حسين عبد العزيز
تصدير المادة
المشاهدات : 2413
شـــــارك المادة
فيما كانت الدوريات العسكرية التركية ـ الأميركية تزاول عملها الأحد، 6 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، داخل الشريط الحدودي السوري شمالي الرقة، جرت محادثة هاتفية في اليوم نفسه بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ونظيره الأميركي، دونالد ترامب، ناقشا فيها، حسب مسؤول كبير في الخارجية الأميركية تحدث إلى قناة الحرة، المطلب التركي بإقامة منطقة آمنة داخل الحدود السورية، إلا أن الطرفين لم يتوصلا إلى صيغة نهائية. وبعد ساعات من المكالمة، كتب ترامب على "تويتر" إنه "يريد بقرار سحب الجنود الأميركيين ترك الأطراف الضالعة في النزاع حل الوضع، وأنه آن الأوان لكي نخرج من هذه الحروب السخيفة التي لا تنتهي". وبعد ساعات قليلة، أصدر قرار سحب الجنود الأمركيين من نقطتي تل أبيض في الرقة ورأس العين في الحسكة، الذي عُد بمثابة ضوء أخضر أميركي لتركيا بتنفيذ عمليتها العسكرية، من دون أن يعني ذلك تأييدا أميركيا رسميا لهذه العملية.
وبعد تنديداتٍ واسعة جدا وحادة لهذه الخطوة، كتب ترامب في اليوم التالي، على "تويتر"، بصيغة تهديدية: "إذا فعلت تركيا ما أعتبره، بحكمتي التي لا نظير لها، تجاوزا للحد، فسأقضي على الاقتصاد التركي وأدمره بشكل كامل". ثم استكمل تهديداته لتركيا يوم الخميس، "لدينا واحد من ثلاثة خيارات: إرسال الآلاف من القوات وتحقيق نصر عسكري، ضرب تركيا بشدة من الناحية المالية عبر فرض عقوبات، التوسط في اتفاق بين تركيا والأكراد". وفسر بعضهم هذه الخيارات بأنها نوع من الخطوة إلى الوراء، بعيد الضغوط الكبيرة جدا التي تعرّض لها الرئيس الأميركي. ولكن بالتدقيق بعناية في هذه الخيارات، يتبين أن الخيارين الأولين لا يمكن تحقيقهما: إرسال آلاف من القوات الأميركية لمحاربة تركيا يتعارض مع الاستراتيجية الأميركية المتبعة منذ سنوات، وهي ليس عدم الانخراط في ساحات الصراع الدولية فحسب، بل تخفيف الحضور العسكري الأميركي في بؤر النزاع. كما أن هذا الخيار يتعارض مع مبدأ ترامب نفسه الذي أعلنه في أثناء حملته الانتخابية، وعبر عنه صراحة في مارس/ آذار الماضي، حين قرّر سحب القوة الأميركية من سورية. أما تدمير الاقتصاد التركي فيعني أن العلاقات الأميركية ـ التركية وصلت إلى نقطة الصفر السياسي، مع ما يعنيه ذلك بالضرورة من ارتماء تركيا في الحضن الروسي بشكل كامل، وهذا أمرٌ لا تحبّذه واشنطن على الإطلاق. والانسحاب الأميركي من نقطتي تل أبيض ورأس العين ليس إلا تأكيدا أميركيا على إيجاد قاعدة مشتركة مع الأتراك لإبقاء خطوط التحالف قائمة. ولا يبقى سوى الخيار الثالث الأكثر موضوعية، وقد كلف ترامب فعلا وفدا من الخارجية الأميركية بالعمل على التوسط بين الفريقين. وفي ما يتعلق بتهديدات ترامب تركيا بعدم تجاوز الحد، أو الخط الأحمر، حسب قول مسؤول في الخارجية الأميركية، فإن المقصود عدم ارتكاب الجيش التركي عمليات تطهير عرقية، وعدم القيام بقصف عشوائي يستهدف المدنيين، وعدم التسبب بعمليات نزوح كبيرة، وعدم التسبب بفرار عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية. أمام هذه التطورات، لا بد من تثبيت بعض المعطيات الموضوعية: أولا، لم تتحدث تصريحات ترامب ومسؤولي إدارته إطلاقا عن رفض أميركي للعملية العسكرية التركية. وما كان مواربة أصبح حقيقة موضوعية، مع رفض الولايات المتحدة تمرير البيان الأممي في مجلس الأمن، علما أن مشروع البيان الذي تقدمت به دول أوروبية لا يدين العملية التركية، وإنما يكتفي بالتنديد بها. وكان يمكن لواشنطن الاكتفاء بعدم التصويت على البيان بدلا من رفضه، غير أن رفضها يحمل رسالة سياسية إلى تركيا، مفادها بأن واشنطن لا تعارض العملية العسكرية، طالما لن تؤدي إلى أزماتٍ إنسانيةٍ أو تهديدات إرهابية. ثم جاءت تصريحات وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، لتوضح موقف واشنطن تماما، حين قال "نُدرك أن لتركيا مصالح أمنية مشروعة ولها الحق في الدّفاع عن نفسها". ثانيا، لن تتوقف العملية العسكرية التركية، حتى تحقق أهدافها بالوصول إلى الطريق الدولي M4، أي بعمق يصل إلى نحو ثلاثين كيلومترا. وقد وسع الجيش التركي دائرة الاستهداف الجوي والمدفعي، على امتداد أكثر من 300 كيلومتر، من المالكية شرقا وحتى تل أبيض غربا، بعمق يصل إلى نحو أربعين كلم باتجاه اللواء 93 في ريف عين عيسى. الهدف الرئيسي للعملية العسكرية ليس القضاء على ممر الإرهاب، ووقف التهديد الكردي لتركيا، وفق ما يتداوله المسؤولون الأتراك في الظاهر، فعمليا، منذ نهاية عام 2016 لم يعد ثمة عمليات عسكرية كردية ضد تركيا، بعدما منعت واشنطن الأكراد من ذلك. الهدف التركي هو ضرب مشروع "الإدارة الذاتية" للأكراد في سورية، ولا يتحقق هذا الهدف إلا بتوغل تركي محدود، وإنما يتطلب عمقا يتجاوز الـ 30 كلم. والهدف التركي الثاني توطين مئات آلاف من السوريين في المنطقة الآمنة المقرّر إقامتها، ويتطلب هذا العدد الكبير السيطرة على مساحات جغرافيةٍ واسعةٍ وقرى وبلدات عديدة. ثالثا، على الوحدات الكردية تقبل الواقع الجديد، فالمصالح القومية العليا للدول تتجاوز الحلفاء المحليين، ولن يكون أمام الأكراد، بعدما أوصد النظام السوري باب الحوار معهم، سوى القبول بالوساطة الأميركية على ما فيها خذلان لهم. رابعا، يشكل الانسحاب الأميركي الجزئي فرصة مهمة لروسيا، إذ إن الانسحاب الأميركي هو بمثابة سابقة يمكن تكرارها في مناطق أخرى، وتعتقد موسكو أن ممارسة الضغط على الولايات المتحدة سيحقق لها ما تريده كما فعلت تركيا. وفعلا، بعد ساعات قليلة من سحب القوة الأميركية، طلبت القوات الروسية من القوة الأميركية الموجودة في مدينة منبج إخلاء مواقعها من المدينة، تمهيدا لدخول قوات النظام السوري. ولا يستبعد أن يُقدم الأخير، مدعوما من روسيا في لحظة اشتداد المعارك بين الأتراك والوحدات الكردية، على شن عملية عسكرية في المناطق الكردية الرخوة، مثل جنوبي محافظة الرّقة. خامسا، الانسحاب الأميركي الجزئي، أو إعادة التموضع، سيكون له تأثيرات استراتيجية مهمة في الشمال الشرقي من سورية، وسيعيد خلط الأوراق والتحالفات على المديين، المتوسط والبعيد.
ميشيل كيلو
عبد الوهاب بدرخان
حسين شبكشي
علي العبد الله
المصادر: العربي الجديد
العربي الجديد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة