محمود درمش
تصدير المادة
المشاهدات : 4522
شـــــارك المادة
يترقّب السوريون اليوم أخبار ووقائع حملات الترحيل العشوائية في إسطنبول، ويتبادل الجميع أخبار المرحّلين، وأسباب ترحيلهم، وقبل أن أكتب وجهة نظري، أود ذكر بعض المقدمات: - ابتداءً .. لا أحد يستطيع إنكار اليد الطولى للحكومة التركية في إيواء المهجَّرين السوريين، وفتح الحدود لهم، والإنفاق على كثير منهم، والتغاضي عن الكثير من القيود ليأخذوا مكانهم داخل المجتمع التركي جيراناً وطلاباً وعمالاً ومنتجين، وهنا لسنا بصدد تأكيد هذه الأمور. - ثانياً .. لا أحد ينكر وجود من أساء التصرف والخلق من السوريين، فنحن لم نرسل إلى تركيا نخبة الشعب السوري، بل وصل إليها كل من هرب من براميل الموت وسكاكين التشبيح والغازات الكيماوية، ولسنا ندافع مطلقاً عن المسيئين الذين شوهوا سمعتنا وأضروا بنا، وتعدوا على راحة الآخرين، وعلى أعراضهم في بعض الأحيان، بل ندعو إلى الأخذ على أيديهم، ولسنا معترضين على ترحيلهم على الإطلاق. - وزير الداخلية سليمان صويلو قال في لقائه مع الإعلاميين والجمعيات السوريين إنه لن يتم تسليم أحد إلى النظام، وإنه سيرحَّل من لا يحملون هويات الولايات التي يقطنون فيها إلى الولايات التي صدرت منها هوياتهم وبطريقة محترمة. - بدأت الحملة فعلاً .. واعتقلت الشرطة مئات السوريين، بعضهم لا يحمل هوية فعلاً، وبعضهم يحمل هوية صادرة من ولايات أخرى، والبعض الآخر لديه هوية صادرة من إسطنبول، لكنه لم يحملها معه نسياناً، ولو أعطي مهلة ساعة مثلاً لوصلته هويته إلى المكان الذي احتجز فيه، والمفاجئ أن الجميع رحِّل إلى إدلب!!! - عندما ظهرت بعض الحالات على خلاف ما وعد الوزير، وتواصل المعنيون مع الجهات المختصة، طلب منهم مدير هجرة إسطنبول السيد رجب باتو بيانات عن المرحلين إلى سوريا وهم يحملون هويات إسطنبول، وطلب التعاون في الملف قائلاً: قد يكون أحدهم يستغل الوضع هذا حتى يضر بالمجتمعَين!! - منذ يومين والأخبار تتضارب حول توقف الحملة، وتوقف الترحيل، وإعادة المرحلين ظلماً من ذوي الأوضاع النظامية، وبين هذا الموقف وذاك تطالعك عشرات المقالات والمنشورات والمواقف المتفاوتة في التعقل والتطرف، بين مادح للحكومة التركية وبين ذامٍّ لها، وبين من يحمل السوريين التبعة الأخلاقية للمسيئين منهم، وبين من يجعلهم سبب ازدهار الاقتصاد التركي، وهناك من دعا السوريين إلى الإضراب، وبالطبع فإن عدد من مكثوا في بيوتهم خوفاً من الحملات ومن أغقلوا محلاتهم تحسباً لأي حدث كبير جداً.
وبعد هذا السرد المختصر، أقول وبالله التوفيق: - الحكمة مطلوبة من الجميع في التعاطي مع أصل هذه القرارات التي لن نختلف كثيراً في مشروعيتها، لكن الحكومة أقدر على الحكمة من عامة الناس، وإذا لم تتحل الحكومة بها، فكيف نطالب الناس بها بمختلف مشاربهم، وفي التطبيق غير المتعقل تهديد للناس في أمنهم ومعايشهم، وهذا مما لا يمكن توقع عواقبه. - الحكمة تقتضي مثلاً أن يرحّل من صدرت هويته من ولايات أخرى إلى ولايته وليس إلى سوريا!! ومنها أيضاً أن يُعطى من يدّعون أن هوياتهم صادرة من إسطنبول فرصة لإثبات ذلك خلال 24 ساعة مثلاً، وألا يرحّلوا على الفور، ألا يُخشى أن يُرحّل في هذه الحملة المصريون والفلسطينيون والعراقيون والأفغان الذين نسوا حمل هوياتهم أيضاً إلى سوريا؟! ما ذنبهم لو حصل ذلك؟!
- ومن الحكمة أيضاً أن يُمنح من صدرت هويته من ولايات خارج إسطنبول مهلةً كافية - مدتها شهران مثلاً - ليُصفِّي كل منهم متجره، ويُسلِّم أعماله في المصنع أو المؤسسة التي يعمل بها، ويسلم بيته لمن استأجره منه، ويسحب أوراق أولاده من مدارسهم، لا أن يُنقل فجأة، وزوجته وأولاده حائرون فيما يفعلون، فلا هو قادر على الوصول لهم، ولا هم يملكون حيلة في فعل شيء. - كنا نتمنى أن تعطي الحكومة التركية مهلة لتصحيح الأوضاع، حتى لا يتضرر الناس بالتطبيق المفاجئ، بعد سنوات من السكوت الطويل، خصوصاً مع وجود حالات كثيرة جداً تحاول فعلاً تصحيح أوضاعها، ولديها الاستعداد لدفع المال في سبيل ذلك دون جدوى. - تركيا تشرف إدارياً على مناطق سورية هي أكثر أمناً من غيرها، فلماذا لم ترحّل من احتجزتهم إليها؟ إن ترحيلهم إلى إدلب في ظل القصف المميت الذي يمارسه العدوان الروسي هو تعريض لهم لنفس الخطر الذي جعل تركيا تستقبلهم من أجله!! فضلاً عن وجود حكومة قمعية في إدلب لديها سجون ومعتقلات، وكثير من المقيمين في تركيا مطلوبون لديها، وقد يتعرضون للتعذيب والإعدام. أليست أعزاز والباب وجرابلس وعفرين من سوريا أيضاً؟! - هناك مشكلة حقيقية في مسألة الحصول على أذون عمل، فتوظيف 5 أتراك حتى يحصل السوري أو الأجنبي الواحد على إذن عمل في مؤسسة صغيرة أمر شبه مستحيل، وهذا يعني أن الآلاف من السوريين سيطردون من أعمالهم ومعاملهم ومصانعهم التي أنشأها أقاربهم ومعارفهم وأصدقاؤهم، فضلاً عن التبعات المالية لأذون العمل التي لا تتحملها رواتب السوريين التي تصل إلى النصف تقريباً من رواتب الأتراك في معظم الأحيان إن لم تكن أقل من ذلك، وهناك حالات كثيرة حصل أصحابها على أذون عمل، ثم لم تجدّد لهم بعد انتهائها لأسباب غير مفهومة! - استراتيجية الحكومة في التعامل مع الملف السوري غير مفهومة، ووضوح هذه الاستراتيجية سيعطي للسوريين وللأتراك الإمكانية للبناء المستقبلي لأوضاعهم وأعمالهم، فدمج الطلاب السوريين في المدارس التركية وتعليمهم بالتركية يعطي شعوراً بنوع من الاستقرار، ومطالبة السوريين بأذون عمل صعبة للغاية تعطي شعوراً عكسياً، خصوصاً في ظل البطء الشديد للتجنيس. - هناك مقومات ليس صعبة ولا مستحيلة لو توفرت في المناطق السورية ذات الإشراف التركي فسيذهب إليها السوريون من تلقاء أنفسهم دون حملات ترحيل أو احتجاز، أهمها الأمن وإمكانية الاستيراد والتصدير للبضائع والمحاصيل والمنتجات، ويلي ذلك خدمات التعليم والصحة وغيرها، وبإمكان الحكومة التركية أن توجد حلولاً لهذه المسائل بعناء أقل من عناء التدخل العسكري الذي أنجزته بنجاح. - أخيراً .. من صالح الحكومة التركية أن تتطابق الخطابات الجميلة التي يقولها السياسيون، مع أفعال الأذرعة التنفيذية التي تعمل على الأرض، أما البون الذي نراه، فهو يعطي المراقب انطباعات غير جيدة، لا نريدها للحكومة التركية، ولا تريدها هي لنفسها، خصوصاً عند وجود من يتربص بها الدوائر ممن لم يقدم لحماية وخدمة الفارين من جحيم الحرب في سوريا عشر معشار ما قدمته تركيا.
وختاماً نتطلع إلى الحكمة في التعاطي مع هذا الملف الحساس، وإلى العدالة التي يبحث ويتحدث عنها الجميع سياسيين ومحكومين ومواطنين ومهاجرين، والله الموفق.
عدنان هاشم
علي حسين باكير
عمار الحلبي
شورش درويش
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة