فايز الصلاح
تصدير المادة
المشاهدات : 3861
شـــــارك المادة
ومن السُبُلُ النَّافِعَةُ في اجتماعِ الأُمَّةِ وائتِلافِها:
التعاون، فالمسلم قويٌّ بإخوانه ويحتاج إلى من يعينه في أموره الدنيوية والأخروية ومهما كان قوياً في دينه ونفسه فإنه لا يستغني عن المعين، فهذا كليم الله موسى عليه السلام طلب من الله مُعيناً له في طريق الدعوة عندما قال:{وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} [طه: 29 - 34]. وإذا كان أهل الشر يتعاونون على باطلهم فما بال أهل الحق لا يتعاونون , وقد قال الله تعالى :{وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2]. والتعاون يكون ببذل ما تميز به المسلم لإخوانه ، فالعالِمُ يبذلُ علمَه,والغنيُّ يبذلُ مالَه ،والقويُّ قوتَه ،والسياسيُّ سياستَه وهكذا . وبتحقيق هذا التعاون نستفيد من جميع القدرات المتوزعة في الأمة،فلا يبقى فردٌ معطَّلٌ لا يشارك في نهوض الأمة وانتصاراتها،حتى المرأة العجوز في البيت ينتصر بدعائها وصلاحها جيوش!! كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :"ابْغُونِي ضُعَفَاءَكُمْ، فَإنَّكُمْ إِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ". وبهذا التعاون نحقق التكامل في الأمة فلا يمكن أنْ تُخْتصر الأمة في رجلٍ أو نوعٍ واحدٍ من العمل الصالح الذي يتقرب به إلى الله , إذ هي واسعة المساحة من حيث العَدَد والعُدَد ، والميول والمواهب ، فكلٌّ ميسرٌ لما خُلِقَ له ، وكلُّ مسلمٍ على ثَغْرٍ يرابط عليه ويحرسه ، وكلٌ يحسن عملاً قد لا يحسنه الآخر ، فكان لا بدَّ من التنوع المتكامل المتآلف لا المتخالف المتناكر. ومن هنا كانت هذه الأمة بمجموعها كاملة المواهب والقدرات, وبرز ذلك في مجتمع الصحابة رضوان الله عليهم , إذ قد تنوعـت قدراتهم ومواهبهم وتآلفت ، وشكَّلت نسيجاً واحداً متناسقاً . فهذا في الحفظ والرواية كأبي هريرة رضي الله عنه ، وهذا في التفسير والبيان كابن عباس رضي الله عنهما ، وهـذا في الفقه واتباع الآثار كابن عمر رضي الله عنه، وهذا في معرفـة الفتـن وحفـظ الأسرار كحذيفة رضي الله عنه ، وهذا في الزهد كأبي ذر رضي الله عنـه ، وهذا في الجهاد والقتال كخالد بن الوليد رضي الله عنه ،وهذا في القيادة والسياسة كالخلفاء الأربعة وغيرهم كثيـر، وليس المقصود الاستقصاء والحصر ، وإنما إبراز هذا التنوع التكاملي ، فلم يكن يوماً ما تصادمياً حزبياً ، فلم يكن خالد بن الوليد يذم ابن عباس لجلوسه في حلقة العلم , ولم يكن ابن عبـاس يذم خالداً لأنه ليس له فتوى في العلم ، بل كلٌ كان على ثغر يرابط عليه ، فابن عباس يفتي , وخالد بن الوليد يدفع الأعداء في ساحات القتال , ولم يقل أحد منهم: "لا يُفتي قاعدٌ لمجاهدٍ"!!. ومن هنا كانت غالب التجمعات الدعوية في عصرنا الحاضر تجمعات حزبية متنافرة , وذلك أنها عكفت على نوع من الدعوة ، وأهملت الأنواع الأخرى , ثم ذمت الآخرين الذين لم يشاركوها في ذلك ، فمنهم من اشتغل بالسياسة ؛ فهو يذم من اشتغل بالعلم والجهاد ومساعدة الأرامل واليتامى والمساكيـن ، وقالوا : السياسة قبل الله أكبر ولا يمكن أن تنهض هذه الأمة إلا بالسياسة ، ومنهم من اشتغل بالجهاد مطلقاً دون النظر إلى حال ضعف أو قوة ، ونعى على غيره أنهم قاعدون مثبطون مداهنون ، وبعضهم قد اشتغل بالعلم لكنه جعل بينه وبين الآخرين حاجزاً، لا يخالطهم ولا يرشدهم بل ولا يعرفهم فهو يظن بهم ظن السوء. وفي الثورة الشامية أوحى الشيطان إلى بعضهم فجعل من في الداخل معادي لمن في الخارج، والمقاتل يعادي السياسي والشباب للمشايخ!! وهكذا في سلسلة من التنافر والتناكر والعجب بالعمل والتعصب له وازدراء الآخرين الذي نهايته الفشل والهزيمة. بل نقولها ونعلنها ويجب على الجميع إعلانها فالداخل والخارج أخوان نصيران، ومثل ذلك المقاتلون والسياسيون، والشباب والشيوخ ،بل الخنادق والفنادق!! فلولا الداخل لما قامت ثورةٌ، ولولا الخارج لما استمرت !!فليتق الله قومٌ نفخ في عقلهم الشيطان وليستعيذوا بالله منه، وليتواضعوا لله، فكما أنك على ثغرٍ تحسنه فغيرك على ثغرٍ يحسنه ولاتحسنه أنت. وينبغي أن نعلم أن أعداء الله قد اجتمعوا علينا من كلِّ فجٍّ عميق من الصليبيين والباطنيين والصفويين بل الخوارج المارقين!! فيجب علينا أن نحقق الاصطفاف السني حتى نصدَّ هذه الهجمة الشرسة بإذن الله تعالى وبعونه وحوله وقوته. والتعاونُ لايشترط له الاتفاق في المنهج بله في الدين، بل يجوز التعاون حتى مع الكافر والمبتدع الضال إذا كان ذلك يحقق مصلحة شرعية راجحة كما قرر ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله فقد قال في معرض كلامه عن الفوئد الفقهية من صلح الحديبية في "زاد المعاد في هدي خير العباد" (3/ 269):"وَمِنْهَا: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلَ الْبِدَعِ وَالْفُجُورِ وَالْبُغَاةِ وَالظَّلَمَةِ إِذَا طَلَبُوا أَمْرًا يُعَظِّمُونَ فِيهِ حُرْمَةً مِنْ حُرُمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، أُجِيبُوا إِلَيْهِ وَأُعْطُوهُ وَأُعِينُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ مَنَعُوا غَيْرَهُ فَيُعَاوَنُونَ عَلَى مَا فِيهِ تَعْظِيمُ حُرُمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، لَا عَلَى كُفْرِهِمْ وَبَغْيِهِمْ، وَيُمْنَعُونَ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ، فَكُلُّ مَنِ الْتَمَسَ الْمُعَاوَنَةَ عَلَى مَحْبُوبٍ لِلَّهِ تَعَالَى مُرْضٍ لَهُ، أُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ كَائِنًا مَنْ كَانَ، مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى إِعَانَتِهِ عَلَى ذَلِكَ الْمَحْبُوبِ مَبْغُوضٌ لِلَّهِ أَعْظَمُ مِنْهُ، وَهَذَا مِنْ أَدَقِّ الْمَوَاضِعِ وَأَصْعَبِهَا وَأَشَقِّهَا عَلَى النُّفُوسِ". وليس معنى التعاون السكوت عن الانحرافات والضلالات! وخاصةً ما يتعلق بأصول الدين من التوحيد والسنة وفي الشرك والبدعة، ولكن الدعوة تكون بالأسلوب الأمثل كما قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } [النحل: 125]. ومن المناسب هنا أن نتحدث عن قاعدة الشيخ محمد رشيد رضا والتي وصفها بالذهبية! وتلقفها بعض الدعاة والجماعات وطرودها وهذه القاعدة هي:(نجتمع على ما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه). والناس فيها طرفان ووسط فمنهم من جحدها مطلقا لما فيها من الاطلاقات الباطلة، ومنهم من أعملها مطلقا حتى مع المخالفين من الكفار والمبتدعة الضالين!! وخير الأمور وسطها،فلا تقبل هذه القاعدة مطلقا وإنما يفصل فيها ،فما كان من معنى حق قبلناه،وما كان من معنى باطل رددناه. فنقول: 1- هذه القاعدة ليست وحياً معصوماً بل هي من كلام البشر الذي يعتريه الخطأ والصواب وأقوال الرجال يحتج لها ولايحتج بها. 2- الاجتماع والتعاون فيما اتفقنا عليه فلا مانع وهو بحسبه فقد يكون واجبا أو مستحبا بشرط أن يكون ما اتفقنا عليه مشروعا. 3- وأما الخلاف إذا كان بيننا وبين الكفار أو أهل البدع فلا يجوز لنا أن نعذرهم بل نردُّ باطلهم ونبينه ونحكم عليهم بما يليق بكلامهم.وللأسف بعضهم أعمل هذه القاعدة حتى مع الرافضة فسكت عن ضلالهم باسم التقارب!!! 4- وإن كان الخلاف في دائرة أهل السنة فيعذر بعضنا بعضا،فلا تأثيم ولاتضليل ،ولكن لامانع من الرد العلمي على المخالف بالدليل مع الاحترام، ومازال العلماء يردون ويصححون ويعتذرون. نسأل الله أن يجمع قلوبنا على التقوى وأن نتعاون على البر والتقوى ولا نتعاون على الإثم والعدوان والحمد لله رب العالمين.
نور سورية
أبو بصير الطرطوسي
راغب السرجاني
أحمد بن فارس السلوم
عدنان أمامة
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة