..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مقالات منوعة

ما كان ليُسمع من صمتْ

أمين الكلح

١٦ ديسمبر ٢٠١١ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3018

ما كان ليُسمع من صمتْ
565665651.jpg

شـــــارك المادة

يسكن الصمت بنا ونحن نسكن به منذ عقود تحت وطئ الرعب، نمارس حياة أي حياة بل ربما أسخف وأحط من أي حياة. نحتسي قهوةً في كل الأوقات، وندمن مرارتها بل نستعذبه ونلوك حديث السياسة وكانّا حكماء كل الأزمنة، وحصراً في دوائرنا الضيقة رعباً من المخبرين، وإن حدث ولمحَ أحدنا مخبراً مُتطفلاً يعبر شارعنا وأخبرنا بقدومه سقطنا جميعاً أرضاً وكأننا نتعرض لغارة جوية كنا قد تدربنا عليها في زمن حروبنا تلكَ التي هُزمنا بها جميعها.
الصمت في مملكة الصمت له ألف لسان ولسان، ففي عيون المارةَ المتعبين وعلى قسمات وجوه من يعبرون الأسواق وليس في جيوبهم ما يكفي لشراء أقل ما يمكن شراؤه؛ يُقرأ بها حكاية الإفقار العمد مع سبق الإصرار والترصد. ويصبح الصمت صخباً عند استلام الراتب ودون تحريك الشفاه، وهناك يُنال مرتبة شحات بصورة رسمية، وأما من يدفع الرشوة أو الإتاوة فصمته يصبح غيظاً يُكظم خوفاً، فهذا الذي يسمى بالاستنزاف الوبائي في مُستنقع الفساد المدروس رئاسياً.
والمتجولون الشباب بحثاً عن عمل تنطق ملفات أوراقهم عبثية اللاتكافؤ في الفرص لتحيلها كأكوام قمامة في شارع متسخ ضيق لعشوائيات انتشرت على أطراف المدن العتيقة تشبه الجيوش التي تحاصر المدن اليوم، فليسَ صحيحاً أنها ظّلتْ طريقها أو حتى أهدافها المعلنة. يفتك الصمت بنا واحداً تلو الآخر يعرينا من ملابسنا بل حتى يفقدنا الرجولة وقد يجعلنا لا نتذكرها إلا في الفراش خجلاً، فهذه الأخيرة في مثل حالتنا تستفزنا للبكاء على المعنى الحقيقي للرجولة ولو بكسر الصمت وتصبح زفرات الشعور بالإثم كنهاية مسرحية صموئيل بيكت في انتظار العبثْ.
تُرعد السماء سنُسمع الأصوات مدويةً، ويُشق قلب الظلام والبرق يضيء الليل، تَهبطْ قلوبنا نتلمس أطرافنا، وينهمر المطر فثمة الطوفان قادم لا محالة، وندرك باليقين القاطع أن الطوفان ما هو ماء من السماء، بل شعب يثور يجوب الشوارع وأصوات الرعد ما هي إلا حناجر الشباب والشيب والأطفال... حقاً فقد رأينا القشة تقصم ظهر البعير، ونبصر في عيونهم وقبضات سواعدهم إصراراً فوق أي تحدي وإن كان للموت نفسه الذي لا يُشك بقدومه وكل شيء في أجسادهم يؤكد أنهم ما خرجوا إلا تحدياً ومواجهةً للموت نفسه. هتافاً تصدح حناجرهم للحرية، وتحدياً لسيوف النظام فما ارتجفت أصوات هتفت للحرية وإن نُحرت حناجر أصحابها من الوريد إلى الوريد لتغيب أجساد الشهداء في الثرى، وتبقى أصواتهم تتردد على شفاه كل من بفمه لسان أغنيات، ونهر عذب من الألحان، أصوات ستسكن أعماق أعماقنا لا أجيال وأجيال، سلاحنا الأبدي في وجه الصمت ومملكة الصمت، في وجه القاتل والسيف والسجان.
فلم يعدْ مرور المخبرين في الشارع أمراً يستدعي الانبطاح في جماعات على الأرض تفادياً لما كان قد اصطلحنا على تسميته بالغارة الجوية، نعم كُسر وهم الخوف وتصدعت مملكة الصمت وإنْ بُلغ بها حد المواجهة الدموية المرعبة تلك التي تجاوزت المذابح إلى الإبادة للمواطنين العزل ليصبح التراجع عن الثورة أمراً محال بينما بقاء الظَّلمة في السلطة يؤكد غباء ظالم ما كان ليتعلم من عناد وغباء ظالم آخر آلَّ به عناده إلى حبل واحد خصص له دون سواه، يتنافس الملايين لتقديمه مجاناً بل منهم من لديه الاستعداد لدفع المال ليُقبل منه علَ ذلكْ يشُفي غليلَ قومً يوقنونْ.

المصدر: موقع أرفلون نت 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع