إيلاف
تصدير المادة
المشاهدات : 7163
شـــــارك المادة
مصير الرئيس السوري بشار الأسد ما زال غامضا، ومن الخيارات التي ستكون متاحة أمامه: إما الهروب من دمشق إلى الخارج أو ترك العاصمة والتوجه إلى معاقل الطائفة العلوية أو البقاء في دمشق ويواجه الموت على يد شعبه.
يقبع رئيس النظام السوري بشار الأسد في قصره الجبلي حيث وصل مدّ الحرب إلى المنحدرات التي تمتدّ تحته. وهناك التقاه مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية الأخضر الابراهيمي في محاولة عاجلة لحلّ النزاع المستمر منذ نحو عامين. ويرى مراقبون إن ردّ الأسد على ما قاله الإبراهيمي يعتمد على تكوينه النفسي الذي نشأ حصيلة إحساس ورثة من والده وسلفه صاحب القبضة الحديدية حافظ الأسد بأنه صاحب رسالة ، وعلى ما يقوله اقرب مستشاريه الذين يؤكد مؤيدون للنظام أنهم قادة أمنيون مخضرمون متشددون كانوا يشكلون طاقم والده، وتقديرات الأسد التي لا يعرفها إلا الأسد وحده بشأن ما ينتظره إذا بقي في سوريا، ولكنها على الأرجح تنحصر بين تصميمه على النصر أو الموت على يد شعبه.
ومن قصره على قمة الجبل يستطيع الأسد أن يطل على بدائل متعددة أخرى تحدد شكل مستقبله. إذ يقع شرقي القصر مطار دمشق الدولي وإمكانية الرحيل منه إلى المنفى ، وهو طريق يقول البعض أن والدة الأسد وزوجته اتخذتاه فعلا. ولكن الطريق مسدود الآن ، لا بأيدي مقاتلي المعارضة فحسب وإنما بقناعة ، يقول موالون للأسد انه يتفق فيها مع مستشاريه ، بأن الفرار سيكون خيانة لبلده ولوصية والده.
ويستطيع الأسد أن يبقى في دمشق ويتشبث بمطامح والده في الزعامة على المسرح الإقليمي والدولي وفرض النظام الذي في تصوره بل والموت من أجل هذه المطامح.
أو انه يستطيع أن يتوجه شمالا إلى المعاقل الجبلية الساحلية لطائفته العلوية متنازلا عن باقي سوريا للانتفاضة التي تقودها الأغلبية السنية. وسيعني ذلك تراجعا كبيرا ، والعودة الى مكانة جده المتواضعة ، شيخا من شيوخ أقلية مهمشة همهما الحفاظ على وجودها. وكان الإبراهيمي بخيلا في تصريحاته عن وقائع اللقاء الذي أجراه مع الأسد ولكنه حذر في الأسابيع الأخيرة من أن سوريا ، من دون حل سياسي ، تواجه الانهيار كدولة وسنوات من الحرب الأهلية التي ستكون اهوالها أكبر بكثير مما سبّبه النزاع من دمار ومعاناة حتى الآن ، بما في ذلك مقتل أكثر من 40 ألف سوري.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن دبلوماسي عمل في دمشق أن الأسد بصرف النظر عن النفي الرسمي “يدرك تماما” أن عليه أن يرحل وانه “يبحث عن مخرج” رغم أن الجدول الزمني لهذا الرحيل ليس معروفا.
وقال الدبلوماسي الذي غادر سوريا الآن “إن متنفذين في الحلقة العليا للنخبة الحاكمة في دمشق يشعرون بضرورة إيجاد مخرج”.
ولكن آخرين قريبين من الأسد وحلقته الضيقة يقولون إن أي تراجع سيصطدم بنظرة ذاتية دفينة الى دوره كزعيم وبرغبات قادة الأجهزة الأمنية الذين وصفهم أحد أصدقاء الرئيس بـ”أصحاب الرؤوس الحارة”. وقال المحلل السياسي اللبناني جوزيف ابو فاضل الذي يؤيد الأسد والتقى مسؤولين في دمشق مؤخرا إن رئيس النظام السوري يعتقد “أنه يدافع عن بلده وشعبه ونظامه وعن نفسه”.
ويرى محللون في روسيا، أهم حلفاء النظام على الساحة الدولية ، أن مقاتلي المعارضة يحاولون تطويق دمشق وقطع طرق الهروب عبر محافظة حماة إلى الساحل وأن المزاج في قصر الأسد يسوده الذعر، كما يتضح من التخبط في استخدام الأسلحة مشيرين إلى استخدام صواريخ سكود المصممة للحرب ضد جيوش وليس ضد حركات مسلحة، وإلقاء الألغام البحرية من الجو بدلا من زرعها في البحر. ولكن حتى إذا أراد الأسد أن يهرب فإنه من غير المعروف ما إذا كان القادة العسكريون وقادة الأجهزة الأمنية سيتيحون له الرحيل على قيد الحياة، بحسب المحللين الروس، لأن هؤلاء القادة يعتقدون أنهم إذا القوا السلاح سيُقتلون مع عائلاتهم العلوية في أعمال انتقامية، وأنهم يحتاجونه لتعبئة رجالهم.
وقال الخبير الروسي بشؤون الشرق الأوسط سميون باغداسروف لصحيفة نيويورك تايمز “إذا تمكن الأسد من الإقلاع بطائرة من دمشق فان هناك أيضا مفهوم المسؤولية أمام الشعب ـ شخص خان ملايين القريبين منه”.
وما زال كثير من السوريين يشاركون الأسد الاعتقاد بأنه يحمي الدولة السورية، ومن شأن هذا أن يساعد في تفسير تمكنه من البقاء حتى الآن. وعلى مأدبة عشاء باذخة أقامها سياسي لبناني خارج بيروت في ايلول/سبتمبر تحدثت شخصيات لبنانية علوية وسنية ومسيحية تدعم الأسد، بين أقداح مترعة بالويسكي ، عن رئيس النظام السوري بوصفه “رمز سوريا حديثة متعددة المذاهب”.
ولكن أحد أصدقاء الأسد ابتعد عن الآخرين ليتحدث بصراحة قائلا لصحيفة نيويورك تايمز إن مستشاري الأسد “أصحاب رؤوس حارة” يقولون له “أنت ضعيف ويجب أن تكون قويا”.
وأضاف “إنهم ينصحونه بالإمعان في الضرب، بالطائرات، بأي طريقة يمكن التفكير فيها”.
وقال الصديق “إنهم يتحدثون عن مقاتلي المعارضة بوصفهم كلابا إرهابيين إسلاميين وهابيين. ولهذا السبب سوف يستمر حتى النهاية”. وتابع هذا الصديق أن الأسد رغم حديثه أحيانا عن الحوار يريد أن يكون بطلا يصد اعتداء خارجيا. “انه يفكر في النصر ـ ولا شيء غير النصر”. وكان الأسد رفض دعوات الإصلاح بعد اندلاع الانتفاضة التي بدأت حركة سلمية في آذار/مارس 2011 ، بما في ذلك دعوات موالين له ودعوات مسؤولين أتراكا أمضوا سنوات في إقامة علاقات طيبة معه وحتى دعوات حركات مسلحة دعمها زمنا طويلا مثل حماس وحزب الله ، عرضت وساطتها بينه وبين المعارضة ، كما قالت حماس. بدلا من ذلك، سار الأسد على نهج والده الذي سوّى أحياء كاملة مع الأرض لإخماد انتفاضة إسلامية في الثمانينات.
ويقود الابن الآن حملة تحوّلت إلى حرب أهلية قتلت أضعاف من قتلهم والده.
وفي نظام أصبح حتى اشد تكتما وسرية يتعذر أن يعرف احد كيف يتخذ الأسد قراراته.
ويقول البعض إنه كان يريد الإصلاح ولكن جنرالات والده وقادة الأجهزة الأمنية وشقيقه معهم أقنعوه بأن الإصلاحات تعني نهايتهم.
وقال الصحافي الألماني يورغن تودنهوفر الذي أجرى مقابلة مع الأسد في تموز/يوليو “إن هناك بشارين ، بشارًا هادئا لا يحب عمله ويريد الخروج وبشارا يريد أن يُري عائلته والعالم “أنا لست ضعيفا”. ويقول آخرون إن نزعات الأسد الإصلاحية كانت دائما مناورة للحصول على بضائع ترفية ونيل رضى الغرب.
وقالت رنا قباني ابنة دبلوماسي عرف أبناء الأسد منذ الطفولة أن والدهم وأعمامهم وأخوالهم ربوهم على الاعتقاد بأنهم “أشباه آلهة وسوريا ضيعتهم”.
ويتذكر مسؤولون أتراكا أن الأسد خلال أحاديث كثيرة معه في الأشهر الأولى من الانتفاضة كان يستمع بهدوء لانتقاداتهم ويتحمل شخصيا المسؤولية عن أعمال النظام ويتعهد البحث عن حلول.
وقال مسؤول تركي تحدث لصحيفة نيويورك تايمز طالبا عدم الكشف عن هويته أن الأسد “إما كذاب محترف أو أنه لا يستطيع تنفيذ وعوده”. الآن يواجه الأسد ( 47 عاما ) خيارات أحلاها مرّ. فإن الفرار ليصبح قائد ميليشيا علوية مستبعد على الأرجح وهو الذي نشأ في دمشق وصاهر النخبة السنية وتعرض حتى للسخرية في قرية أجداده بسبب لهجته الدمشقية، كما لاحظ جوشوا لانديس الباحث المختص بالشؤون السورية في جامعة اوكلاهوما الأميركية. ويُعتقد أن الأسد كان لفترة طويلة يتلقى المشورة من والدته وشقيقه ماهر قائد الفرقة الرابعة المرهوبة ، وصهره آصف شوكت وأولاد خاله من آل مخلوف.
ولكن يُعتقد أن والدته غادرت سوريا في الأسابيع الأخيرة. وكان شوكت قُتل في الهجوم على مبنى الأمن القومي في تموز/يوليو. ويُعتقد أن آل مخلوف يقومون بتهريب الأموال إلى الخارج ، وتردد أن ماهر فقد إحدى ساقيه في القتال ولكنه ما زال يقود قوات موالية.
ويتفق محللون أتراك وروس وسوريون ولبنانيون على أن مستشاري الأسد الآن هم المتشددون الذين عملوا في ظل والده وقادة ميليشيات الشبيحة. وإذا وجد ذات يوم معتدلون في النظام قد يدفعون الأسد الى تسليم مقاليد الحكم إلى شخصية يمكن أن تحافظ على بقاء الدولة السورية فان هذا الخيار يبدو الآن بعيدا بصورة متزايدة.
وقال المحلل الروسي باغدارسوف “إن كثيرا من الدماء سُفكت ومن المتعذر حدوث ذلك”. وذهب رجل أعمال علوي من المناطق الساحلية يقول أنه يعرف حلقة الأسد الضيقة أن الشخص الذي قد يكون قادرا على إقناع الأسد بالرحيل هو زوجته ولكنها بلا دور يُذكر في الأزمة. وهي إما غادرت مع أطفالها أو منعها ماهر من المغادرة أو أصرت على البقاء مع زوجها، حسب الشائعة المتداولة في دمشق التي يعيش أهلها حياة من الترقب والأعصاب المشدودة.
كلنا شركاء
الرياض
رامي سويد
هبة أبو طه
الشرق الأوسط
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة