عبد الله اسكندر
تصدير المادة
المشاهدات : 6142
شـــــارك المادة
ستحضر السلطات السورية "المؤامرة" الخارجية في حركة الاحتجاج الداخلية، كرفض للاعتراف بأن ثمة أزمة داخلية، وتالياً للبحث الداخلي في هذه الأزمة، وكتبرير للمضي في الحل الأمني لمواجهة موجة التظاهرات، وكرهان على أن الاحتجاجات ستنحسر وتضمحل تدريجياً مع زيادة القمع والبطش، فتنتصر السلطات في مواجهة هذه "المؤامرة"، وتعود الأوضاع الداخلية إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الاحتجاجات.
وتنعكس هذه الصورة الوردية في تقديرات السلطات السورية في الكلام عن أن الأزمة تشارف على نهايتها، لتنعقد صلة ما بين ازدياد عدد الضحايا وهذه النهاية ودحر "المؤامرة"، والامتناع عن النظر في الوضع الداخلي الذي كان الخلل الكبير فيه وراء الحركة الاحتجاجية والمَطالب الإصلاحية. والملفت في هذا الصدد تركيز الحملة السورية الرسمية -في إطار التنديد بـ "المؤامرة"- على الولايات المتحدة وفرنسا، والحملة شبه الرسمية على تركيا، فهذا التركيز يعود أساساً إلى أن الدول الثلاث حاول كل منها أن يقول -على طريقته-: إنه لا مفر من هذه الإصلاحات، وإن السلطة الحالية ينبغي أن تقوم بها قبل فوات الأوان. وهنا يأتي استحضار السيادة الوطنية ورفض الإملاء كوجه آخر من "المؤامرة"، ما يلغي كل ما قيل رسمياً عن رغبة في الإصلاح والإسراع من دون تسرّع... إلخ، علماً أن ما أعلن حتى الآن يتعلق بمظاهر الإصلاح وليس بجوهره؛ من إلغاء حال الطوارئ، ولجان التحقيق والحوار في المحافظات، وصولاً إلى مشروع القانون الانتخابي، بما يعني أن هذا الإصلاح الظاهري هو الوجه الآخر للحل الأمني. هكذا يبدو المأزق كاملاً، في ظل تفاوت كبير للقوى بين السلطة والمعارضة، وهو تفاوت يرتبط بالحقبة السابقة، التي لم يفوّت الحكمُ خلالها أيَّ مناسبة للقضاء على أي صوت مغاير لصوت الحزب الحاكم ومؤسسات الحكم، مستخدماً ترسانة من القوانين والممارسات القهرية، وهي الترسانة التي لا تزال حتى الآن مستخدَمةً، رغم بعض الإجراءات التجميلية. وما يعمق المأزق، أن المعارضة السورية -بأصواتها المختلفة- لم تطرح برنامج تغيير كامل، فهي لا تزال حتى هذه اللحظة، ورغم كل ما تشهده البلاد، وبصرف النظر عن قوتها وشعبيتها، تراهن على إمكان الإصلاح من داخل النظام وتحت قيادته، شرط أن تدرك هذه القيادة أن معوقات الإصلاح تكمن في منع التعددية والخيار الحر للمواطنين، واحترام حقوق الإنسان, وتكريس ذلك في الدستور والقوانين. وهذا ما يشكل خطورتها، لأنها تتلاقى على نحو ما -وفي الخطوط العريضة على الأقل- مع الدعوات الخارجية للحكم السوري بتولي عملية الإصلاح المطلوبة، وتصبح جزءاً من "المؤامرة" وليس الحل. هكذا يسد الحكم بنفسه منافذ المخارج السياسية من الأزمة، بنفيه أصل المشكلة، وبنفيه أن المحتجين والمعارضين أصحاب مصلحة مباشرة في التغيير. ولم يعد يخيفهم إشهار هذه المصلحة، مهما كانت حدة العقاب الذي يتلقونه جراء هذه المجاهرة. بكلام آخر، سقطت نظرية التحام الشعب بالقيادة، ومعها نظرية أن الشعب تكفيه شعارات الممانعة فحسب. والأخطر من ذلك، هو رفض الحكم السوري التقاط معنى المعارضة وغايتها، ورفض الاعتراف بأن المجتمع السوري يتطور مثل غيره من مجتمعات العالم ويتوق إلى الحرية والكرامة السياسية. لم يطرح المعارضون السوريون أنفسهم -وغالبيتهم قضوا فترات طويلة في السجون بتهم تطاول الرأي- بدائل عن النظام الحالي، أو برنامجاً انقلابياً، إنهم يطالبون بإصلاح ديمقراطي تدريجي تشارك فيه كل مكونات المجتمع السوري، بما فيه الحكم الحالي وما يمثله، أي بإصلاح على أساس مصالحة وطنية كبيرة... لكن كل مقدمات التعامل الرسمي مع الأزمة تشير إلى أن الطريق مازال طويلاً ومؤلماً أمام مثل هذا الاحتمال.
أحمد الجربا
صالح القلاب
بشير زين العابدين
عباس عواد موسى
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة