محمود السيد الدغيم
تصدير المادة
المشاهدات : 3644
شـــــارك المادة
لم تأتِ الثورة السورية الحالية من فراغ، وإنما هي نتيجة ثورة حماة التي قمعتها الدبابات عام 1964، وثورة إدلب وحمص واللاذقية وطرطوس عام 1970، وثورة حلب ودير الزور ومعرة النعمان وجسر الشغور عام 1980، وثورة حماة عام 1982، وثورة 15 – 18 آذار (مارس) عام 2011 التي عمت المحافظات السورية وما زالت مستمرة.
انبثقت الثورة من المعاناة اليومية المقرونة بالإذلال، الذي يمارسه نظام حكم ديكتاتوري قمعي ينفذ ما يقتضيه المشروع الإيراني، وقد سلكت الثورة مسارات متنوعة من حيث المبدأ والتطبيق. بدأت الثورة سلميةً، وجسدتها تظاهرات لا تعتدي على الأنفس أو الممتلكات العامة أو الخاصة، فقابلها النظام بقبضة حديد إذ أمر باستخدام الوسائل المتاحة لقمعها، ما دفع بعض العسكريين الشرفاء إلى الانشقاق عن الجيش النظامي، وقاموا بتشكيل الجيش السوري الحر من العسكريين والمتطوعين المدنيين، ومن ثم تصدوا لجيش النظام، ليس من أجل العدوان وإنما لحماية التظاهرات السلمية. هكذا، تحولت الثورة السورية إلى ثورة سلمية ومسلحة في الوقت نفسه، وأصبح الشهداء قادة الثورة الحقيقيين، فكلما استشهد سوري (أو سورية) التحق ذووه بالثورة، ما أدى إلى تناقص مؤيدي النظام، وازدياد مؤيدي الثورة. هكذا، توزع السوريون على ثلاثة تجمعات: (1) تجمع النظام ومن معه. (2) تجمع الثوار والمعارضين. (3) تجمع الصامتين بانتظار المنتصر كي يقولوا: إننا معك. وضمّت الساحة السورية أربع قوى أساسية متصارعة: 1- النظام بأدواته الأمنية والعسكرية. 2- المعارضة الداخلية الموالية للنظام: تشكلت نواة هذه المعارضة قديماً مما يسمى: «الجبهة الوطنية التقدمية»، في 7 آذار 1972. وضمت الجبهة الأحزاب الآتية: حزب البعث العربي الاشتراكي القائد، وتوابعه المؤلفة من نقابات واتحادات العمال والفلاحين والنساء، وأحزاب قومية وماركسية مثل: الاتحاد العربي الديمقراطي، الاتحاد الاشتراكي العربي، حزب الاشتراكيين العرب، الحزب الشيوعي برئاسة خالد بكداش، الحزب الشيوعي برئاسة يوسف فيصل، الحزب السوري القومي الاجتماعي، حزب الوحدويين الاشتراكيين والحزب الوحدوي الاشتراكي الديمقراطي.
ولما بدأ ربيع دمشق الخادع، تحرك السفير الأميركي روبرت فورد عام 2005 لدعم تشكيل «إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي » وانخرطت فيه تكتلات خرج بعضها من عباءة« الجبهة الوطنية التقدمية»، وانضمت جماعات سياسية كجماعة «الإخوان المسلمين» السورية، وبعض المستقلين، لكن استخبارات النظام اخترقت إعلان دمشق فشقته إلى «إعلان الخارج»، و «إعلان الداخل»، وقد تبادلا الاتهامات. وبعد انطلاق الثورة السورية خرجت من عباءة «إعلان دمشق»، «هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي »في حزيران (يونيو) 2011. وضمت بعض المستقلين، و15 حزباً سياسياً هي: حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي، حزب العمال الثوري العربي، حركة الاشتراكيين العرب، حزب البعث الديمقراطي (انضم لاحقاً في آب/ أغسطس 2011)، حزب العمل الشيوعي، الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي، هيئة الشيوعيين السوريين، تجمع الماركسيين الديمقراطي - تمد، الحزب اليساري الكردي (محمد موسى)، وحزب يكيتي الكردي (اسماعيل حمه)، وحزب الاتحاد الديمقراطي - PYD، (حزب أوجلان في سورية) برئاسة صالح مسلم محمد والحزب الديمقراطي الكردي - السوري (جمال ملا محمود). وفي أيلول (سبتمبر) 2011 انضمت حركة (معاً) للهيئة ثم (الاتحاد السرياني) في تشرين الأول (أكتوبر). وتمخضت «هيئة التنسيق» فولدت ما