طريف يوسف آغا
تصدير المادة
المشاهدات : 3617
شـــــارك المادة
من الطبيعي أن نرى في الأنظمة الديمقراطية أن الحاكم المنتخب يأتي من الأغلبية السكانية، فالمواطن في تلك المجتمعات حين يذهب إلى صندوق الاقتراع لينتخب حاكمه، فهو لاشك سيكون متأثراً بعوامل شخصية مثل اللون والمذهب والقبيلة والمدينة وغير ذلك.
أما حين نرى أن الحاكم المنتخب في النظام الديمقراطي أتى من أقلية معينة، عرقية أو مذهبية أو سياسية، فهذا دليل على أن ذلك المجتمع قد وصل إلى درجة مثالية من الصحة والعافية، وأن الشعب له ثقة متناهية بأن القانون والدستور هما فوق الجميع بما في ذلك الحاكم والذي ليس إلا (خادماً) لهما و للشعب. وقد رأينا قبل سنوات كيف أن الأمريكيين ذوي الأغلبية المتحدرة من أصول أوربية بيضاء انتخبوا باراك أوباما المتحدر من الأقلية ذات الأصول الافريقية. وكيف أنهم في السيتينيات انتخبوا جون كينيدي من الأقلية الكاثوليكية المذهب في حين أن أغلبيتهم يتبعون المذهب البروتستانتي. فلا اللون في الحالة الأولى ولا المذهب في الحالة الثانية منعا الشعب من اتخاذ قراره. فهو اقتنع بالبرنامج الانتخابي الذي قدمه كل منهما،كما أنه (أي الشعب)كان يعرف أن الكلمة النهائية هي للقانون والدستور، والدليل على ذلك كان تنحيته للرئيس ريتشارد نيكسون في السبعينيات بسبب خرقه للقانون بتورطه حينها في فضيحة ووترغيت، ولم يشفع له كونه من الأغلبية السكانية لونا ومذهبا. وإذا انتقلنا إلى الأنظمة الديكتاتورية نرى في معظمها أن الحاكم الديكتاتور يكون أيضاً من الأغلبية السكانية، كما هي الحال في الأنظمة الديمقراطية. ولكن حين يأتي هذا الحاكم من أقلية معينة، فهذا لايعني أن المجتمع قد بلغ درجة المثالية في الصحة والعافية كما هي الحال في الأنظمة الديمقراطية، بل على العكس تماماً، يعني أنه بلغ أسوأ درجات الديكتاتورية. فالديكتاتور أصلاً يغتصب السلطة اغتصاباً عن طريق القوة، وهذا يعني بأن عليه الاستمرار باستعمال القوة واتباع سياسة الحديد والنار ليحافظ على الكرسي ويدافع عنه. وهو ينظر إلى هذا الكرسي كغنيمة حرب، ويوسع هذه النظرة لتشمل الوطن والشعب، فيتعامل مع أرض الأول كمزرعته الخاصة التي احتلها (بكد يمينه وعرق جبينه) ومع أفراد الثاني كعبيد أو سبايا حرب. وأول مايفعله هو إلغاء القانون والدستور (أو استعمالهما كديكور) كي لايحاسبه أحد بموجبهما. هذا وضع الديكتاتور بشكل عام حين يأتي من الأغلبية، أما حين يأتي من إحدى الأقليات، فهذا سيضيف إلى المساوئ السابقة الذكر أنه سيحكم البلد بنظرة (الخوف من الأكثرية) وهذا ماسيزيد من عزلته وسيضاعف من حدة التوتر وعدم الثقة الموجودة أصلاً بين كل ديكتاتور وبين شعبه. ولهذا نرى أنه في الأنظمة الديكتاتورية، وحين تنشب ثورة شعبية ضد حاكم من الأقلية، نجد الأخير يحارب شعبه وكأنه يحارب عدوه، والسبب ببساطة هو كما ذكرنا معرفته بعدم انتمائه لأغلبية الشعب وبالتالي لاتعنية آلام ومصائب هذه الأغلبية. بل على العكس نجده يحتفل حين يقتحم قرية ويرتكب فيها مجزرة بحق الأهالي، فيسميها انتصاراً. باختصار يكون هدف الديكتاتور الذي يأتي من أقلية هو تحقيق التوازن العددي والمادي بين أقليته وبين الأغلبية عن طريق إفناء أو إرهاب أو سجن أو تهجير أفراد تلك الأغلبية. ولكنه ولو عاد إلى التاريخ من جهة، وإلى علم الحساب من جهة ثانية، وإلى طبيعة التكاثر السكاني من جهة ثالثة، لعلم أن سياساته تلك قد تبدو أنها تعمل لبعض الوقت، ولكنها في النهاية ستنقلب كارثية عليه وعلى أقليته والتي ليس بالضرورة أنها توافقه على أفعاله ولكنها المستفيدة الأكبر منها. والأقلية ليس بالضرورة أن تكون فقط عرقية أو مذهبية كما أوردت في مثالي أوباما وكينيدي، ولكنها قد تكون عقائدية سياسية كما كانت الحال مع الديكتاتور السوفيتي جوزيف ستالين الذي قتل حوالي 50 مليون من أغلبية شعبه الأورثوذكسية المتدينة لأنهم عارضوا الأفكار الشيوعية الماركسية التي تبناها هو والأقلية التي استولت على الحكم في البلاد، علماً بأنه ينتمي عرقياً للأغلبية السكانية كما وأنه أتى من أسرة أورثوذكسية متدينة. ولكن الأغلبية، كونها أغلبية، لها دوماً الحق أن تسأل الحاكم:كيف وصلت إلى السلطة؟ في المجتمعات الديمقراطية سيجيب الحاكم: وصلت بواسطة أصواتكم عبر صناديق الاقتراع، وإذا كانت سياستي لاتعجبكم، فأمامكم القانون والدستور لتنحيتي إذا كانا ينصا على ذلك، وإلا فعليكم الانتظار للانتخابات القادمة لاقصائي. أما في المجتمعات الديكتاتورية، فالحاكم لن يتكلم معهم أصلاً، بل سيجيبهم باطلاق الرصاص عليهم واعتقالهم إن كان من الأغلبية، وباطلاق الرصاص عليهم واعتقالهم، وأيضاً بذبحهم بالسكاكين أو حرقهم أحياء أو قصفهم بالمدفعية والطائرات إن كان من الأقلية. ما لا أفهمه هنا، هو استغراب الديكتاتور في كلتي الحالتين لماذا ترد غالبية الشعب بالقيام بثورة ضده وتبدأ باطلاق النار عليه وعلى من يدعمه من أقليته وأيضاً من باقي الشرائح التي استفادت منه.
وائل نجم
حسان الحموي
رائد جبر
طارق الحميد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة