أكرم البني
تصدير المادة
المشاهدات : 2934
شـــــارك المادة
نعم، هي الإجابة عن هذا السؤال، وإذا تجنبنا الحديث عن صفقة أو اتفاق مبرم سراً بين الأطراف الدولية الفاعلة، فثمة ما يصح اعتباره توافقاً موضوعياً أو تفاهماً بينها في التعاطي مع الحالة السورية جوهره عدم تعجل الحسم وإدارة الصراع بالنقاط لا بالضربة القاضية كما حصل في ليبيا.
والحقيقة، ليس في تكرار التصريحات عن عدم وجود نية غربية للتدخل العسكري، وتبادل الاعتراف بين واشنطن وموسكو بدور الطرف الآخر في معالجة الأزمة، وزيف التهديدات النارية بعقاب رادع في حال تكرار أحداث حماة أو بابا عمرو، أو بحظر جوي أو بمنطقة عازلة وربط ذلك، مرة بتزايد أعداد اللاجئين، ومرة باستخدام السلاح الكيماوي،وأيضاً المراوغة في مد المعارضة بأسلحة متطورة تساعدها على تعديل التوازنات على الأرض، في مقابل الإكثار من المؤتمرات والاجتماعات التي تظهر إصراراً لافتاً على دعم أي شكل من المبادرات السياسية العربية أو الدولية على رغم معرفة الجميع بلا جدواها وأنها تمنح النظام المزيد من الوقت للقمع والتنكيل.
كل ما سبق هو دلالات استرخاء مخزٍ يسترخص دماء السوريين ومستقبل أجيالهم ويستهتر بما يحل بهم من دمار وخراب، ولا تغير هذه الحقيقة الإدانات الصاخبة للقمع السلطوي المفرط، والجهد المبذول لتوثيق ما يجري وإحالة المرتكبين إلى المحاكم الدولية، أو زيادة حجم المعونات المخصصة للاجئين السوريين، لأنها أشبه برفع عتب يخفي العجز الأممي المشين عن أداء واجبه الإنساني. ولا شك، ما كان لهذا التوافق الموضوعي أن يستمر طويلاً ويتجاوز الحرج الأخلاقي الناجم عن الصور المروعة لما تخلفه آلة الفتك والتدمير، لولا وجود مصلحة أممية مشتركة ودوافع متقاربة لدى أميركا وروسيا، بصفتهما الدولتين الأكثر تأثيراً. أولاً، التحسب المشترك من خطر دفع الأمور إلى حدها الأقصى والى معركة كسر عظم بسبب تقدير الخصوصية السورية وارتباطها بأهم الملفات الحساسة في المنطقة وتأثير ذلك في استقرار الشرق الأوسط، يعززه انخفاض أداء السياسة الأميركية التي فقدت الكثير من حيويتها بسبب أزمتها الاقتصادية وما عانته في العراق وأفغانستان وحضور مصلحة عربية تحبذ التغيير السياسي الداخلي تفادياً لآثار التدخل الخارجي ومخاطر تداعياته على الأمن العربي، الأمر الذي يفسر الحرص المتبادل على عزل الحالة السورية ومحاصرة احتمال امتدادها إلى بلدان الجوار، وأيضاً جدية التعامل مع تهديد طهران الصريح بدخولها في حرب مفتوحة للحفاظ على النظام كأهم حلقة من حلقات نفوذها الإقليمي. وإذا تجاوزنا حسابات التكلفة جراء التدخل في بلد لا يمتلك موارد كافية للتعويض، فللطرفين الأميركي والروسي مصلحة في الحفاظ على الاستقرار الراهن وعلى مستوى من التوازن بين الحضور الإيراني في المنطقة والحضور العربي لضمان استمرار الحاجة إليهما في درء أي أزمة محتملة، من دون أن نغفل إدراكهما أهمية التشارك في التفكيك الآمن لأسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها النظام، وتحديداً بعد التهديد الواضح بإمكانية استخدام السلاح الكيماوي. ثانياً، ثمة مصلحة مشتركة في الإفادة من الساحة السورية لتصفية الحساب مع تنظيم القاعدة وأشقائه من الجماعات الجهادية، فالجميع يدرك أن ما يحصل من فتك وتنكيل هو عامل جاذب للجماعات الإسلامية المتطرفة، وهناك أكثر من اجتهاد ونداء صادر عن تنظيمات جهادية تعتبر نصرة السوريين فرضاً على كل مسلم، والمعروف أن تنظيم القاعدة لا يزال العدو والخطر الرقم واحد عند الأميركيين، بينما يتحسب الروس في حال سقوط النظام من اشتداد عود التيار الجهادي وعودته إلى النشاط في البلدان الإسلامية المحيطة بهم وفي مقدمها الشيشان، والنذير ما أعلن أخيراً عن مقتل ابن أحد زعماء حرب الشيشان في معارك حلب. ثالثاً، طابع المجتمع السوري التعددي وجدية مواقف مختلف الأطراف العالمية من ضرورة تعايش مكوناته المختلفة وحماية الأقليات، الأمر الذي يستدعي التريث في تحقيق نقلة حاسمة قبل أن يجرى الاطمئنان إلى مصير الأقليات ووحدة المعارضة السورية حول برنامج واضح يرسم معالم مرحلة انتقالية تكرس قواعد الحياة الديموقراطية وحقوق المواطنة... واليوم أضفت على هذا الهدف أهمية خاصة، الاندفاعات العدوانية لجماعات سلفية ضد السفارات الغربية للتعبير عن رفضها لفيلم يسيء الى الرسول الكريم، ويزيد هذا الهدف إلحاحاً تواتر المطالبات المباشرة وغير المباشرة من جانب بعض الأقليات لتوفير حماية مسبقة لأبنائها وحقوقها وممتلكاتها. رابعاً، وهي النقطة المشتركة الأهم التي لا يمكن الطرفين الغربي والروسي ان يقفزا فوقها، ونعني المصلحة الإسرائيلية وأولوية الأخذ برؤية تل أبيب حول تأثير التغيير في سورية في أمنها الاستراتيجي. فإلى جانب اللوبي اليهودي في أميركا والمؤثر في سياسات واشنطن الشرق أوسطية، ثمة لوبي يهودي تنامى دوره في روسيا ولا يقل أهمية في التأثير في قرارات الكرملين المتعلقة بالمنطقة. وما رشح إلى الآن، أن إسرائيل وضعت روسيا والغرب أمام أحد خيارين، إما الحفاظ على نظام خبرته جيداً ووفى بوعوده في الحفاظ على جبهة الجولان آمنة ومستقرة، وإما التلاعب بالصراع السوري كي يطول أمده ويسير بالمجتمع والدولة نحو الخراب والاهتراء كي تأمن جانب هذا البلد لعشرات مقبلة من السنين. والحال، إذ يفضي التوافق الموضوعي وسلبية مختلف الأطراف الدولية من الثورة السورية إلى محاصرتها، يراهن السوريون على أن النظام هو من سيساعدهم على إجهاض هذا التوافق، باستناده إلى العنف المفرط ورفض كل شيء إلا منحه الوقت كي يعيد الأمور كما كانت، وهم واثقون بأن استمرار ثورتهم هو الأساس، وأن إصرار الشعب على حقوقه واستبساله في الدفاع عنها وما يقدمه من تضحيات، هو المعلم والمحرك الرئيس للمتغيرات السياسية والتي تجعل إطالة أمد الصراع عبئاً ثقيلاً على الجميع، يُكرههم على إعادة النظر بمواقفهم، والبحث عن مخرج عاجل من هذا الوضع المأسوي.
المصدر: الحياة
إياد أبو شقرا
مصطفى محمدي
ياسر الزعاترة
جهاد أبو حمزة
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة