عبد الله الحريري
تصدير المادة
المشاهدات : 3310
شـــــارك المادة
أية ثورة، وأية انتفاضة هذه التي تجتاح مدن سورية وريفها من أقصاها إلى أقصاها، ومن أدناها إلى أعلاها؟! وما هذا التنوع في الحراك الثوري، والشعبي، والعسكري، والنخبوي، والتي تختلف عن كل الثورات العربية كماً ونوعاً وكيفاً؟!.
إنها الشام، وأهل الشام، وما أدراك ما الشام وأهلها؟!.
فهي خاصة الله من أرضه، وأهلها المصطفين من خلقه.. عمود الإسلام فيها، وأرض النبوات، والبطولات، والملاحم من أول الزمان، وفي آخره.. فيها ولد عيسى - عليه السلام -، وفي غوطة دمشق يهبط، ومنها ينطلق في القضاء على حركة الدجال وزمرته من المارقين والمتواطئين معه.
ومن قبل كانت ممالك أنبياء الله فيها.. من داود، إلى سليمان، إلى عهد القضاة، وعلى أرضها غلب جيش طالوت جيش جالوت، (وقتل داود جالوت). ومن بعد كانت أرض الشام مركز الفتوحات، ونواة الحضارات، وإشعاع الفكر، ونور العلم. وكانت في الشام، قبلة الإسلام الأولى، ومجمع الأنبياء، ونقطة الانطلاق، وعروج المصطفى - صلى الله عليه وسلم - إلى السماوات العلا. ومن لحظة أن وطأت قدما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرض بصرى الشام (من حوران)، في رحلته الميمونة، مرة مع عمه (أبو طالب)، وأخرى مع (ميسرة) غلام خديجة، والخير في تتابع على أهل الشام عامة، وأهل حوران خاصة، فهدى الله الغساسنة (سكان حوران) إلى الإسلام، والذين مدحهم حسان بن ثابت يوم وفد عليهم في الجاهلية قبيل الإسلام بقوله:
لله دَرُّ عصابة نادمتهم *** يوماً بجلّق في الزمان الأول يُغشون حتى ما تَهرُّ كلابُهم *** لا يسألون عن السوادِ المُقبلِ بيضُ الوجوهِ كريمةٌ أنسابهم *** شُم الأنوفِ من الطراز الأول الملحقين فقيرهم بغنيهم *** المشفقين على اليتيم الأرمل أولادُ جِفنةَ حول قبر أبيهم *** قبر ابن مارية الكريم المفضل
وفتحت دمشق، وحمص وحلب بعد وقعة اليرموك الشهيرة. وكانت مملكة عبد الملك بن مروان فيها، وخلافة عمر بن عبد العزيز الراشدة كذلك، واستمرت الشام بأهلها من عزٍّ إلى عز، ومن فتح إلى فتح، كلما كبت، قيض الله لها من ينهض بها ويجدد أمر دينها، وكما قيض الله لها نور الدين زنكي، وعماد الدين زنكي، لينهضا بالشام نهضة علمية وعسكرية وإصلاحية، وليوطّئا الطريق أمام صلاح الدين الأيوبي ويكمل المشوار من بعدهما، فيقضي على الدولة الفاطمية (في مصر)، وليوحّد بذلك البلدين، ومن ثمَّ الانطلاق إلى حطين، وفتح بيت المقدس. وكذلك وقف ابن تيمية في وجه التتار مع أهل الشام عسكرياً، ووقف في وجه الظلم والفساد أمام حكامها آنذاك بالصدع بالحق، ووقف في وجه الخرافة والشعوذة علمياً، وجدد مع ابن القيم وابن كثير دين هذه الأمة. ولم يتوقف المدد الإلهي لأهل الشام، من تهيئة العلماء العاملين، إلى المجاهدين الصادقين -وأحياناً الحكام العادلين- إلى أن جاءت عصابة البعث والباطنيين من النصيريين، فانتهزوا فرصة من البلاد، واغتصبوا الحكم فيها على حين غفلة من أهلها.. فكان ما كان.. من عسفٍ وظلم وجور، وحرب لله ورسوله ودينه وأوليائه، مدة خمسين سنة، حتى إذا ظن النصيرييون ومعهم حزب الشيطان، ومجوس إيران ورافضة العراق، أنهم قادرون على أهل الشام، فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا.. من قبل أطفال حوران، فأشعلوها ثورة.. اقتبست من نورها حمص العدية، وغوطة دمشق والزبداني ومضايا، وحماة البطولة والفداء، وإدلب الشهامة، وجبل زاوية الإباء، وزأر بها ليوث الفرات، وأبطال ريف حلب وبعض أحيائها، ونمور الساحل. ثورة.. تصدعت لها قصور كسرى في إيران، واهتزت لها الضاحية الجنوبية لبيروت، وارتجفت بالمالكي الساحة الخضراء في بغداد، وحلت الكآبة على قرى جبال النصيرية في سوريا، وشرقت بها الدولة اليهودية في فلسطين!!.
موقع المسلم
مجاهد مأمون ديرانية
أسرة التحرير
محمد الزين الهاشمي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
محمد العبدة