عماد كركص
تصدير المادة
المشاهدات : 2130
شـــــارك المادة
حالة من الترقب والقلق يعيشها الشارع الإدلبي، بعد تزايد إرسال الحشود من قبل النظام والمليشيات الإيرانية نحو جنوب المحافظة شمال غربي سورية، بإشراف ودعم روسي، في حين تكررت الخروقات وزادت وتيرتها في الأيام الأخيرة، حتى شهدت الساعات الماضية استئناف الطيران الحربي الروسي طلعاته. ونفّذ الطيران الحربي الروسي، عدداً من الغارات على مواقع غربي إدلب وسهل الغاب غربي حماة، والواقعة ضمن "منطقة خفض التصعيد" التي تضم كامل إدلب وأجزاء من أرياف حماة الشمالي والغربي، وحلب الجنوبي والغربي، واللاذقية الشرقي. كما أجرى سلاح الجو التابع للنظام السوري طلعات تدريبية لطائرات "ميغ 29" تسلّمها من روسيا، نهاية الشهر الماضي، من خلال مناورات في سماء ريف حماة الغربي.
كل ذلك يجعل احتمالية شن عملية عسكرية أمراً وارداً بشدة، في الأيام القلية المقبلة ربما، في محاولة النظام استكمال قضمه للمناطق تدريجياً، وتلك سياسة اتبعها، منذ إبريل/نيسان من العام الماضي، إذ يبدو أن الهدف الحالي والاستراتيجي لقوات النظام وحلفائها في إدلب، يتمثل في السيطرة على جبل الزاوية وتسهيل الوصول إلى مدينة أريحا الهامة، ووضع قدم على الطريق الدولي حلب – اللاذقية "إم 4"، ومن ثم التوجه نحو جسر الشغور، وتلك أهداف لم يخف النظام نيته في الوصول إليها عبر منابر رسمية وغير رسمية. تعزيزات تركية
في مقابل ذلك، زادت التحركات العسكرية التركية في إدلب و"منطقة خفض التصعيد"، لجهة الاستعداد للمواجهة التي يراها الأتراك على ما يبدو أمراً حتمياً، أو للتقليل من احتمالية المواجهة بإبراز القدرات العسكرية الكبيرة لدى الجيش التركي، وذلك عبر نشر منظومات مضادة للطيران تركية الصنع من نوع "أتيلغان" قصيرة المدى في عدة مواقع، أهمها تلة النبي أيوب، التي تعد القمة الأعلى في جبل الزاوية جنوب غربي إدلب.
وكانت تركيا استبقت ذلك بنشر منظومة "حصار إيه" على حدودها الجنوبية مع إدلب، وسط معلومات بإدخال أجزاء من تلك المنظومة إلى داخل إدلب، في الأيام الأخيرة.
وتعد هذه المنظومة قصيرة ومتوسطة المدى مجهزة بصواريخ (أرض– جو) يصل مداها حتى 15 كيلومتراً، في حين شهدت الأشهر السابقة، نشر تركيا منظومة "إم آي إم-23 هوك" الأميركية للدفاع الجوي في أكثر من نقطة داخل "منطقة خفض التصعيد"، لا سيما في ريف حلب وعمق إدلب.
وكان النظام قد اختبر القدرات العسكرية التركية، خلال الأيام الأخيرة من المعارك والعملية العسكرية التركية "درع الربيع" التي توقفت بداية مارس/آذار الماضي، بعد ما تمكنت الطائرات المسيّرة التركية من ضرب خطوطه الخلفية وخطوط إمداده، في حين تمكن سلاح الجو التركي من خلال طيران "إف 16" من إسقاط عدد من الطائرات الحربية للنظام في عمق إدلب، حتى من دون تجاوز الطيران التركي للحدود السورية.
ويبدو أن تركيا باتت تدرك أهمية ضرب الخطوط المتقدمة والخلفية للنظام ضمن استراتيجية اختبرتها في المعارك السابقة، لذلك عززت قدراتها المدفعية من مدافع الميدان والراجمات، القادرة بالوصول من خلال صواريخها على تدمير تحصينات النظام وحلفائه على الخطوط الأمامية والخلفية.
وأنشأ الجيش التركي، اليوم الخميس، أربع نقاط في كل من قرى معراتة، وبسنقول، ومرعيان، ونقطة حاجز القياسات القريبة من الطريق الدولي "إم 4"، كما دعّم نقاطه في جبل الزاوية، ولا سيما في قرى إحسم وإبلين وشنان بالأسلحة الثقيلة من مدافع الميدان والراجمات، كما دعّم بهذه الأسلحة نقطة شلخ العسكرية التركية، القريبة من مطار تفتناز في عمق إدلب، والذي يعد من أكبر القواعد التركية في المحافظة.
وكشف السياسي التركي يوسف كاتب أوغلو، عضو حزب "العدالة والتنمية" الحاكم والمقرب من الحكومة، عن أن عدد الجنود الأتراك الذين باتوا في إدلب إلى الآن وصل إلى 25 ألف جندي، ومعهم 4560 عربة وآلية من بينها الدبابات والمدرعات، مشيراً إلى أن الجيش التركي لجأ في الآونة الأخيرة للدفع بمزيد من التعزيزات ونصب منظومات للدفاع الجوي على تلال استراتيجية مرتفعة، من بينها منظومات أميركية، ضمن إطار التحسب لعملية عسكرية من قبل قوات النظام، وأن بلاده مستعدة لكافة الاحتمالات.
وأوضح كاتب أوغلو، في حديث مع "العربي الجديد"، أن مسعى بلاده حالياً يتلخص في حل مسألة تطبيق اتفاق سوتشي وحدوده الجغرافية، ولا سيما بعد تقدم النظام جنوب "منطقة خفض التصعيد" خلال العمليات والهجمات السابقة، حيث تصر أنقرة على انسحاب النظام من على طريق حلب– دمشق "إم 5" الذي يقطع محافظة إدلب، وإلى ما وراء النقاط التركية المنتشرة حول "منطقة خفض التصعيد" شرقاً وغرباً وجنوباً، ولا سيما نقطة مورك بريف حماة الشمالي وجنوبي المنطقة.
وأشار إلى أن اتفاق موسكو الأخير، الموقّع في 5 مارس/آذار الماضي، بين تركيا وروسيا، وإن كان نص على وجود حرم على حافتي الطريق الدولي حلب – اللاذقية "إم 4" بـ 6 كيلومترات على كل من جهتي الجنوب والشمال، وخضوع القسم الشمالي من الحرم للإشراف التركي والجنوبي للإشراف الروسي، إلا أن المنطقة الممتدة من وراء الحرم الجنوبي، إلى حدود "منطقة خفض التصعيد" من جهة الجنوب، لا تزال محل مباحثات وتفاوض بين الروس والأتراك، ولا يمكن لتركيا التفريط فيها بسهولة، بهدف إعادة النازحين إليها ومنع عملية تغيير ديمغرافي، مؤكداً أن أنقرة متمسكة باتفاق سوتشي الذي وقّعت عليه موسكو كذلك عام 2018، وتفاهمات أستانة بين كل من إيران وروسيا وتركيا. رد روسي وتحسّب تركي
وأبرز كاتب أوغلو أن "تركيا تحاول تحقيق ذلك بالأساليب السياسية والدبلوماسية، وإن لم تنجح فإن الحل العسكري موجود"، مضيفاً أن "روسيا تلقت الكثير من الهزائم في ليبيا، ولا سيما خسائرها في نظم دفاعتها الجوية التي استهدفتها المسيّرات التركية، وتحاول الرد في سورية، وتحديداً في إدلب. وفي المقابل، تركيا مستعدة لكافة الاحتمالات".
وكان وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، قد أشار، يوم أمس الأربعاء، إلى وجود خلافات بين بلاده وروسيا حول سورية، خلال معرض تعليقه على خرق النظام وموسكو اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب.
وقال جاووش أوغلو: "لا نتفق مع روسيا حيال العديد من المسائل، مثل الأزمة السورية والأوضاع الراهنة في ليبيا ومسألة القرم والموقف حيال أوكرانيا، لكننا نواصل الحوار مع موسكو، من أجل حل المشاكل العالقة"، مضيفاً: "على الرغم من اختلاف وجهات النظر بين أنقرة وموسكو حيال العديد من القضايا الإقليمية والدولية، لكن تركيا ترغب في حل المشاكل العالقة عن طريق الحوار".
وحاول الوزير التركي الضغط على روسيا في إدلب، من خلال ورقة الأكراد في شرقها، بالإشارة إلى إمكانية تركيا استهداف الفصائل الكردية المتعاونة مع روسيا والولايات المتحدة، مشدداً على ضرورة انسحاب المليشيات الكردية حتى عمق 30 كيلومتراً، و"إلا فإن تركيا ستقوم باللازم"، بحسب قوله.
وأشار إلى أن اجتماعاً سيعقد في طهران خلال الأيام المقبلة حول سورية، بين كل من إيران وروسيا وتركيا، كاشفاً عن معلومات وصلته من المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية، غير بيدرسون، تشير إلى أن الجانبين (النظام والمعارضة) مستعدان لاجتماع اللجنة الدستورية. المعارضة السورية تتحضّر
وعلم "العربي الجديد" من مصادر عسكرية في الفصائل العسكرية المعارضة المقاتلة في إدلب، أنه في حال أقدم النظام على شن عمل عسكري على محور جبل الزاوية جنوبي إدلب، فإن قوات المعارضة وبدعم تركي كبير، ستشن هجومين واسعين على محوري كل من مدينتي معرة النعمان (كبرى مدن إدلب من جهة الجنوب) وسراقب في وسط المحافظة، بغية استرجاعهما من قبضة قوت النظام والمليشيات المحسوبة على إيران وروسيا المنتشرة بهما.
ولم يعلّق النقيب ناجي المصطفى، المتحدث باسم "الجبهة الوطنية للتحرير"، أحد أهم تشكيلات المعارضة المقاتلة في إدلب المدعومة من تركيا، على هذه المعلومات بشكل مباشر، إلا أنه أشار، في تصريح لـ "العربي الجديد"، إلى أن الخيارات لدى الفصائل كثيرة في سبيل التصدي للتحركات العسكرية للنظام والروس والإيرانيين، موضحاً أن من بينها "خيارات دفاعية وأخرى هجومية أعدها العسكريون في غرفة العمليات".
وأكد المصطفى أنّ المقاتلين في الفصائل لم يعطوا أهمية لمصداقية النظام والروس والإيرانيين بالحفاظ على الاتفاق الأخير الخاص بإدلب والالتزام به، مشيراً إلى أنه "منذ إبرام الاتفاق قمنا برفع الجاهزية وفتح معسكرات خاصة بمقاتلينا لإعدادهم إعداداً نوعياً، ورفع قدرتهم وسويتهم القتالية، بالإضافة إلى تحصين الخطوط الدفاعية وتزويدها بما يلزم من إمكانيات عسكرية متطورة لصد أي هجوم، كما أننا لدينا خياراتنا الهجومية كذلك".
ومنذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار حول إدلب في موسكو بين تركيا وروسيا، في 5 مارس/آذار الماضي، والذي أوقف العمليات العسكرية بعد التقدم الكبير لقوات النظام بإسناد روسي وإيراني، لا تزال التعزيزات متواصلة بالتوافد إلى مناطق التماس من كلا الطرفين؛ تركيا والمعارضة من جهة، والروس والإيرانيين والنظام من جهة أخرى، ما أشار منذ ذلك الحين إلى هشاشة الاتفاق وإمكانية انهياره في أي لحظة.
إبراهيم العلبي
عمر يوسف
الجزيرة نت
المرصد الاستراتيجي
المصادر: العربي الجديد
العربي الجديد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة