أنور البني
تصدير المادة
المشاهدات : 2190
شـــــارك المادة
ما الغرض من اللعبة الروسية بإثارة موضوع عودة اللاجئين السوريين الآن ووضعه أولوية في برنامجها؟ وهل حقا تقصد أن يعودوا إلى سورية؟ الهدف الأول، رسالة داخلية إلى الروس أن زمن الحرب والخسائر قد انتهى، ولا داعي للقلق من تزايد الخسائر البشرية والمادية الروسية بعد الآن، وأن زمن الحصاد قريب. الثاني، إعلان الانتصار والحسم، وأن الأمور بدأت بوضع الإطار السياسي لإعادة تأهيل النظام لإعادة إدارة سورية مجدّدا. الثالث، استثمار حالة القلق من دول اللجوء، وخصوصا دول الجوار من وضع اللاجئين، والضغط الكبير التي تشكله على مجتمعاتهم واقتصادهم، ودفعهم إلى التعامل بشكل مباشر مع النظام السوري. أي رسالة مباشرة لهم أن يعيدوا اللاجئين، وروسيا والنظام وإيران ستتكفل بقتلهم وإبادتهم في سورية، وإراحتكم منهم نهائيا. الرابع، استخدام موضوع عودة اللاجئين السوريين مدخلا مع أوروبا التي تؤرقها مسألة اللاجئين، ودفعها إلى استثمار أموالها في إعادة البناء، واستفادة الشركات الروسية التي سبق أن وقعت عقودا مع النظام، من أجل إعادة الإعمار، وبالتالي البدء باسترداد ما صرفته من أموال في سورية. وأخيرا صرف النظر نهائيا عن أي عملية مفاوضات أو تسوية أو أي تغيير ببنية النظام، أي عمليا تجاهل عملية جنيف، بل إسقاطها نهائيا، وإسقاط القرارات الدولية التي صدرت سابقا، باعتبار أن الوضع قد تم حله وانتهى. وطبعا لن يكون لمحادثات أستانة معنى، خصوصا وأنها صناعة روسية، والنتائج الهزيلة جدا التي صدرت عن آخر اجتماع فيها تبين أنها بلا معنى ولا قيمة. هل التلاعب الروسي قابل للتحقق؟ هو مستحيل ومجرّد وهم يجتاح عقل مريض مهووس. وقد تجاهلت اللعبة القوانين الدولية التي تمنع إعادة اللاجئين قسريا إلى بلدانهم. ومع أن منظومة القوانين الدولية انهارت نهائيا، وتم تجاهلها كليا في الوضع السوري، إلا أن إهمال هذا القانون سيجعل من البلدان التي تتخذ هذه الخطوة شريكة رسمية، بجريمة إبادة جماعية، سيحملون وزرها، ويمكن ملاحقتهم قضائيا، كما تجاهلت رغبة النظام الذي لن يسمح بعودة اللاجئين إلى المناطق الخاضعة لسيطرته، حتى لا يواجه مشكلات أمنية أو اقتصادية. كان موقف النظام واضحا من مسألة عودة اللاجئين من لبنان، رفض عودة كثيرين ممن أرادوا العودة، وفرض أن يوافق مسبقا على قوائم أسماء اللاجئين الراغبين بالعودة. تجاهل اللاعب الروسي إلى أين سيعود اللاجئون، إذ ما زالت مساحات واسعة من سورية خارج سيطرته، وهي المناطق التي شهدت موجات نزوح كبيرة، مثل ريف حلب والرقة ودير الزور والحسكة وغيرها، كما تجاهل أين سيعيش اللاجئون العائدون، إذا كانت بيوتهم مدمرة، ولا توجد خدمات أبدا، لا ماء ولا كهرباء ولا اقتصاد أساسا يستطيع استيعابهم، وخصوصا في المناطق المدمرة نهائيا، مثل ريف دمشق وحمص وحلب، حتى اللاجئون الموجودون في خيم في لبنان أو الأردن أعتقد أن معظمهم لن يفضل العودة ليعيش في خيمة مكان بيته المدمر وعرضة للاعتقال، ومن دون خدمات أو مساعدات، بينما في لبنان أو الأردن وتركيا على الأقل يتلقى مساعدات إنسانية سيحرم منها عند عودته، كما يتمتع بنوع من الحرية، على الأقل للتعبير عن رأيه، أو السفر إلى بلدان أخرى لطلب اللجوء، وتنتفي هذه الإمكانية في حال عودته. تتجاهل اللعبة الروسية المسألة الأساسية، وهي أمان اللاجئين، فكيف يقبل اللاجئون العودة والعيش بأمان، وما زالت المنظومة الأمنية هي التي تتحكّم بكل مفاصل الحياة في سورية. وما زالت قوانين حماية عناصر الأمن والجيش والشرطة من المحاكمة عن الجرائم التي يرتكبونها ساريةً، وتسمح لهم بارتكاب ما شاءوا من جرائم بحق السوريين من دون رادع، وما زال عشرات ألوف المعتقلين مجهولي المصير، بل تباهى النظام أخيرا بقتلهم في المعتقلات، بإصدار وثائق وفاة لهم، أو تبليغ أهلهم بذلك. ومن سيضمن أمان السوريين العائدين، وعدم التنكيل بهم، وهناك أمام الجميع نماذج واضحة بمصير من وقع المصالحات مع النظام في ريف دمشق ودرعا، وكيف تم التنكيل بهم واعتقالهم وقتلهم بعد ذلك، من دون رادع مع وجود الروسي "الضامن" على الأرض. اللعبة الروسية مكشوفة تماما. وللأسف هناك ممن يسمّون أنفسهم معارضة، وبعض الدول، ينجرّون إليها، على الرغم من أن روسيا نفسها، كما كل العالم، متأكّدة من أنه لا عودة للاجئين من دون عملية انتقال سياسي كاملة، يزال فيها النظام الاستبدادي المجرم، ويحاسب المسؤولون عن الجرائم التي ارتكبت، وتتغير الآلية القانونية التي تجعل الأمن المتحكّم الوحيد، وتعطي الحصانة للمجرمين. ولا عودة للاجئين من دون شعورهم بالأمان، فلن يعودوا ليعيشوا تحت أمرة من قتل أولادهم في السجون أو بالبراميل المتفجرة أو قصف الطيران أو بالسلاح الكيميائي، ولا ليتعايشوا معه. كما أنهم لن يعودوا بضمانة قاتل آخر، ومجرم ساهم بقتل أبنائهم، وبتدمير بيوتهم بقصف طائراته. ولن يعود اللاجئون تحت وطأة مليشيات طائفية، تفرض أيديولوجيتها، سنية أو شيعية. ولن يعودوا تحت سيطرة مشروع أيديولوجي شيعي، يحاول السيطرة على المنطقة، وربط إيران بالبحر المتوسط. بل لا يمكن للاجئين أن يعودوا إلا ليقاوموا هذه المشاريع وهذا الاحتلال، إذا كانت هناك المساحة والإمكانية لذلك. وهذا ما هو متأكد منه النظام المجرم، وشريكاه الأكثر إجراما، روسيا وإيران. لذلك هما الأكثر قدرة على معرفة أن لعبتهم لن تجدي، وأن عودة اللاجئين كما يروّجون ستكون لإشعال شرارة مقاومة جديدة ضدهم، ولطردهم ومحاسبتهم.
خالد مصطفى
غازي دحمان
عماد الدين أديب
ماجد محمد الأنصاري
المصادر: العربي الجديد
العربي الجديد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة