..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الثورات... و "الواقعية السياسية"

أسامة حوى

٢٣ ديسمبر ٢٠١٧ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2861

الثورات... و

شـــــارك المادة

 

نتيجةً للتراجع العسكري للثورة السورية، وتزايد الدعم الخارجي لأعدائها، أضحت نظرية الواقعية السياسية حديثاً مُتداوَلاً بين السياسيين والنشطاء، وانقسمت النُّخب إزاءها ما بين مؤمنٍ بها داعٍ إليها يرى فيها الحل الذي دونه خراب ما تبقّى، وبين رافضٍ لها لا يرى فيها سوى توطئةٍ لهزيمة نكراءَ للثورة، وضياعٍ لكل ما بذله الشعب السوري فيها من تضحيات..

وتتلخص نظرية "الواقعية السياسية" بأنها مفهوم معاكس للمثالية، التي تشكل ركناً أساسياً من أركان الثورات، فما ثارت الشعوب يوما إلا ولها سقف مرتفع من الأهداف، تطمح للوصول إليها بمستوىً مثالي من الممارسات، وغالباً ما تصطدم هذه النظرة بالواقع، فتحدث تلك الإشكالية ما بين المثالية والواقعية..



ودرءاً لهذا التعارض، ومنعاً للمضاعفات الناتجة عنه، والتي يمكن أن تُفضي إلى شرخ يصدِّع تلاحم النُّخب الثورية، لا بدّ من سبيل وسط يحفظ للثورة جوهرها، ولا يحلق -في الوقت ذاته- بعيداً في فضاء الأماني والمثاليّات.



ومن المعالم الواضحة لهذا السبيل هو أن ندرك أولاً أننا نعيش ثورة لو صُنِّفت لكانت من أعظم ثورات التاريخ الحديث، من حيث وضوحها وشرعيتها وتفوقها الأخلاقي الواضح، رغم كل الشوائب التي اعترت مسيرتها، وعلى هذا فالمُغرِقون في نظرية الواقعية السياسية نسوا أن الشعب قد ثار ضد أعتى نظام دموي مدعوم من جميع القوى العالمية، فهم بطرحهم للواقعية السياسية كمخرج وحيد للنجاة يناقضون أنفسهم، إذْ كانت ثورة الشعب الأعزل ضد هذا النظام المجرم بعيدةً كل البعد عن الواقعية، ولو أخذ الناس بهذه النظرية لما ثاروا بالأصل، إذْ لا تكافؤ بين الشعب وجلاده.. فإن توضح لديهم أصل هذه الفكرة استفاقوا من غفوتهم، واشتدت عزيمتهم، وتجردوا من الهزيمة النفسية التي ظنّوا بسببها أنهم وصلوا إلى نهاية الطريق، واستعادوا إيمانهم بعدالة قضيتهم وقدرات شعبهم.



وفي المقابل فعلى أصحاب المثالية حكماً أن يدركوا واقعهم بعد سنواتٍ عجافٍ، تبيّن فيها الصادق في دعمه للثورة من ثُلَّة الكاذبين، وكذلك عليهم أن يدركوا السُّنن الشرعية التي لا تتبدل ولا تتغير ولا تحابي أحدا ويُسقطونها على واقعهم، فإذا وصلوا إلى نقطة الحقيقة؛ تلاقوا مع الفريق الآخر الذي نشل نفسه من أوحال سلبية الواقعية السياسية، وبهذا تلتئم المثالية مع الواقعية فتُدار الدفة نحو الوجهة الصحيحة.

إن الباحث في تاريخ الثورات المنتصرة، يلمس فيها بوضوح تلك السياسة الناجحة التي كانت تحلّق بجناحي الواقعية والمثالية، فتخفّق بهذا إن هبّت رياحه، وتخفّق بالآخر إن انتقل التيار إليه، بديناميكية محترفة، دون إفراطٍ أو تفريط باستخدام أيٍّ منهما.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع