عمر كوش
تصدير المادة
المشاهدات : 2230
شـــــارك المادة
يبدو أن توتراً سياسياً بدأ يصيب العلاقات الروسية الإسرائيلية، في إثر إسقاط طائرة التشويش والاستطلاع الروسية "إيل 20"، من المضادات الأرضية السورية، في غارة للمقاتلات الإسرائيلية على مواقع للنظام السوري في محافظة اللاذقية، مساء 17 سبتمبر/أيلول الجاري.
وتتجسّد أسباب هذا التوتر في تبعات إسقاط الطائرة، من خلال تناقض روايات إسقاطها بين ساسة موسكو وتل أبيب وعسكرييهما، خصوصا في تحديد الجهة المسؤولة، وفيما تلاها من خطواتٍ وإجراءات، حيث أبلغ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أنه يحمّل إسرائيل المسؤولية، وتبع ذلك إعلان وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، أنه بناء على أوامر بوتين، قرّرت بلاده تسليم نظام الأسد منظومة صواريخ "أس 300" خلال أسبوعين، وتجهيز مراكز الدفاع الجوي للنظام السوري بنظام آلي للتحكم، لا يملكه إلا الجيش الروسي، وإطلاق تشويش كهرومغناطيسي في أثناء أي هجوم مستقبلي محتمل، قد يأتي من السواحل السورية، الأمر الذي أثار حفيظة المسؤولين الأميركيين، حيث اعتبره مستشار الأمن القومي، جون بولتون "تصعيداً خطيراً"، وربط بقاء القوات الأميركية في سورية ببقاء القوات الإيرانية فيها، فيما اعتبر نتنياهو أن تسليم "أس - 300" إلى "أيد غير مسؤولة يهدّد أمن المنطقة"، وأكد على مواصلة استهداف مواقع إيران وقواتها ومليشياتها في سورية.
ويحمل الإعلان الروسي عن تسليم منظومة الصواريخ "أس 300" رسائل سياسية أشد خطورة مما تحمله من الإجراءات والخطوات العسكرية، خصوصا أنه ترافق مع الإعلان عن نشر أجهزة ووسائل إلكترونية لتشويش نشاط "طائرات معادية" واعتراضه في المجال الجوي السوري من جهة البحر الأبيض المتوسط. لكن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين تظهر أن نصب منظومة الصواريخ "أس 300"، وتفعيلها من قبل جيش النظام السوري، لا يعطيها أهمية استراتيجية أو عسكرية، فضلاً عن أن خبراء عسكريين يرونها منظومة متقادمة، وأن مقاتلات إسرائيل، الأميركية الصنع، تملك سبلاً ووسائل لتجاوزها والتغلب عليها، لذلك لن يمنع نشرها في سورية المقاتلات الإسرائيلية من الاستمرار في استهداف المواقع الإيرانية وقوافل السلاح في سورية.
ولعل الأهم أن التردّي الذي بات يعتري العلاقات الإسرائيلية الروسية ليس من المرجح أن يتحوّل إلى أزمة سياسية حقيقية، قد تنعكس على مكانة إسرائيل وحظوتها لدى ساسة موسكو وفي المنطقة، لكن توتر هذه العلاقات قد يفضي إلى تشجيع نظام إيران على مزيد من التغلغل الاحتلالي في سورية.
وعلى الرغم من ذلك كله، يبدو أن مكانة إسرائيل لدى ساسة الكرملين لن تتأثر كثيراً، إذ خرج بوتين، بعد تلقيه خبر إسقاط الطائرة، بتصريح ناعم لم يتهم به إسرائيل، بل أسند الحادث إلى "ظروف عارضة ومأساوية"، فيما اتهمت وزارة الدفاع الروسية إسرائيل بالتسبب في إسقاط الطائرة، وبالتالي فإن قرار تسليم منظومة صواريخ "أس 300" جاء كي يحفظ ماء وجه العسكريين الروس الذين شعروا بالإهانة الإسرائيلية، على الرغم من الخدمات الجليلة التي قدمتها روسيا لدولة الاحتلال، والتي تمتد إلى جملة المواقف المؤيدة لكيانها، منذ نشأتها إبّان الاتحاد السوفييتي السابق، ولا تنحصر تلك الخدمات في مراعاة المصلحة الإسرائيلية، بل وتغليبها، من خلال التنسيق السياسي الكامل والتعاون العسكري، منذ قيام نظام بوتين بالتدخل العسكري المباشر، في سبتمبر/ أيلول 2015، في الحرب إلى جانب نظام الأسد الإجرامي وحليفه الإيراني ضد غالبية الشعب السوري، والذي نهض على التزام النظام البوتيني الحياد التام حيال الهجمات الإسرائيلية على مواقع وجود قوات إيران ومليشياتها المتعددة الجنسيات في سورية، وفق معادلة تقضي بإبلاغ القوات الروسية بتوقيت الهجمات الإسرائيلية، مقابل عدم تصدي المقاتلات والدفاعات الجوية الروسية لها. ولذلك أصابت ساسة الكرملين الدهشة، حين تلقيهم ضربة موجعة من الشريك الصهيوني، "ناكر الجميل"، خصوصا بعد أن أدركوا أن مقاتلات هذا الشريك المدلل لديهم تسببت في إسقاط الطائرة "إيل 20"، نتيجة تعمّد قيام الطيارين الإسرائيليين بتصرفات "غير مهنية"، أو "بإهمال إجرامي".
والملاحظ أن الساسة والعسكريين الروس لم يوفروا جهداً، كي يخفّفوا من وقع إجراءاتهم، بغية التقليل من تأثيرها على إسرائيل، إذ ركزوا على أن هدفهم توفير مزيد من الحماية لقواتهم في سورية، وأن روسيا لن تسمح باستخدام منظومة الصواريخ أس 300، إلا في حالة تجاوز المقاتلات الإسرائيلية الخط الأحمر، أي أمن القوات الروسية، ما يعني أنها لن تأذن باستخدامها في حال مهاجمة إسرائيل مواقع قوات إيران ومليشياتها، ولذلك على إسرائيل الالتزام بالاتفاق الروسي معها، وإعطاء الوقت الكافي لقواتها، كي تتفادى في المستقبل حوادث مماثلة لحادث إسقاط "إيل 20". وبالتالي، حتى لو سلمت روسيا منظومة الصواريخ لنظام الأسد، فإنها ستبقى تحت الأيدي والأوامر الروسية، ما يعني أن قواعد اللعبة، كما يقال، بين روسيا وإسرائيل ستبقى في الجوهر نفسه، مع توفير حماية أكبر للجنود والقوات الروسية في سورية. وعليه، تريد روسيا استغلال الإجراءات العسكرية التي اتخذتها على خلفية حادث إسقاط طائرتها، كي تظهر للغرب وللعالم كله أنها باتت تمسك بجميع الأوراق في سورية، ليس عسكرياً فقط، بل عليها استثمار ذلك سياسياً أيضاً.
العصر
حسان حيدر
عبد الرحمن الراشد
ليلى بيومي
المصادر: العربي الجديد
العربي الجديد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة