مجاهد مأمون ديرانية
تصدير المادة
المشاهدات : 3245
شـــــارك المادة
الظهور الأول لأبي البراء كان موفَّقاً مَظهراً ومَخبراً، وقدّم -بلغة قوية واثقة- رسائل صريحة انتظرها محبّو الأحرار من الأحرار لوقت طويل، وعلى رأسها الاعتذار العلني من الشعب السوري بسبب "انشغال الحركة عن همومه بمزايدات فصائلية وعن تأخرها بالأخذ بما رخّصه الله ممّا فيه تخفيفٌ لآلام الناس"، مع تأكيده ما يرجوه محبّو الحركة لها من "جهاد معتدل وسياسة راشدة وفكر وسطي بلا غلوّ ولا انحراف".
الخطاب كان موفقاً بحق، ولقد هممت بعد سماعه بأن أنشر اعتذاراً علنياً لأبي البراء عن تحفّظي السابق على ولايته إمارةَ الأحرار، ولكني أخرت الاعتذار إلى أجل، حتى أسمع منه الكلمة التي لم يَقُلْها، الكلمة الجوهرية التي كان ينبغي أن يضيفها إلى خطابه الموفق، وأرجو أن يفعل عمّا قريب.
* * *
اعترف أبو البراء بشجاعة بأن "ما تعرضت له الحركة في الأحداث الأخيرة لم يكن لقوّة مَن بغى عليها، بل بسبب العطالة والشلل اللذين سيطرا عليها وبسبب غياب رسالة الحركة عن بعض عناصرها"، ثم وعد بأن الحركة لن تسمح بتكرار تلك الحالة مرة أخرى بعون الله.
والحقيقة أن الذي غاب عن أكثر عناصر الحركة لوقت طويل (وليس عن بعضهم فحسب) ليس رسالة الحركة، بل هو معرفة العدوّ ومعرفة الصديق. فقد تنكرت الحركة للأصدقاء طويلاً وتقربت من الأعداء، فلم تُبالِ بقطع الأواصر مع أصدقائها والتضحية بمصالحها ومصالح الثورة حرصاً على استرضاء الأعداء. الأعداء هم جبهة النصرة وحلفاؤها، والأصدقاء هم أعداء النصرة من سائر الفصائل والقوى الثورية.
فأين في كلمة أبي البراء اسم العدو الذي وعد بأن لا يُسمَح له بتكرار عدوانه؟ كيف يقاتل عناصرُ الحركة عدواً غير محدَّد وغير معروف؟
لقد ورد في الكلمة اسم داعش مرتين: "ستكون الحركة سيف الشعب لبتر قرون الغلو الداعشية"، و"سوف تتصدى للعصابات الأسدية والمليشيات الطائفية والزّمر الداعشية". داعش؟ هذه معلومات قديمة صار عمرها الآن أربع سنوات. صحيحٌ أن الذين بدؤوا بالتحذير من داعش كانوا قليلين وكانوا غرباء، لكنهم ما لبثوا أن زادوا وتضاعفوا آلاف الأضعاف حتى بات "من المعلوم من الثورة بالضرورة" أن داعش عدو، فلماذا تستترون وراء داعش ولا تعلنون العدو باسمه الصريح؟
الذي قاتل الأحرار وبغى عليهم أخيراً لم يكن جيشَ داعش، والذي أفتى بقتال الأحرار واستهداف مقاتلي الأحرار في الرؤوس لم يكن شرعيّ داعش. ما لم تُسَمّوا المسمّيات بأسمائها الصريحة فلن يعرف الجندُ العدوّ من الصديق ولن يستطيعوا الدفاع عن أنفسهم وقت الضيق، وسوف تتكرر المأساة مرة بعد مرة لا سمح الله.
كنتم تقولون: لا نريد أن نستثير الجولاني ونستعديه! فقد عدا عدوُّ الله عليكم دون أن يُستعدى وثار عليكم دون أن يُستثار، فماذا بعد؟ ماذا تنتظرون؟ لماذا نصرّ دائماً على استنساخ مأساة المسلمين على مر التاريخ؟ لماذا نكون أبداً ضعفاء في الدفاع عن حقنا ويكون عدونا أبداً قوياً في الدفاع عن باطله؟!
معذرة إخواني قادة الأحرار؛ إذا لم يؤسس محبّوكم علاقتهم بكم على الصراحة الكاملة فإنهم يغشّونكم ويغشون الثورة. لقد ضيّعَت المحاباة والمجاملات عليكم وعلى الثورة الكثير، فلا تنتظروا منها المزيد. لا بد من الصراحة المخلصة، مع الاعتذار عمّا سبق من قسوة جارحة دعا إليها المقام، مقام الدفاع عن الثورة في معركة الوجود والفناء.
إذا لم تلقّنوا عناصركم أن الجولاني والأسد واحد وأنهما كليهما معتدٍ مستبد ظالمٌ عدوّ للحركة والثورة فسوف يستمر ببغيه وعدوانه دون مقاومة. إذا لم تتعاملوا مع خُطَب المحيسني كما تتعاملون مع خطب الجعفري فسوف يستمر الخداع والتضليل، وإذن فلا أمل بأن يقاتل مقاتلوكم البغاةَ المعتدين في أي يوم من الأيام!
للانتصار والبقاء في المرحلة القادمة شرطان، أولهما: المفاصلة الكاملة مع العدو الحقيقي، مهما يكن اسمه ورايته وشعاره، وهذا يعني المفاصلة الكاملة مع جبهة النصرة. الشرط الثاني أهم من الأول: تطهير الحركة من السوس الذي ينخر بدنها ويكشفها لعدوها. طهِّروا الحركة من عملاء النصرة وعيون الجولاني وممّن سيطر عليه فكر القاعدة ووَهْم الأخوّة الزائفة مع المناهجة، كما صنع أردوغان مع "الدولة العميقة" بعد الانقلاب الفاشل، فقد لاحق عناصرها واستأصلهم حتى بين المستشارين والوزراء والقضاة وكبار الضباط.
في الحروب الوجودية لا مجاملةَ ولا تسامحَ ولا غفلة، وإلاّ فإن الثمن هو الدماء والفناء. ومعركة الأحرار ومعركة الثورة مع النصرة معركةٌ وجوديّة والصراع بين الطرفين صراع صِفري، ليس فيه تعادل ولا انتصار جزئي وهزيمة جزئية، فيه فقط بقاء أو فناء، إما أن ينتصر مشروع الثورة بإذن الله أو مشروع النصرة لا قدّر الله. * * *
إخواني الأحرار: احسموا أمركم واعرفوا عدوكم وطهروا حركتكم ورصوا صفوفكم، واستعدوا لمعركة لا هوادة فيها مع النظام وحلفاء النظام ومع النصرة وحلفاء النصرة. حفظكم ونصركم الله.
من حساب الكاتب على فايس بوك
عباس شريفة
أحمد موفق زيدان
جابر علي باشا
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة