إياد عيسى
تصدير المادة
المشاهدات : 2855
شـــــارك المادة
يبدو أن ديمستورا كان موفقاً بالجدل الذي أثاره، بمقترح بقاء الأسد، مع نقل صلاحياته إلى ثلاثة نواب تختارهم المعارضة. بهدف تجاوز العقبة "الدستورية"، التي تعيق تشكل الهيئة الانتقالية، على ذمته. بل ثمة ما يوحي، بأن البلبلة ورفض المعارضة الصاخب، هما المطلوب لفسح المجال أمام طرح ومناقشة تصور أو "رؤية" بديلة، يُمكن تغطيتها دستورياً، ومعدة للتفاوض، هذا إذا لم تكن طُرحت بالفعل، وهي الرؤية "ذاتها" والله أعلم، التي أعلنها جهاد مقدسي، أحد المحسوبين على موسكو، باسم منصة "مؤتمر القاهرة"، وذلك في صفحته الشخصية أول أمس.
وقدم فيها ما اعتبره رؤية وسط، بين مختلف "الوفود"، وتقوم على تفريغ "هيئة الحكم الانتقالي"، إلى خمس "مكونات" تُشكل مُجتمعة ما يُشبه "المؤسسة"، وتتفرع إلى مجلس انتقالي له صفة "تشريعية"، ومجلس القضاء الأعلى، وحكومة انتقالية بصلاحيات كاملة، وفقاً لبيان جنيف، يتبع لها مجلس وطني عسكري، لدمج الفصائل المُلتزمة بالحل السياسي في الجيش، كما تتبع لها هيئة للعدالة الانتقالية وتنتهي مهمتها بانتخابات برلمانية ورئاسية، في ظل دستور جديد، بعد إقراره "سورياً".
ليس بالضرورة، أن يتم اعتماد "الرؤية"، وهي الأوفر حظاً بالمناقشة، مثلما وردت تماماً. لكن الصيغة المتوقعة، لن تكون بعيدة عنها كثيراً، ولا شك بأن عمل الحكومة فيها، سيكون على صلة مع بشار الأسد، رغم إغفال "الرؤية" لمصيره. هذه "الرؤية"، المسبوقة بضغوط روسية – أمريكية مُشتركة، على مختلف الأطراف المنخرطة في الصراع لا تحقق مطلب هيئة التفاوض، باستبعاد "الأسد"، في المرحلة الانتقالية لكنها لا تُرضي الأخير أيضاً. إذ تعني تجريده من صلاحياته العسكرية والأمنية فعلياً كمقدمة لإزاحته من المشهد، حتى لو سُمح له نظرياً بالترشح لانتخابات مًبكرة وهذا ما لا يُريحه، رغم موافقته على إجرائها، إنما من خلال مجلس "الشعب" الذي أخرجه بنفسه وبمساعدة حكومة "وحدة وطنية" تتبع له، وتنتقل بالبلاد من "دستور إلى دستور". لذا، لا يُمكن قراءة إصراره على المضي "بالانتخابات التشريعية"، بمعزل عن رفضه "للطبخة" الروسية – الأمريكية. عدا الإصرار على اعتبار شخصه وصلاحياته خطاً أحمر.
بالتزامن مع محاولته استعادة السيطرة على حلب، وحسم معركتها الإستراتيجية لصالحه. بمعية القوات الخاصة الإيرانية، وحزب الله، والميلشيا الشيعية المذهبية، الأمر الذي لم يرق لموسكو حيث نأت بنفسها عن المشاركة بفاعلية في الحملة واقتصرت مساهمتها على ما يكفي لتوجيه رسالة ميدانية، بأن "الأسد" لا يزال تحت رعايتها ومن غير المسموح دحره عسكرياً، في حين تملص بوتين سياسياً من حلب، باعتباره ما يجري فيها قتالاً بين مجموعة فصائل، منها أكراد صالح مسلم كما رفض لقاء الجنرال الإيراني قاسم سليماني، الذي يزور موسكو حالياً وفي جعبته الملف السوري، وأولها حلب، حيث تقود معاركها قوات نظامية إيرانية، استقدمت خصيصاً، دون مشورة روسيا وهو ما أزعج قيصرها.
اللافت أن تلك الضغوط الروسية، تزامنت مع تسريبات "ملفات الأسد المرعبة"، التي نشرتها صحيفة "نيويوركر"، وتضمن 600 ألف وثيقة، تكفي لإحالته إلى محكمة الجنايات الدولية بعد إسقاط التعهد الروسي، بإخراجه من الأزمة "بكرامة"، ما لم ينصاع للخطة المطروحة إضافة إلى عودة الحديث عن الخطة "ب"، والتي تعني تدريب وتسليح مقاتلي المعارضة، في حال إعلان انهيار وقف العمليات العدائية رسمياً.
بالمقابل، تبدو مواصلة الضغوط على "المعارضات"، تحديداً الهيئة العليا للمفاوضات، أكثر سهولة. وهي بدأت بزخم مُمهد له سلفاً حيث يُستشف مما نشره مقدسي، بأن "مجموعته"، انتقلت فعلياً من دور "المستشار"، إلى المُشارك على طاولة المفاوضات بالتنسيق، أو بالتكامل مع منصة موسكو ومسلم ومناع وربما جماعة "حميميم" وهكذا تجد "الهيئة" نفسها، في مواجهة هيئة تفاوضية بديلة، تؤدي إلى تصدعها، بانضمام أشخاص منها، إلى "التشكيل" الجديد. ومُحاصرتها بهيئات عجيبة غريبة، على شاكلة نساء ديمستورا ثم إتمام العملية "السياسية" بمن حضر وعندئذ تتحمل الفصائل المقاتلة مسسؤولية احتمال استئناف حرب الإبادة الروسية ضدها، وبدعم غير مستبعد، من التحالف الدولي، أقله توفير الغطاء السياسي.
لكن الضغط على هيئة التفاوض، لا يُمكن أن يُثمر دون دفع الأطراف الرئيسية المنخرطة بالصراع في" سوريا وعليها"، إلى تقديم تنازلات ولا بأس من تبادل للأدوار بين إدارتي أوباما وبوتين، في ممارسة الضغط. وهذا ما يحدث فعلاً، إذ تتولى واشنطن حالياً مهمة الضغط، على أنقرة الُمثقلة بملف أمنها الداخلي "العمال – داعش – اللاجئين". عبر امساكها بالورقة الكردية، وإمكانية وصول قوات صالح مسلم إلى الحدود التركية الجنوبية. فيما احتفظت موسكو بإجراءاتها الإقتصادية والسياسية لعزل تركيا. بيد أنها تخلت عن التصعيد السياسي معها. حيث تعمد بوتين في ظهوره الإعلامي الأخير، عدم ذكر الرئيس أردوغان بالاسم، في تعليقه على الأزمة بين البلدين.
بدورها، وجدت إيران نفسها، عرضة لضغوط، لم تتحسب لها. استهدفت أداتها الرئيسية حزب الله. سواء بإدانته إسلامياً. أو بوشمه خليجياً وعربياً بصفة الإرهابي. أو بتطورات "محكمة الحريري". وما تم تداوله صحفياً، بشأن استدعاء حسن نصر الله إلى المحكمة، كمتهم بالتورط في عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. كما أنها ستجد نفسها قريباً، في مرمى ضغوط بوتين شخصياً، لتحقيق انفراج في ملف، انتخاب رئيس للبنان. ولعل زيارة أوباما إلى الرياض، ومشاركته في اجتماع مجلس التعاون الخليجي، تحمل من ضمن رسائلها المتعددة، إشارة واضحة لطهران. بضرورة تغيير سلوكها، وضبط طموحاتها في المنطقة.
زيارة أوباما المرتقبة إلى الرياض نهاية الأسبوع. و ما يجري في اليمن، و"اقترابه من السلام" بحسب المبعوث الأممي "ولد الشيخ". يعكسان معاملة خاصة حظيت بها السعودية، نتيجة ما تظهره، من استعداد بالذهاب، في مواجهة المشروع الإيراني حتى النهاية. لكن إيران التي أرغمتها الضغوط السياسية، على التنازل في اليمن، أو أنها عجزت عن إنقاذ الحوثي. لن تكون بذات المرونة في الحالة السورية حيث أكد إرسال القبعات الخضراء "اللواء 65"، من الجيش النظامي الإيراني، على اعتبار طهران لمعركتها في سوريا مفصلية . كونها حجر الأساس، في مشروعها للسيطرة على المنطقة. وهو المشروع الذي تخلت عن برنامجها النووي لإنقاذه. عدا عما تمثله دمشق كرئة وحيدة، لقوتها الضاربة "حزب الله" كما هو نموذجها المُفضل، لاختراق الدول العربية، والتحكم فيها من داخلها. وهذا ما تعيه السعودية، ولن تتردد في مقاومته. لكنها عاجزة في ظل الظروف الحالية، عن تأمين دعم عسكري وسياسي مباشر، من تركيا والأردن ومصر. لتوجيه ضربة خطيرة لإيران، بإسقاط الأسد عسكرياً في دمشق.
المفارقة، أن إيران. تشعر بأن "الحل السياسي" لا يقل خطورة عن الحسم العسكري، إذ يبدأ وفقاً "لرؤية مقدسي" الروسية، بحكومة ذات صلاحيات كاملة يقودها "الأسد"، لكن السلطة الفعلية، بيد أعضائها الذين سيتم اختيارهم بعناية موسكو الفائقة، بإشراف الموفد الخاص ستافان ديمستورا، وعلى طريقته الرمادية باختيار "المجلس الاستشاري النسائي" وضمن صلاحياته كموظف تنفيذي بارع، لخطة أمريكية – روسية مشتركة، مع مراعاة "خاصة" لملاحظات، وترشيح موسكو للأسماء. ويملك فقط صلاحية توزيع جوائز الترضية خارج "الحكومة"، في "التشريع والقضاء والمحاسبة" ثم ينتهي "الحل" بإفهام "الأسد" تدريجياً، خلال المرحلة الانتقالية، بأن الأفضل له مغادرة المشهد نهائياً، إلى ملجأ سياسي آمن إذ من غير المقبول، استمرار "مشتبه فيه" بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، على رأس السلطة. ولا مبرر لوجوده أصلاً، بعد أن انتقلت "مهمة حماية الأقليات"، إلى عهدة المجتمع الدولي وبذلك يتحقق مطلب الشعب، وبعض دول الإقليم بخروج الأسد. لكنه حل لا يُرضي السوريين، وطموحاتهم لدولة "حرية ومواطنة" ستحرص موسكو على عدم ولادتها واقعياً، وبنصوص يتضمنها "دستور"، يجري طبخه على الطريقة الروسية، ويُعيد إنتاج نظام أمني تحت الوصاية الروسية، على غرار ما فعلته "سورية الأسد" بلبنان لعقود طويلة، وربما على نمط "محاصة سياسية طائفية" مُشابه.
عموماً، يتوقف تمرير "المخطط"، على قدرة موسكو وواشنطن، ليس بالضغط وحده بل بإقناع الأطراف الإقليمية بأن الحد الأدنى من مصالحها مؤمن وبما يكفل تهدئة مخاوف أطراف أخرى. وهذا صعب بالمجمل، خصوصاً بالنسبة لطهران وحليفها حزب الله، بصفتهما الخاسر الأكبر، حيث لا شيء يعوضهما عسكرياً وسياسياً، عن فقدانهم "الأسد". بعد خسارتهما الشعبية الجارفة، في العالم العربي والإسلامي، بانهيار كذبة المقاومة والممانعة.
أورينت نت
ميشيل كيلو
غازي دحمان
أنور مالك
مجلة المجتمع
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة