سلوى الوفائي
تصدير المادة
المشاهدات : 11165
شـــــارك المادة
حورية فاتنة تغسل قدميها بمياه البحر الأبيض المتوسط، و تغفو على ضفاف بردى و العاصي و الفرات، أبيقورية، وجودية، تعشق الحياة و تقطف ثمار السعادة في مواسم الحبق، عشقها كلّ السوريين و ازدادوا عشقاً حين سجدت تصلي في محراب الحرية. غنوا لها، هتفوا معها، ساروا خلفها كسنابل تركت بغير حصاد، وحلّقوا بها في فضاءات الشموخ، يحاولون صيد الشمس، وحولهم تتساقط النجوم كسفاً.
هي سورية الأبية العصية على الدمع، على الألم، على الجراح النازفة، التي ضحّت وما تزال بالغالي والنفيس لتحقق أملها المنشود، و وسيلتها إلى ذلك شعب عظيم سطّر بدمائه الزكية ملحمة الفداء وصاغ عقد النصر قلادة يزيّن بها جيد الغالية. وها قد بدأت بشريات النصر تلتمع في الأفق تؤذن بانبلاج فجر الحرية. أولى علامات اقتراب النصر تتجلّى في صمود الشعب الثائر الصابر و أبطاله أحرار الجيش الحرّ، أولئك الذين يرون الجنة في فوهة البندقية، أولئك المحاصرون في المدن و الأحياء و قد قطعت عنهم كلّ أسباب الحياة من ماء و كهرباء و اتصالات و غذاء ودواء، تعجب حين تراهم يقتاتون الخبز الجاف الذي يجمعونه من تحت الأنقاض و لا يستسلمون، يجمعون الماء من غيث السماء ليشربوا و لا يولّون الأدبار، خبزهم الصبر و ماؤهم الثبات واتصالهم بربّ العرش في سجدة و دعاء، منعوا عنهم السلاح والذخيرة فوجدوا ألف طريقة لصنع أسلحتهم. معركتهم معركة وجود، معركة حياة، معركة كرامة، و ما الصبر إلا بشرى من بشريات النصر المؤزر، "ولا تهنوا و لا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين" في الطرف الآخر، ثمة جيشٌ متهالك، مترنّح، مذبذب لا يدرك لماذا يقاتل وفيما يقتل، كالآلة يتحرك بخيوط يمسك أطرافها قادته المتسلقون الذين جعلوا منه مطية لتحقيق مآربهم الوضيعة في استمرار السيطرة على سورية الحبيبة و مقدراتها و ثرواتها و استمرار التحكم بمفاصل الحياة فيها ونهب خيراتها، أولئك الذين باعوا سورية في المزاد العلني في صفقات الساعات الأخيرة، و هدموا بيوتها، و مؤسساتها وأحرقوا مزارعها و حقولها، و دمّروا كلّ ما طالته قذائف حقدهم وعنجهيتهم وغطرستهم السياسية المقيتة تحقيقاً لشعار "الأسد أو نحرق البلد"، لكن سنة و نصف من القتل و الدمار أيقظت الوعي النائم لدى شبيحة الأسد و ذويهم و قد بدأوا ينسحبون من جيش الأسد ويرفضون الانضمام له و خدمة العلم في صفوفه، و ينأون بأنفسهم عن موت محتّم تفوح رائحته من جثث أصدقائهم و أقربائهم، بدأت المشاعر تتداخل و تتساءل "لماذا يموت ولدي؟" سؤال وجهته أحد أمهات الشبيحة في صرخة ألم حين استلمت جثة ابنها المقتول، نعم؟ لماذا يموت شباب سورية أيّا تكن طائفتهم؟ أ لأجل البلد أم لأجل شخص أعلن العالم أنه ساقط لا محالة و أنّه أصبح من ذكريات الماضي الأليم، و أنّه أصبح عبئاً على البشرية؟ لقد بدأ انسحاب المواليين للأسد من جيشه، بل وصل الأمر إلى حدّ الانتحار، في رواية عن شهود عيان، فقد قام أحد عناصر الأمن الأسدي أمس بالانتحار في أول شارع الحضارة، في مدنية حمص حيث أطلق الرصاص على رأسه و تمّ نقل جثمانه من قبل عناصر الأمن الأسدي في جوّ من الهلع والاكتئاب المطبق. و كثر الحديث عن خلافات حادة و مشاحنات بين عناصر الأمن الأسدي وصلت إلى حدّ القتل فيما بينهم، والروح المعنوية لديهم أصبحت بالحضيض لأنهم أدركوا أخيراً أنّهم يخوضون معركة خاسرة وأنّ هدفهم يخلو من النبل والإنسانية. وجاءت عملية تفجير هيئة الأركان لتقدم دليلاً آخر على قرب انهيار النظام الأسدي، فقد استهدفت ثاني أهم رمز للنظام وهي تأتي بأهميتها بعد القصر الجمهوري مباشرة، وأدى الانفجار إلى تدمير أجزاء من المبنى وحرق أحد المباني بالكامل وقد استمرت لساعات طوال، وتسببت في قطع أواصر مدينة دمشق ليوم كامل بالحواجز الأمنية وأدت إلى إيقاع ضحايا بأعداد هائلة بدليل أن صفارات سيارات الإسعاف استمرت لساعات وهي تجوب ساحة الأمويين تنقل الجرحى والقتلى. ولا شكّ أنّ العملية تمت بالتعاون مع جهة مخابراتية دولية، فقد أعدت بطريقة مدروسة وبناء على معطيات دقيقة غير متوفرة إلا من قبل الجسد العسكري للنظام ذاته، وشكّلت العملية ضربة قاسية للنظام تظهر مدى الاختراق الذي تعاني منه كتائب الأسد و من وصل إلى مبنى هيئة الأركان العامة لن يعجزه الوصول إلى القصر الرئاسي ذاته. و قد استهدفت العملية قيادات للحرس الثوري الإيراني، فلم يكن مقتل أحد الصحفيين الإيرانيين وإصابة الآخر مجرد صدفة، وهذا يعني إيصال رسالة للإيرانيين في أنّهم تحت المراقبة و السيطرة و لا يملكون يداً مطلقة في سورية. و قد برهنت ردة فعل النظام سواء في تسفيهه للعملية وتأخيره في بث أحداثها، على عكس عادته، رغم أن جميع كاميرات التلفزة السورية الرسمية متمركزة في الجانب الآخر من ساحة الأمويين في مبنى الإذاعة والتلفزيون وعلى بعد أمتار من مكان وقوع الهجوم، أنّه في حالة ارتباك و دهشة و خوف. فكان ردّه بافتعال المجازر الانتقامية المروعة و إعادة انتشار للشبيحة وإعادة تمركزهم في مفاصل المدينة، الأمر الذي لم يعهده سكان دمشق من قبل وهذا استعداداً للدفاع عن آخر حصونهم التي تدك الواحدة تلو الأخرى. وما الإعدامات الميدانية والقتل العشوائي والدمار الذي يرتكبه أذناب النظام سوى دليل إفلاس استراتيجي عسكري سياسي وأخلاقي، و دليل آخر أنّ النظام تهالك وأصبح قاب قوسين أو أدنى من السقوط. سورية، التي لا مثيل لها بين الجميلات، تودّع زهرات شبابها بالرياحين والزهور، وتستقبل ربيع الحرية بدمعة ألم ممزوج بالفرح، وتخطّ قصائد النصر بجدائل حرائرها، سورية الصابرة المجاهدة ترعاها عين الله، عوقبت عقاباً غير عادي لأنّها طلبت هدفاً غير عادي، و غير موجود في قاموس الدكتاتوريات العالمية، و لأنّها شربت من الحرية أكثر مما ينبغي، فقد كان لابدّ أن تغصّ وتشرق، و لأنها ضحكت للحرية، كان لابدّ أن تبكي، و قد استعذبت البكاء على ضوء قمر الحرية و شمس النصر القادم.
أيمن بريك
ياسر صابر
غازي دحمان
سوريون نت
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة