..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

مؤتمر "الشعوب السورية" والاحتيال الدولي على السوريين

أسامة أبو زيد

١٠ نوفمبر ٢٠١٧ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2416

مؤتمر

شـــــارك المادة

 

(1)
وسط الدمار والفوضى، وعلى أنقاض سورية المنهكة بفعل الآلة الحربية الروسية وجيوش المرتزقة الذين صدّرتهم إيران من دول الولي الفقيه، والقنابل الموقوتة والأوبئة المتمثلة بالمقاتلين الأجانب الذين دفعت بهم أجهزة مخابرات عديدة للتخلص من عبء وجودهم في ضواحي أوروبا لتصدّرهم إلى سورية، حيث انتهاك حقوق الإنسان وارتكاب الجرائم يمكن تبريره وتجاهله، طالما كان تحت عنوان محاربة "الإرهاب"، وعلى وقع النقض (الفيتو) الروسي التاسع في مجلس الأمن الدولي، هذه المرة ضد استمرار آلية التحقيق في جرائم استعمال النظام السلاح الكيميائي ضد أبناء الشعب السوري، ما يمثل أقذر أشكال الاصطفاف إلى جانب منظومة الإجرام في دمشق، وفي اغتصاب فاضح لكل قيم حقوق الإنسان...، على وقع ذلك كله، دعت الحكومة الروسية إلى مؤتمر "الشعوب السورية"، بعد أن تمكّنت من لي ذراع الثورة العسكري ومحاصرته، عبر اتفاق تخفيض التصعيد، مستفيدة من الوضع الدولي، وتراجع دولٍ كثيرة عن موقفها الداعم للثورة السورية، وتحولات في سياسة دول كانت تتبنّى، بشكل مطلق، دعم التغيير الديمقراطي في سورية، إضافة إلى الأزمة الخليجية التي بات الشعب السوري من أكثر الشعوب العربية تضرّراً من الاستقطاب الناجم عنها.

(2)
استفادت روسيا من التراجع الأميركي في المنطقة منذ عام 2013، والذي ساهم بدفع دول داعمة الثورة السورية إلى السعي إلى التفاهم مع روسيا، باعتبارها المؤثر الأكبر (والوحيد في نظر بعضهم) في حل المعضلة السورية، بعد أن كانت هذه الدول أعلنت استعدادها للاستمرار في دعم الثوار في مواجهتهم المفتوحة مع الاحتلالين، الإيراني والروسي، وهو ما يشكل، في نظر الروس، انتصاراً استراتيجياً مقابل النفوذ الأميركي المتراجع في المنطقة. 
على الرغم من أن الروس يعلمون تماماً أنه لم تكن أي دولة قد حسمت موقفها جدياً بإيقاف التغوّل والإجرام الروسي في سورية، لكنها شكلت فرصة للتظاهر، كما لو أنهم ينتصرون على العالم كله في سورية، وهو ما يتماهى، بشكل مطلق، مع كاريزما الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وخطابه، الأمر الذي أسس للاعتقاد الروسي بالنجاح في ترسيخ تقسيم سورية لمناطق نفوذ، الجزء الأكبر منها خاضع للإرادة الروسية بشكل مطلق، أو أنها دخلت في تفاهماتٍ مع روسيا "تحت طائلة الحرق و التدمير" بعد محادثات أستانة، كما هو حال المناطق المحرّرة الخاضعة لسيطرة الثوار، أو كما هو حال الرقة ودير الزور، بعد التفاهم الأميركي الروسي، والذي تمثل في إبعاد الجيش السوري الحر من البادية، وسيطرة النظام على أجزاء واسعة من دير الزور، والتصريح الإيراني باقتراب عملية مشتركة لجيش النظام وحلفائه على الرقة.


ويبدو جلياً أن روسيا ليست مستعدةً، أو جاهزة للتخلي عن بشار الأسد، على الأقل في المرحلة الراهنة، باعتباره أبرز مظاهر نفوذها وانتصارها. كيف لا وهي تستطيع الإتيان به إلى موسكو بأحد طائرات الشحن الروسية التي تنقل بواسطتها الطعام والفودكا إلى مقاتليها في حميميم، وهو ضمانة لتعزيز نفوذها، وتثبيت موقعها مقرّراً لشكل الحل في سورية. ومن أجل شرعنة النفوذ والوصاية الروسية، تسعى موسكو إلى الانقلاب على مسار جنيف، وصياغة الإطار الملزم للحل الذي ربما ينجم عن مسار جنيف، بعد أن باتت دول كثيرة مؤثرة تسلّم للرؤية الروسية للحل في سورية. 

(3)
مؤتمر "الشعوب السورية" الذي كان مقرّراً في قاعدة الاحتلال الروسي العسكرية حميميم، تم تقرّر عقده في سوتشي الروسية، منعاً لإحراج الراغبين بالمشاركة، مثل معارضة المصادفة، أو من تم احتواء إرادتهم من قادة الفصائل، وأصبحوا بشكل مطلق مقيدين برغبات الجهات الداعمة. وقد صرح مسؤول روسي في الجلسة الأولى من المفاوضات بين وفد الفصائل العسكرية الأول مع وفد الكرملين الروسي، عن رؤية بلاده لهذا المؤتمر، وهي تتمحور حول دعوة وجهاء المجتمع السوري من مختلف الطوائف وأبناء العائلات السورية العريقة وممثلي الطوائف والأعراق والقوميات المختلفة التي يتكون منها الشعب السوري، وأيضاً ممثلين عن النظام والمعارضة. ويكون الهدف الرئيس للمؤتمر هو النظر في شكل النظام السياسي لسورية، وانتخاب لجنة تأسيسية تصوغ دستوراً انتقالياً تتم بالاستناد إليه عملية انتخاب تحت إشراف دولي، حيث تتعهد روسيا والدول المشرفة على هذه الانتخابات بتطبيق نتائج الانتخابات، والتزام الجميع بها، ولن تمانع حينها روسيا، بحسب المسؤول الروسي، في رحيل الأسد بهذه الطريقة. وتحقق هذه الرؤية لروسيا مزيداً من تفتيت المعارضة السورية، كما أن بحث المؤتمر شكل النظام السياسي في سورية سيشكل الضربة القاضية للهيئة العليا للمفاوضات، لما يؤسس له بحث هذا المحور من استقطاب حاد، مستفيدة موسكو من تربص بعض الدول، وحتى تيارات منسوبة للمعارضة، بالهيئة العليا، كما سيحقق لموسكو ما سعت إليه في جنيف وأستانة، والذي يتمثل في تقديم بحث مسألة الدستور على الانتقال السياسي.


كما أن تقديم مسألة الدستور على الانتقال السياسي، والانخراط في بحث الدستور، سيحقق تجاوزاً كلياً لفكرة الانتقال السياسي باعتباره أهم خطوات الحل في سورية، لما سينتج عن بحث مسألة الدستور قبل تحقيق العدالة من صراعاتٍ قومية وطائفية وبدعم روسي إيراني، ليظهر الأسد في موقع الحل الأمثل لتجاوز صراع الطوائف والقوميات وحله.
يعد المؤتمر، وفق رؤية موسكو، الجزء الأهم من الاستراتيجية الروسية لتفتيت القرارات الدولية الناظمة للحل السياسي للقضية السورية، وفي مقدمتها بيان جنيف وقرار مجلس الأمن 2245، والتأسيس لعقبات إضافية أمام تحقيق مسار جنيف أي تقدّم، وحصر تحقيقه نتائج ملموسة بالرغبة الروسية.
تمرّ عملية التفتيت الروسية للقرارات الدولية عبر انفراد روسيا بتحديد زمان (ومكان) بحث أكثر البنود التي تهدد بقاء الأسد في السلطة، والواردة في تلك القرارات، بشكلٍ يمهد لتجاوز إنفاذ تلك البنود، وفق السياق القانوني والتراتبية المنصوص عليها، وهذا يتجلى في الفقرة 9 البند أ من بيان جنيف، وهو ينص على تشكيل هيئة حكم انتقالي، وينص في الفقرة ب على عقد مؤتمر الحوار الوطني الذي ستكون نتائجه ملزمةً، لإعادة النظر بشكل النظام الدستوري في سورية، حسب الفقرة ج من المادة نفسها.
اختارت روسيا التي تستبق بحث الجولة المقبلة من مفاوضات جنيف الدستور والانتخابات، وطرح مبعوث الأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، رؤيته عن الحوار الوطني، توقيت المؤتمر بعناية، بحيث تنسجم الرؤية الروسية لمؤتمرها "للشعوب السورية" مع المناخ الذي يحيط بالجولة القادمة من مفاوضات جنيف، بحسب حديث دي ميستورا أن الجولة الثامنة من جنيف ستكون لبحث الدستور والانتخابات. وتنسجم هذه الرؤية مع مناخ التحولات في سياسة عدد من الدول المتراجعة عن دعم كفاح السوريين لإسقاط نظام الاستبداد في دمشق، ولم يعد يشكل فرقاً كبيراً لدى هذه الدول أن يبحث الدستور والانتخابات في سوتشي أم في جنيف أو حتى في موسكو نفسها.


الأهم بالنسبة لموسكو في قضية توقيت مؤتمر "الشعوب السورية"، هو مؤتمر الرياض 2، ومحاولة التأثير على مجرياته من خلال محاصرة من سيجتمع في الرياض بين ضرورة التسليم بالمظلة الروسية للحل في سورية أو محاربة مخرجات المؤتمر، إذا لم يكن يلبي التطلعات الروسية، وذلك من خلال مشروع روسي في توحيد حجاج موسكو من معارضي المصادفة الذين وافقوا على المشاركة في مؤتمر سوتشي، مع المنصات والشخصيات التي شاركت في "الرياض 2"، وفشلت في تمرير الإرادة والرغبات الروسية، ثم إبراز الجسم الجديد على أنه المنصة الأكثر تمثيلاً للمعارضة، وهو ما سيساهم في تعزيز فكرة المنصات، والإبقاء عليها مكسباً إضافياً، يبقي للروس إحدى أهم أوراقهم التي تعزز بروباغندا تشتت المعارضة وتعدد منصاتها.

(4)
بعد بيانات رفض المشاركة في المؤتمر، والتي أصدرتها هيئات ثورية وتيارات معارضة، والاعتراضات التركية على دعوة حزب الاتحاد الديمقراطي، والموقف الغربي المشكك بالمؤتمر، تم تأجيل انعقاد المؤتمر إلى أجل غير مسمى. لكن هل يعني هذا تخلي روسيا عن الفكرة؟ لم يسبق لروسيا أن تراجعت في سورية، إلا حين تصدّى الجيش السوري الحر للهجوم البري المشترك بين المليشيات الإيرانية وقوات النظام تحت غطاء جوي روسي.
عدم استعداد موسكو للتراجع مرتبط بعدم رغبة أي من أفراد المجتمع الدولي ومؤسساته الوقوف جدياً، وبشكل حاسم، في وجه روسيا، أو دعم السوريين في وقوفهم في وجهها. لذلك فإن تأجيل انعقاد المؤتمر تكتيكي، لجأت إليه موسكو إلى حين توفيرها مناخاً أكثر ملاءمة لانعقاده، وهو ما يرجّح عودة التصعيد العسكري للنظام بتغطية ودعم روسيين، في عدد من مناطق تخفيض التصعيد، في مقدمتها الغوطة الشرقية. ومن جهة ثانية، ستزيد موسكو من ضغوطها على الجانب التركي، وستفتح الباب أمام النظام والإيرانيين لعرقلة الوجود العسكري التركي في إدلب.
ليست روسيا متمسكة بعقد المؤتمر في سوتشي أو حميميم، بقدر تمسكها بتمرير أجندة مؤتمر الشعوب السورية وأغراضه وفق رؤية موسكو. وبالتالي، فإن ما تقوله موسكو: في جنيف أو أستانة أو سوتشي أو حميميم المهم، أن تفعلوا ما أريده وخططت له أنا، وهو ما يستلزم أن يكون رفض المعارضة المؤتمر هو رفض مضمونه وأهدافه، بغض النظر تحت أي عنوان، وأين سيعقد، ومن هي الدولة التي ستوجه الدعوات للمشاركة في المؤتمر.

(5)
قبل أيام فقط، وفي مهد الثورة السورية العظيمة في درعا، تداعت فعاليات حوران، وبتمويل ذاتي، ‏إلى لقاء حوران الثوري، لتأسيس هيئة سياسية ممثلة لحوران، وقبلها اجتمعت القيادات العسكرية ‏في  بصرى الشام في حوران، لتأسيس قيادة عسكرية مشتركة. وتؤكد هذه اللقاءات السورية الثورية ‏قدرتنا، نحن السوريين، على الانطلاق بمشروع وطني سوري مستقل، يحافظ على مبادئ الثورة، ويستمر ‏في سعيه إلى تحقيقها على كل الصعد.‏
لا يمكن مواجهة التغول الروسي الماضي في محاولة تفتيت الموقف الثوري وقرارات الشرعية الدولية الناظمة للحل السياسي في سورية، عبر الاكتفاء بمواقف فردانية، وتنديدات على وسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى مقالات الرأي في الصحف المنتشرة، مع ضرورة هذه الحملات. ولكن إلى جانب مبادراتنا الثورية والوطنية. لذلك، لا بد من موقف جماعي حاسم وواضح، يتداعى له حملة الهم الوطني الثوري من السوريين الذين لا يجاملون في بلدهم وثورة شعبهم صديقاً ولا عدواً، ولا حتى أعظم قوة عسكرية في هذا العالم القزم أمام تضحيات الشعب السوري العظيم.
عانت الثورة السورية، عبر سنواتها المريرة، من غياب قوة سياسية سورية ثورية، لها هدف وطني واضح. وعانت من اتساع هامش الاجتهاد السياسي، حتى باتت الخيانة وجهة نظر، كما عانت من تحول مفهوم المعارضة أحياناً إلى آراء شخصية لأفرادٍ حريصين فقط على مصالحهم المتقاطعة مع بعض الجهات الدولية.


هذه الثورة المنهكة من حربٍ تجرّد فيها أعداء الحرية وأنصار الاستبداد من الحد الأدنى من أخلاق الإنسان. ومارسوا أبشع صور التنكيل ضد شعبٍ لم يسبق لأحد في عصرنا الحديث أن قدّم مثله تضحياتٍ على مذبح الحرية والكرامة، لم يبق لها من خياراتٍ سوى أن تخوض من جديد معركة استقلال سورية، وتحريرها من الاحتلال الداخلي والاحتلالات الأجنبية. وهو ما يستدعي موجة جديدة من الكفاح والمقاومة الوطنية التي مهما بلغت تكاليفها لن تكون أكثر إيلاماً من خسارة سورية وشعبها ومستقبلها، وتفتيتها تبعاً لرغبات الاستبداد والاحتلال وقادة مذبحة العصر.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع