ضياء الشامي
تصدير المادة
المشاهدات : 1776
شـــــارك المادة
شغلت صورة الطفل عمران الخارج من تحت الأنقاض، وسائل الإعلام العربية والأجنبية، وأشعلت نظراته الذّاهلة والمصدومة موجة كبيرة من التأثر والتعاطف، شارك فيها القريب والبعيد حتى إعلاميين وفنانين أجانب.
صورة من بين مئات الصور الملتقطة يومياً استطاعت أن تشقّ طريقها للإعلام الغربي وتحجز لها مكاناً في الصفحات الأولى لأهم الجرائد الأجنبية، رغم أن الصورة لم تكن الأقسى ولم تعكس واقع الحياة في سورية تحت ظلّ القصف اليومي.
عمران يتصدر الصّحف الأجنبية: طفلٌ حلبي لم يتجاوز الخامسة من عمره، انتشله مسؤولو الدّفاع المدني إثر غارة مسائية على أحد أحياء حلب ونقلوه إلى سيارة الإسعاف، طفلٌ كعشرات الأطفال السوريين وربما كان الأسعد حظاً إذ كانت إصابته سطحيّة، فلم يفقد أحد أطرافهِ ولم يخسر أسرته، إلا أن نظرات الذهول والصدمة المنبعثة من عينيه استطاعت أن تصدم العالم المتغافل المنشغل بسفاسف الأمور. ومع أن وسائل الإعلام تسابقت للحديث عنه، إلا أن التغطية الإعلامية الغربية لم تكن كلها على قدرٍ واحدٍ من المهنية، فأغفلت قنوات تلفزيونية مرموقة وصحف مشهورة، ذكر المجرم الذي أذهل إجرامه هذا الطفل الصغير، فيما ادّعت وسائلُ أخرى في سذاجةٍ واضحة أنها لا تعرف مصدر القصف الذي دمّر بيوتاً عديدة في حلب وجرح وقتل عشرات الأطفال، كان آخرهم شقيق الطفل عمران والذي قضى بعد أيامٍ متأثراً بجراح سبّبتها تلك الغارة. ومع تلك الصورة عادت القضية السورية إلى أذهان العالم وإلى شاشات إعلامه بعد غياب، كما أعادتها صورة الطفل الغريق إيلان الكردي على شواطئ تركيا،إلا أن هذه الضجّة الإعلامية طرحت أسئلة عديدة عن نوعيّة الصور والأخبار التي تهم الإعلام الغربي وتثير انتباهه.
هل قصّر الإعلام السوري في التواصل مع الغرب؟! رغم سيل الصور والفيديوهات التي وثقت أحداث الثورة السورية لحظة بلحظة إلا أنّ الإعلام الثوري ما يزال مقصراً في التوجه نحو الشعوب الأخرى سواء الأوروبية أو الآسيوية، والتي لا تدرك حقيقة ما يجري على الأراضي السورية إلا ما يروّجه إعلامها على أنه حربٌ أهلية. فعلى الرغم من آلاف الفيديوهات التي وثقها ناشطون والتي دفع بعضهم حياته ثمناً لها، إلا أنها لم تصل لشريحة واسعة، فلو بحثنا عن الفيديوهات المترجمة للإنكليزية أو الفرنسية أو حتى الروسية لما وجدنا أكثر من أصابع اليد الواحدة والتي لم يتم تسويقها بالشّكل المطلوب. يقول الصحفي أحمد كامل في حديثه للعهد :” للأسف فشلنا كسوريين حتى الآن في نقل قضيتنا للعالم. لايوجد لدينا قناة تلفزيونية تصل للغرب أو راديو أو حتى صحيفة مطبوعة. هذا الأمر فوق طاقتنا فهو يحتاج إلى مبالغ مادية هائلة عجزت عنها أغلب البلاد العربية، فالقناة الوحيدة التي تصل للغرب اليوم هي قناة الجزيرة الإنكليزية.” ويتابع أحمد كامل: “وفي ظل هذه الظروف ينحصر عمل السوريين في نقل الخبر والصور كمادة أوليّة للوكالات الأجنبية والتي تتجاهل 70% منه في معظم الأحيان وقد لا ينشر أبداً، كما أنها تقدّم الخبر على النحو الذي تريده والذي يخدم سياستها وتوجهاتها فتارة تغفل المجرم وتارة تشكك في الجريمة.” أما الصحفي أحمد دعدوش فقد رأى أن هناك تقصيراً كبيراً من قبل السوريين تجاه قضيتهم ولا سيما المغتربين والذين وصلوا إلى أوروبا، فلم يُسمع لهم صوت، مع أنهم قادرون على لعب دور جوهري في كسب الرأي العام لصالح الثورة، فهم شهود عيان على الجريمة التي تحدث في بلادهم.
المهنيّة المطلوبة في العمل الإعلامي: لا يمكن للخطاب الإعلامي الثوري الحالي أن يؤثر في الإعلام الغربية لافتقاده المهنية والاحترافية في العمل على الرغم من عشرات الورشات التي قامت بتدريب طواقم من الإعلاميين، والذين يحاولون جهدهم حسب الإمكانيات، إلا أن هناك أسباباً تدفع ببعض الأخبار نحو الساحة العالمية بينما تغفل ما قد يكون أهم منها. ويرى رئيس تحرير موقع ترك برس عبد الرحمن السراج خلال حديثه مع العهد أن هناك أسباباً موضوعية تقنية تساعد على وصول الصورة للعالم ككيفية إخراج القضية إعلاميًا أو التقاط صورة بطريقة احترافية كما في صورة عمران أو إيلان وهو ما يلعب دورًا مهمًا في إيصاله إلى وسائل الإعلام الغربية. يقول السراج:”هناك تقنيات احترافية في طريقة إخراج الخبر لا تتواجد إلا عند الصحفيين الغربيين كالتحقيقات الاستقصائية التي توثّق قضية على قدر كبير من الأهمية، فعلى سبيل المثال حقق التحقيقان الاستقصائيان المطولان للكاتب بين تواب في مجلة نيويورك والذي وثق أحدهما وضع المشافي الميدانية في حلب أثراً يفوق مئات الفيديوهات التي صورها نشطاء من الداخل.” ويرى السراج أن الظروف الموضوعية غالباً ما تكون رهن الأجندات السياسية؛ فعندما كانت مسألة اللاجئين على رأس أجندات الحكومات الأوروبية وتزامنت مع انتشار صورة إيلان، سهّل ذلك وصولها إلى الإعلام الغربي.
انتقائيّة الإعلام الغربي: لا ينكر الكثير من الإعلاميين أن الإعلام الغربي ينتقي من أخبار سورية ما يريده ويهمل غيره، بما يخدم سياسته وأجندات دوله، حيث يحتاج الإعلام الغربي بين الحين والآخر حسب رأي الصحفي أحمد دعدوش للاعتراف بوجود حرب دامية على هذا الكوكب، وعليه أن يعرض صورة ما تعكس وحشية هذه الحرب. يقول أحمد دعدوش: “تختار وسائل الإعلام الغربية من الصور، تلك التي لا تصدم القارئ والمشاهد الغربي بحيث لا يتجاوز الأمر ضرورة التغطية الخبرية إلى اتخاذ أي فعل. وهذا ما اعتادوا فعله خلال غزو العراق وفي كل عدوان يتجدد على غزة، وبذلك يحرص الإعلام على إثبات وجوده بأقل قدر من التغطية ودون إحداث أي صدمة أو رد فعل، فضلا عن ممارسة التضليل.” هذا وقد أشار عبد الرحمن السراج إلى موضوع حساسية الإعلام الغربي تجاه بعض الصور، وهو أمر يرتبط بالسياسة بالدرجة الأولى، حيث استشهد السراج برأي الكاتب الأمريكي ديفيد شيلدز في دراسته “الحرب جميلة: دليل نيويورك تايمز للصراع المسلح” والتي أشار فيها إلى أن الصحيفة الأهم في أمريكا والعالم جمّلت صور الحرب في العراق وأفغانستان وأماكن أخرى على صفحتها الأولى، واصفًا سياسة الصحيفة تجاه تلك الحروب بأنها “تحولت إلى ملصقات للتجنيد للحروب، فالصحيفة المشهورة انتقت صور قتلى وصورًا من الحرب ولكنّها ذيّلتها بعبارات مُحسّنة، الأمر الذي عزاه شيلدز لتخفيف وقع الفكرة السلبية عن الحرب وتجميلها في عين القارئ.
قضايا الرأي العام: وعندما نتحدث عن الإعلام لايجب أن نغفل دور مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت من أهم أدوات الإعلام، ووسائل حشد الرأي العام سواء على النطاق المحلي أو العالمي، وهو أمر يجب أن يعيه السوريون بشكل واضح ويفهموا أدواته دوره في صناعة القرارات. حيث يرى الصحفي أحمد كامل أن الإعلام سلاح يمكن أن يؤثر على السياسات ولكنه لن يقلب مواقف الدول رأساً على عقب معتبراً أنه: “يتوجب على السوريين استغلال الأخبار السورية التي تتحول لقضايا رأي عام عالمي كقضية اللاجئين والصور المسربة وغيرها، فلربما تمكننا من إحداث تغيير ولو طفيف في الموقف الدولي، وهو ما يعتبر نصراً كبيراً لقضيتنا، لا يجب أن نيأس أو نعمل بناء على النتائج فالسياسات تنقلب وتتغير باستمرار.” فيما يعتقد السراج أن الإعلام غير قادر على تغيير سياسات دول تجاه سورية، ورغم أن دوره ثانويُ بدعم سياسة تلك الدول إلا أنه يلعب دوراً مهماً في كونه سجلًا تاريخيًا ومحرّكًا للرأي العام. أما الصحفي أحمد دعدوش فقد اعتبر أن: معركة الرأي العام أصعب من معارك السلاح، وهذا أمر لم يفهمه كثير من الناشطين للأسف، فالأمر يتطلب مهاراتٍ وخبرةً وتدريباً وتنظيماً واحترافاً، وقدرةً على العمل الجماعي، ثم إخلاصاً وصبراً بلا حدود، يجب أن نكون متفائلين بأن التغيير ممكن، وأننا قادرون عليه.” بينما يصارع السوريون ظروفهم لنقل أحداثها يوماً بيوم، لا يعول الكثير منهم على أي تغير في سياسات الدول بسبب صورة تسربت من هنا أو مقطع فيديو أثار صدمة من يدعون الإنسانية، فهم يدركون أن قضيتهم العادلة قد تحولت لحرب مصالح إقليمية، وأنهم وحدهم لا غيرهم، قادرون على انتزاع حقوقهم وفرض شروطهم على العالم، عندما يصبحون يداً واحدة.
العهد
محمد سرور زين العابدين
أحمد أبو دقة
ميمونة جنيدات
غازي دحمان
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة