمشق، ونضيء صفحات من تاريخ المدينة الخالدة.
قصور أمية دمشق معالم أثرية: 1- قصر معاوية -رضي الله عنه- الخضراء: استمر اسم الخضراء يُطلق على المحلة التي كان فيها قصر معاوية-رضي الله عنه-، حتى عهد متأخر، وقد سُميت دار معاوية-رضي الله عنه- بالخضراء لوجود قبة خضراء فيها أطلق المؤرخون أيضاً على قصر معاوية -رضي الله عنه-هذا إسم دار الإمارة، ودار الملك. وموقع الخضراء معروف على وجه التأكيد وهو إلى الجنوب من الجامع الأموي، محاذياً لجداره الجنوبي، وكان لدار معاوية-رضي الله عنه- باب يصلها بحرم الجامع، حيث محراب الصحابة ومقصورة الخلفاء، وظل هذا الاتصال بين القصر والجامع لما بعد تشييد جامع الوليد. ثم سُد في عهد متأخر، وكان يُدعى قديماً باب الخضراء، وهو في الأصل أحد فتحات الباب الثلاثي لمعبد جوبيتر الذي تحول إلى كنيسة في العهد البيزنطي ثم تحول نصفها الغربي إلى مسجد بعد الفتح. ويبدو أن قصر معاوية-رضي الله عنه- كان في الأصل بناءً قديماً جدّده معاوية-رضي الله عنه- فكان أول قصر عربي يُشاد في دمشق بعد الإسلام، أصابه الخراب في الانقلاب العسكري، ثم احترق في أواخر عهد الفاطميين. وأقدم من يحدثنا عن قصر معاوية-رضي الله عنه- الحسن المهلبي، صاحب كتاب (المسالك والممالك) المتوفى سنة 380ه-990م، يقول: (وفي ظهر الجامع كانت خضراء معاوية-رضي الله عنه- وهي داره، وهي الآن مجلس الشرطة ودار الضرب). وذكره المقدسي وهو جغرافي معاصر للمهلبي قال (ومن الخضراء وهي دار السلطان، أبواب إلى المقصورة) والمقصورة المكان الذي يصلي فيه الخلفاء والأمراء في الجامع الأموي، أمام المنبر والمحراب.
وذكر ابن عساكر "الخضراء" في مواضيع عديدة منها قوله (الخضراء من بناء أهل الجاهلية من البناء القديم). ويحدثنا عن قصة بناء الخضراء فيقول: (لمّا بنى معاوية-رضي الله عنه- الخضراء بدمشق، وهي دار الإمارة، بناها بالطوب، فلما فرغ منها قدم عليه رسول ملك الروم، فنظر إليها، فقال له معاوية-رضي الله عنه-: كيف ترى هذا البنيان؟ قال: أما أعلاه فللعصافير، وأما أسفله فللفار، قال: فنقضها معاوية-رضي الله عنه- وبناها بالحجارة). وفي رواية أخرى يقول: (لما استُخلف عبد الملك بن مروان طلب من خالد بن يزيد بن معاوية-رضي الله عنه- شراء الخضراء، وهي دار الإمارة بدمشق، فابتاعها منه بأربعين ألف دينار وأربع ضياع بأربعة أجناد من الشام اختارهن..الخ). ويُحدثنا ابن كثير عن دار معاوية-رضي الله عنه- فيقول: (وقد بنى معاوية-رضي الله عنه- أيام ولايته على الشام دار الإمارة قبلي المسجد، وبنى فيها قبة خضراء، فعرفت الدار بكاملها بها، وسكنها معاوية-رضي الله عنه- أربعين سنة). كما يُحدثنا عن حريق الخضراء مع الجامع الأموي في سنة 461/1068 فيقول: (ألقيت نار بدار الملك، وهي الخضراء المتاخمة للجامع من جهة القبلة، فاحترقت وبادت الخضراء فصارت كوماً من تراب بعدما كانت في غاية الإحكام والإتقان وطيب الغناء، ونزهة المجالس وحُسن المنظر، فهي إلى يومنا هذا لا يسكنها لرداءة مكانها إلا سفلة الناس وسقّاطهم، بعدما كانت دار الخلافة والملك والإمارة، منذ أسسها معاوية بن أبي سفيان-رضي الله عنه-). ويبدو مما تقدم أن الخضراء دار معاوية-رضي الله عنه- أو قصره ظلت من بعده دار الملك والسلطان يتوارثها الأبناء عن الآباء وتنتقل من أسرة إلى أخرى ويقطنها كل من ولي الخلافة من بني أمية، ثم تهدمت في سنة 132/749 خلال الانقلاب العباسي، ويبدو أن التخريب الذي أصابها على يد العباسيين لم يكن كبيراً، فقد استمرت على قيد الحياة، وتحولت إلى مجلس للشرطة ودار لضرب النقود، إلى عام 380/990 كما قال المهلبي. ولكنها زالت من الوجود كلياً في الحريق الذي حدث عام 461/1068 على رأي ابن كثير أو في عام 458/1065 على رأي ابن الجوزي وغيره. وظل مكانها خراباً إلى أن أُقيم على الجانب المحاذي لجدار الجامع الجنوبي سوق جديد للنحاسين (حيث يوجد سوق الخياطين اليوم) شاهده ابن جبير خلال زيارته لدمشق في عام 580/1184. وشُيد على الجانب الآخر من مكان الخضراء قيسارية سكنها الصياغ، أرّخ ذلك النعيمي، قال في سنة 631/1233 كملت عمارة القيسارية التي هي قبلي النحاسين وحوّل إليها سوق الصاغة) واستمر سوق الصاغة في هذه القيسارية ودُعي بالصاغة الجديدة من قبل المؤرخين إلى أن احترقت في صيف عام 1960، ولعل المهتمين بالتنقيبات الأثرية يسبرون أرضها قبل بنائها، علّهم يجدون بعض آثار الخضراء، وهو كشف ثمين، إذا اقترن بالنجاح. يبدو أن حدود الخضراء، المحلة التي أطلقت على مكان القصر، كانت تمتد إلى ما وراء الصاغة نحو الجنوب لتشمل قصر العظم والزقاق المحاذي له من الجنوب أيضاً، حيث توجد المدرسة التنكزية، فلقد أشار القدماء إلى أن هذه المدرسة بنيت بالخضراء، ويريدون بذلك المكان الذي كانت تحتله الخضراء، وظلت هذه المنطقة تُعرف بدار معاوية-رضي الله عنه- حتى عهد متأخر، فقد قال البديري في خبر بناء أسعد باشا لقصره سنة 1163/1749 ما يلي: (أخذ أسعد باشا دار معاوية-رضي الله عنه- وأخذ ما حولها من الخانات والدور والدكاكين وهدمها وشرع في عمارة دار، السرايا المشهور التي هي قبلي الجامع الأموي). ويُحدثنا المؤرخ ابن كثير نقلاً عن ابن عساكر عن دار سليمان بن عبد الملك كانت عند موضأة جيرون الآن (عند باب الجامع الأموي الشرقي)، وأنه بنى داراً كبيراً (قصراً) مما يلي الباب الصغير (باب في سور المدينة الجنوبي)، موضع درب محرز جعلها دار الإمارة، وعمل فيها قبة صفراء تشبيهاً بالقبة الخضراء (في قصر معاوية-رضي الله عنه-).
2- القصور الأموية الأخرى: لا يزال أحد أحياء دمشق يحمل اسم قصر الحجاج، ويقع إلى الجنوب الشرقي من باب الجابية، وهذا الحي قديم، ذكره ابن عساكر في عداد الأحياء الواقعة خارج السور في عهده، وقال إن القصر يُنسب إلى الحجاج بن عبد الملك بن مروان، وكان أميراً على دمشق، ويُقال إن أمه بنت محمد بن يوسف، أخي الحجاج الثقفي. وكانت دار الخليفة عمر بن عبد العزيز ووالده من قبله إلى جوار الجامع الأموي، حيث أقيمت الخانقاه الشميساطية فيما بعد وهي عند باب الجامع الشمالي (باب الكلاسة أو باب الناطفين) سنة 453/1061 وهي اليوم مدرسة ابتدائية، قال النعيمي: (وكانت هذه الخانقاه دار عبد العزيز بن مروان بن الحكم وابنه عمر، وذلك مكتوب على عتبة الباب إلى اليوم). وقصر الخليفة هشام بن عبد الملك كان إلى الجنوب من الجامع الأموي، في المنطقة الواقعة داخل سور معبد جوبيتر الخارجي، في السوق المعروف اليوم بسوق القلبقجية، وقد تحول إلى مدرسة في مطلع القرن السادس عرفت بالمدرسة المجاهدية، نسبة إلى واقفها الأمير مجاهد الدين أبي الفوارس بزان أحد مقدَّمي الجيش في أيام نور الدين، وهي ما تزال باقية إلى اليوم، وقد نقش على ساكف بابها كتابة كوفية تؤرخ بناءها. ذكر هذا القصر العمري فقال: المدرسة المجاهدية المعروفة بقصر هشام. ومما يؤسف له أن قصور الأمويين في دمشق لم يبقَ لها أثر، علماً بأن عدداً من قصورهم خارج دمشق لا تزال باقية أطلالها ومعالمها إلى اليوم في البادية السورية (قصرا الحيرة الغربي والشرقي)، وفي الأردن وفلسطين (قصر المشتى، وقصر عمرة وقصر هشام أو خربة المفجر بالقرب من أريحا، وقصر الطوبة) وقصر في لبنان في موقع عنجر.
شذرات عربية
محمد بن علي بن جميل المطري
أسرة التحرير
الدرر السنية
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
محمد العبدة