يسمى «المنبر الديمقراطي» السوري الذي عقد مؤتمره في القاهرة من 13 إلى 16 نيسان (أبريل) 2012، وتشكلت لجنته من: ميشيل كيلو وعارف دليله وفايز سارة وحازم نهار وخلف علي الخلف وناصر الغزالي وسمير عيطه وأحمد المحاميد وأحمد المصري ورشا القس يوسف وميسا صالح ومعتصم السيوفي ومحمود الكن. وقد وقع برهان غليون من (المجلس الوطني) مع هيثم مناع العودات من (هيئة التنسيق) على ما عرف بالوثيقة المشتركة، التي سماها ثوار الداخل «وثيقة العار»، وأدى ذلك إلى ضعف ثقة الثوار «بالمجلس الوطني». «مؤتمر الإنقاذ الوطني» انشق عن «هيئة التنسيق» أعضاء التحقوا بـ «مؤتمر الإنقاذ الوطني» الذي عقد في دمشق وفي اسطنبول في الوقت نفسه، وترأسه هيثم المالح في اسطنبول الأحد 17 تموز (يوليو) 2011، وتم تشكيل «هيئة الإنقاذ الوطني» من 25 عضواً، ثم انتخبت الهيئة «المكتب التنفيذي لمجلس الإنقاذ الوطني» المؤلف من: هيثم المالح ومرح البقاعي وإبراهيم الحريري وفاتح الراوي ومحمود السيد الدغيم ومروان الدعاس وأحمد الأسعد وفرهاد الأحمد وعلي أوزتركمان وجمال المصري «الورد » وخالد الخوجة وإياس المالح. وبعدما عقد «مؤتمر المجلس الوطني» في اسطنبول؛ التحق به هيثم المالح، وجمال المصري «الورد» وخالد الخوجة وأعضاء آخرون من الأمانة العامة، ما أدى إلى إفشال «مؤتمر الإنقاذ الوطني». 3- المعارضة الداخلية السلمية المعادية للنظام: تشكلت هذه المعارضة السلمية من جموع السوريين المقهورين، ولم يجدوا أماكن تسمح لهم بالتجمع والتظاهر سوى المساجد، لا سيما في يوم الجمعة من كل أسبوع، ولكن قوات النظام لم تراعِ حرمة المساجد بل استباحتها ودنستها، ما زاد الاحتقان والحاجة إلى حماية المعارضة السلمية بثورةٍ مسلحة، وهكذا بدأت تتسع تشكيلات المعارضة المسلحة على حساب المعارضة السلمية. الثورة ولعبة الأمم المتصارعة: بعدما ازدادت هزائم النظام، وبدأ الثوار بتحقيق انتصارات غير متوقعة، تداعى ممثلو الدول العربية والإقليمية وغيرها، إلى العاصمة القطرية الدوحة، حيث فندق ريتز الذي يضم «المجلس الوطني»، وفندق هيلتون الذي يضم رياض حجاب و «وزراء المستقبل»، وفندق الشيراتون الذي يضم «الائتلاف»، وتم استبدال «المجلس الوطني السوري برئاسة جورج صبرة»، بما يسمى «ائتلاف قوى المعارضة» برئاسة أحمد معاذ الخطيب الحسني، وتشكل «الائتلاف» من خليط المجلس الوطني والأكراد وهيئة التنسيق والمنبر الديمقراطي، ولفيف من الشخصيات. وأنيطت بالائتلاف مهمة تصفية المتطرفين، مثل جبهة النصرة*، على حد زعم قوى أجنبية أصيبت بمرض «إسلاموفوبيا» حتى باتت تحسب كل من يتظاهر في المساجد السورية إرهابياً. 4- المعارضة الخارجية: تشكلت المعارضة الخارجية من السوريين المنفيين والمهاجرين والمهجرين، وقد برزت أولاً في «جبهة الخلاص الوطني في سورية» التي عقدت مؤتمرها التأسيسي في لندن في 5 حزيران 2006. ثم فشلت بسبب الاصطفاف الشللي بين «الإخوان المسلمين» والأكراد وعبد الحليم خدام. وبعد انطلاق الثورة عقد «مؤتمر المعارضة السورية في مدينة أنطالية التركية» الأربعاء 1 حزيران 2011، تحت اسم «المؤتمر السوري للتغيير» واتسم الحضور بالتناقض، ففشل المؤتمر بعدما أرسل مندوبيه إلى «مؤتمر سان جرمان» في فرنسا الذي حضره برنار هنري ليفي تحت شعار: «منتدى قواعد اللعبة» في 4/7/2011 لبحث الأوضاع في سورية، وكان في مقدم الحضور من أعضاء «مؤتمر أنطالية»: عمر العظم، عهد الهندي، عبد الإله الملحم العنزي، عمار القربي، سندس سليمان، ملهم الدروبي، لمى الأتاسي وأديب الشيشكلي. وقد شكل حضور هؤلاء فرصةً للتشكيك بوطنية أعضاء «مؤتمر أنطالية» ما أدى إلى فشله. وساهم بإفشاله «الإخوان المسلمون» الذين نظموا «مؤتمر بروكسيل»: (يوم السبت 4 حزيران عام 2011)، وهكذا تشرذمت المعارضة الخارجية. ثم تشكل «المجلس الوطني السوري» في إسطنبول تحت وصاية «الإخوان المسلمين» الحلبيين – البيانوني، الثلاثاء 16 آب 2011، وحصلت حلب على حصة الأسد المفترس: 17 عضواً بتخطيط أحمد رمضان (مدير قدس برس في بيروت سابقاً) وعبيدة نحاس وصاحبه البيانوني، وحصلت محافظات إدلب وحماة وحمص ودرعا ودير الزور مجتمعةً على 17 عضواً. وفي يوم الأحد 2 تشرين الأول 2011، تم توسيع «المجلس الوطني» في اسطنبول، وترأسه برهان غليون، ثم سقط غليون، وحـــل محــله عبـــد الباســـط سيدا، وبعــــد تواتر الفشل عــقـــد «المـــجلس الوطني» محاولات عدة للترميم، كان آخـــرها المؤتمر الــذي عـــقد في الدوحة بحضور 450 عضواً مــن الداخـــل والخارج، (واستمر من السبت 3 حتى الثلاثاء 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012)، فتم تعيين جورج صبرة رئيساً رغم سقوطه في انتخابات الأمانة العامة، وأصــبح فــاروق طيفور «الإخواني» نائباً له. «مجلس الأمناء الثوري السوري» بعدما تراكم فشل رموز «المجلس الوطني»، انسحب منه هيثم المالح، وتشكلت هيئة سياسية جديدة في القاهرة برئاسة المالح تحت اسم: «مجلس الأمناء الثوري السوري» وصدر بيانها الختامي الثلثاء 31 تموز 2012، وانتخبت مكتباً تنفيذياً ضم: الشيخ أحمد الصياصنة، نواف البشير، أيمن هاروش، سعد العثمان، عثمان البديوي، محمود السيد الدغيم، شواخ البورسان، قاسم سويداني، عبدو حسام الدين ويوسف ملا. وكلف هيثم المالح التشاور لتشكيل وزارة انتقالية، لكنه فشل في مهمته فعمد إلى الالتحاق بمبادرة رياض سيف، ولما تمت مساءلته في مؤتمر استثنائي، استقال من «مجلس الأمناء»، وتم تكليف نواف البشير برئاسة المجلس موقتاً ريثما يعاد تشكيل مكتب تنفيذي جديد يحقق ما لم يحققه المكتب الذي سبقه. «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» حاولت رموز «المجلس الوطني» إعادة إنتاج نفسها، لكنها فشلت، وأدركت ذلك الدول العربية والأجنبية، فتجاوزت المجلس الوطني بدعمها ولادة ما يسمى: «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» الذي ضم بعد التعديلات: 32 عضواً من المجلس الوطني و39 عضواً آخرين من المجلس الوطني الكردي، والمنبر الديمقراطي، وهيئة التنسيق، وشخصيات وطنية. وفي 11 تشرين الثاني 2012، أعلن في الدوحة الاتفاق النهائي على توحيد صفوف المعارضة السورية تحت لواء كيان جديد هو: «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية»، وأنيطت «بالائتلاف» أعباء قيادة الثورة والمعارضة، وتشكيل حكومة انتقالية، واكتساب الشرعية الدولية كبديل عن النظام. ونال أحمد معاذ الخطيب الحسني رئاسة الائتلاف. وعلى رغم مشاركة دول عربية وأجنبية بتصميم الائتلاف، جرت وتجري محاولات لإضعافه، بعقد مؤتمرات وتشكيل مجالس وقيادات، ومنها «المجالس الثورية المدنية السورية» برعاية الوزير الفرنسي المضيف لوران فابيوس في 2012/10/19 لدعم «معارضة الداخل»، بتشكيل«شبكة مجالس مدنية ثورية» موالية لفرنسا في المدن السورية التي خرجت منها قوات النظام السوري، حتى تتحول إلى نواة لإدارة بديلة في حال سقوط النظام. المتابع لسير أحداث الثورة السورية، يجد أن الثورة داخل سورية هي شعبية أصيلة تدير نفسها بنفسها، وتفرز قياداتها الميدانية، أما المعارضة في الخارج فهي رهينة مشاريع متعددة، وهذا هو سر التناقض بين الداخل السوري والخارج.
الحياة
محمد كناص
الجزيرة نت
يزن شهداوي
عبسي سميسم
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة