الشرق الأوسط
تصدير المادة
المشاهدات : 3211
شـــــارك المادة
مع أن عمليات الاختطاف في سوريا انتشرت منذ أكثر من عام، وراح ضحيتها المئات من السوريين لا سيما الفتيات في مدينة حمص، فإن هذه القضية وعلى الرغم من خطورتها لم تثر الرأي العام الدولي ولم يتوقف الإعلام كثيرا عند تفاصيلها وتداعياتها، بل كان يمر عليها مرورا عابرا، ولم ترَ الأطراف الإقليمية المعنية بما يجري في سوريا في الاختطاف تهديدا حقيقيا إلى أن قامت مجموعة قالت إنها تابعة للجيش الحر في ريف دمشق باختطاف المواطن اللبناني حسان المقداد قالت إنه «قناص ينتمي لحزب الله ودخل البلاد مع 1500 مقاتل لدعم قوات النظام في قمع الثوار»، وردت عائلة المقداد باختطاف نحو ثلاثين مواطنا سوريا مقيمين في لبنان وتوعدت بخطف مواطنين من جنسيات الدول التي تدعم الجيش الحر لا سيما تركيا وقطر والسعودية.
هذه الحادثة أنذرت بعودة شبح الحرب الأهلية إلى لبنان وعودة عمليات الاختطاف الطائفي، واستدعت الاهتمام الدولي والإعلامي بالحادثة، مع أن عمليات خطف أهم بكثير جرت قبل ذلك لم تحدث الأثر ذاته، فقبل أيام من اختطاف حسان المقداد، كانت كتيبة تابعة للجيش الحر في ريف دمشق قد اختطفت 48 مواطنا إيرانيا كانوا في حافلة على طريق المطار، وقالت المجموعة إن بينهم قادة من الحرس الثوري الإيراني، بينما قالت مصادر إيرانية إنهم حجاج كانوا يزورون مقام السيدة زينب في ريف دمشق. وقبلها في شهر مايو (أيار) الماضي تم اختطاف 11 مواطنا لبنانيا شيعيا في حلب من قبل الجيش الحر، وتم إطلاق سراح واحد منهم الأسبوع الماضي، وفي الشهر ذاته قامت كتيبة من الجيش الحر في منطقة القصير بريف حمص باختطاف مواطنين لبنانيين من الشيعة قيل إنهما من قيادات حزب الله، وكان الرد بأن تسلل عناصر من حزب الله إلى الأراضي السورية وقاموا باختطاف 24 شخصا من القصير من المسلمين السنة بينهم نساء وأطفال، وخلال أربع وعشرين ساعة تم احتواء الأزمة من قبل زعماء المنطقة من السنة والشيعة وجرى إطلاق سراح المختطفين من الجانبين والتعهد بعدم تكرار ذلك، وسحبت القصة من التداول الإعلامي.
كل تلك الحوادث لم تشغل الإعلام والرأي العام ولم تستدعِ إلى الأذهان شبح الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاما كان خلالها خطف الأجانب من السمات الرئيسية للحرب الأهلية في لبنان، كما فعل حدث اختطاف حسان المقداد، حيث كشف رد فعل عائلة المقداد في لبنان هشاشة الدولة اللبنانية، أمام ظهور جناح عائلي عسكري الذي تحدى السلطات اللبنانية وسخر منها متوعدا بأخذ حق العائلة بيده، دعمه في ذلك تبرؤ حزب الله - الميليشيا الوحيدة المسلحة في لبنان - من امتلاك التأثير على تلك العائلة، وذلك بمقابل عجز قوات الأمن والجيش اللبناني. الأمر الذي أنذر بوصول نار الحرائق السورية إلى لبنان وبما يهدد أمن واستقرار لبنان وكل المنطقة.
ولأن هذه الحادثة دون غيرها تمت معالجتها بعنف عبر توسيع دائرة الأزمة أثارت الشكوك في أن تكون مفتعلة من قبل أطراف سياسية، بحسب الناشط السوري أحمد. ز الذي قال إن الجيش الحر تبرأ من عملية اختطاف حسان المقداد متهما النظام السوري بافتعالها «لتوسيع دائرة الفوضى ولإيصال رسالة لمقاتلي الجيش الحر أنه لا يمكن محاصرة حزب الله ودفعه إلى إعلان اعترافه بالانخراط المباشرة مع النظام في قمع الثورة السورية، وأن ثمة وسائل أخرى غير سياسية وغير مباشرة بالإمكان استخدامها، كما أن هذه الحادثة جاءت للضغط على الحكومة اللبنانية للتخلي عن موقف النأي بالنفس عما يجري في سوريا والزج بها إلى جانب النظام لقمع الثوار السوريين ومحاصرتهم في لبنان»، ويستند أحمد في تحليله إلى أن كل عمليات الاختطاف السابقة تم «التعامل معها بحذر شديد حرصا على أرواح المختطفين ما عدا هذه الحادثة والتي يبدو أنها افتعلت افتعالا».
إلا أن صحة هذا التحليل لا تنفي أن عمليات الخطف المنتشرة في البلاد تهدد فعليا بحرب أهلية طويلة الأمد، خاصة أنها عمليات تختلف وتتعدد أهدافها باختلاف توجهات وتعدد منفذيها، ويشير الناشط في مجال تسجيل الانتهاكات الإنسانية جمال.خ من حمص إلى أن عمليات الخطف يقف وراءها جهات متعددة ففي مدينة حمص «تجري عمليات الاختطاف بين الأحياء السنية والعلوية، كأن يقوم الشبيحة باختطاف الفتيات من الطائفة السنية، بهدف المبادلة بمختطفين من الشبيحة لدى الثوار، أو للحصول على فدية، أو بهدف الانتقام لمقتل أشخاص من الطائفة العلوية» ويتابع جمال «الثوار يقومون عادة باختطاف الشبيحة من العلويين والعوانية والمخبرين والمتعاونين مع النظام لعدة أسباب أما تأديبهم أو الانتقام منهم لتسببهم بمقتل ناشطين أو أهاليهم، أو بهدف الحصول منهم على معلومات، وإما يختطف قادة من الجيش والأمن بهدف مبادلتهم بمعتقلين من الثوار والناشطين لدى النظام».
دياب.أ مقاتل في الجيش الحر في محافظة حمص اعترف في حديثه مع «الشرق الأوسط» «بأنه شارك بإعدام شبيحة وجنود من جيش النظام خلال وجوده في ريف حمص، وذلك بعد إقرارهم بقتل مدنيين واغتصاب نساء»، ويقول إنهم «اختطفوا اثنين من الشبيحة أحدهما علوي والآخر شيعي اعترفا بأنهما شاركا في قتل عائلة كاملة في حي كرم الزيتون بحمص، وذلك من خلال إجبار العائلة على تجرع مادة سامة، ووجدنا في جوال أحدهما صورا لتلك الجرائم فحكمنا عليهما بالقتل بالطريقة ذاتها» ويتابع لكن حين «نخطف جنديا أو مخبرا لم يتورط بالقتل والاغتصاب بشكل مباشر نطلق سراحه بعد أخذ اعتراف مصور» وعند «اختطاف شخصيات قيادية مهمة للنظام نقوم بالتفاوض حولها لمبادلتها مع معتقلينا أو مع جثث شهدائنا التي يختطفها الأمن».
وقد تمت «عمليات مبادلة كثيرة بين النظام والجيش الحر في أكثر من منطقة» وينفي دياب قيام الجيش الحر بالاختطاف بهدف الحصول على المال ويقول إن «في أجواء الحرب عملية الاحتفاظ بالأسرى منهكة، ومكلفة فالأسير بحاجة لتأمين مكان وطعام وهذا عصي على مقاتلي الجيش الحر الذين يتعرضون طيلة الوقت للقصف وإطلاق النار والملاحقة»، لذلك يقول إن عمليات الاختطاف التي يقوم بها الجيش الحر هي «عمليات نوعية لها هدف ثوري معين إما مبادلة أو حصول على معلومات أو انتقام للمدنيين من أهلنا وهي بالتأكيد ليست لكسب المال ومن يقوم بها لهذه الغاية يدعي كذبا أنه ينتمي للجيش الحر».
أمين. س من ريف إدلب «نشر تحذيرا على صفحته في موقع (فيس بوك) من أن عمليات الخطف التي تمت في منطقته بهدف الحصول على فدية قال منفذوها إنهم ينتمون للجيش الحر وطالب الثورة بتنظيف نفسها من هؤلاء» ولكن في حادثة طريفة يروي أسامة وهو صيدلاني «اقتحمت مجموعة من أربعة مسلحين الصيدلية وكنت فيها وقاموا بسرقة كل موجوداتها وهم يهمون بالمغادرة قال لي أحدهم: لعلمك نحن عصابة سرقة كي لا تتفذلك وتتهم الجيش الحر والثوار».
من جانبه يؤكد جمال. خ لـ«الشرق الأوسط» أن اخطر عمليات الخطف تلك «التي يقوم بها اللصوص بهدف الحصول على المال» ومعظم هؤلاء عادة ينسبون أنفسهم للجيش الحر ضمن حالة الفوضى السائدة، ويرى جمال. خ أن هذه العمليات لا تخضع لأي منطق، ويشير إلى أن اللصوص والشبيحة غالبا لا يلتزمون بتعهداتهم «حصل العام الماضي أن اختطف شبيحة لصوص فتيات من حي بابا عمرو من السنة فقام ثوار بابا عمر باختطاف بنات علويات، وتم التفاوض على الاستبدال دون التعرض للفتيات وبعد إتمام العملية تبين أن الفتيات السنيات قد تعرضن للاغتصاب ما أثار غضب ثوار بابا عمرو فقاموا بالرد باختطاف عدد من الشبيحة وقتلهم على الفور». ويتابع جمال. خ والذي اختطفت قريبته منذ ثلاثة أشهر في حي جورة الشياح ولم يتمكن لليوم من الحصول عن معلومات حول مكان وجودها ولا أسباب اختطافها «منذ بداية الأزمة تشكلت عصابات نهب وسلب لصوصية في كل أنحاء البلاد، تحت أنظار الأجهزة الأمنية التي كان لها مصلحة في الانفلات الأمني ونسبه للثوار، وتم ذلك حتى قبل بدء تسلح الثوار، وكانت عصابات لصوصية مسلحة تقطع الطرق وتعتدي على الحافلات وتنفيذ عمليات تشبيح وسرقة سيارات، ومنها كان يتم قريبا من حواجز قوات جيش النظام التي انتشرت على كل الطرقات في البلاد، حتى إن مناطق سميت بمثلث برمودا لفقدان الأمن حينها، هذه العصابات ادعت لاحقا أنها من كتائب الجيش الحر، ومنها ما التحق اسما بالجيش الحر، ولكن مهمتها على الأرض كانت سرقة المنازل في المناطق التي ينزح عنها سكانها»، ويؤكد جمال. ز «إن واحدة من أكبر المشكلات التي تواجه الجيش الحر على الأرض هو ردع تلك المجموعات» ويقول إن «أفرادها إما من اللصوص وأصحاب السوابق المعروفين من تجار السلاح والمخدرات والمهربين الذين أطلق سراحهم النظام بداية اندلاع الثورة ووجدوا في حالة الفوضى وغياب القانون وسلطة الدولة مناخا نموذجيا لمزاولة نشاطهم»، ويتوقف جمال.ز عند مسألة غاية بالأهمية وهي أن «تلك العصابات بدأت بسرقة السيارات، ثم اتجهت إلى تهريب السلاح وعمليات الخطف» وأنها عندما كانت تقوم بسرقة السيارات وذلك قبل تسلح الثورة «كان هناك سوق كبيرة في إحدى مناطق القلمون لبيع السيارات المسروقة إما لمشترين جدد أو لصاحبها، وكل ذلك تحت أنظار النظام الذي لم تجاهل وجودها ولم يفكر في اقتحامها أو قصفها كما يفعل حيال المناطق الثائرة» لكن ذلك لا ينفي أن مجموعات من الجيش الحر تقوم بعمليات اختطاف بهدف الحصول على المال، ففي شهر يوليو (تموز) اختطف واحد من أهم رجال المال والأعمال سليم دعبول ابن مدير مكتب رئيس الجمهورية، وهو من أبناء منطقة القلمون ورئيس مجلس إدارة جامعة القلمون الخاصة، واختطف في المنطقة ذاتها، وقد أحيطت عملية اختطافه وإطلاق سراحه بكثير من الكتمان، حيث قيل إنه دفع فدية تتجاوز الثلاثمائة مليون ليرة دون أن يتم التأكد من صحة تلك المعلومات، كما جرت العادة في حالات الاختطاف المشابهة التي تتم بسرية وتكتم تام، إذ وفور الإعلان عن حالة اختطاف يلجأ أهل المختطف إلى وجهاء المنطقة الموثوقين وتكليفهم بالتحري عن مصير ابنهم، وذلك بعد تلقي هاتف من الخاطفين يطلبون منهم فدية ويحددون طريقة للتواصل، عبر وسطاء معينين، لتبدأ رحلة التفاوض والقلق المرّة، والتي إما تكلل بالإفراج عن المختطف ودفع الفدية أو بدفع الفدية وقتل المختطف. أبو محمد وهو من سكان دمشق ويعد من الفقراء، اختطف ابنه الذي يعمل سائقا لدى عائلة ميسورة، وظن الخاطفون أنه من الأثرياء اتصلوا بوالده أبو محمد وطلبوا خمسة ملايين ليرة لقاء إطلاق سراحه، فرد عليهم ببرود ولا مبالاة «لا أملك ولا ليرة إذا كان لديكم خمسة آلاف ليرة أرسلوها لي واحتفظوا بابني لديكم وافعلوا به ما تشاءون هو من يوم يومه مغضوب».. بعد خمسة عشر يوما أطلق سراح الابن واحتفظوا بالسيارة.
يوم أول من أمس أوقف مسلحون الشاب إياد في منطقة ببيلا في ريف دمشق وكان ذاهبا لتفقد منشآته الصناعية الصغيرة، ولدى التعرف عليه قال له أحدهم أنت نفعتنا كثيرا. بحسب روايات شهود عيان أبلغوا ذويه بأمر اختطافه. إلا أنه لغاية الآن لم يعرف شيء عن الجهة الخاطفة، ولم يتصل أحد بذويه، بينما يتخوف سكان المنطقة من عملية انتقام وتجدد العنف الطائفي، في أجواء محتقنة بعد حوادث عنف طائفي شهدتها الشهر الماضي تلك المنطقة.
العصر
أحمد حمزة
الدرر الشامية
سارة إبراهيم
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة