..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

التدخل الروسي بسوريا واستراتيجية أوباما الأوسطية

فراس أبو هلال

٥ أكتوبر ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3032

التدخل الروسي بسوريا واستراتيجية أوباما الأوسطية
00 اوباما.jpg

شـــــارك المادة

دشنت روسيا مرحلة جديدة من الأزمة السورية بقصفها لأهداف تابعة للمعارضة السورية، ومع هذا القصف يثور جدل كبير حول تأثيرات هذه المرحلة على الميزان الاستراتيجي للقوى العالمية في الإقليم، وعن موقع روسيا الجديدة في هذا الميزان.

فكيف يمكن قراءة التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا؟ وهل هو انتصار لموسكو ودليل على هزيمة أوباما واستراتيجيته في الشرق الأوسط كما يروج الكثيرون؟ وما دلالات ذلك على مستقبل المنطقة؟

مواقف متباينة:
تباينت المواقف تجاه التدخل الروسي العسكري في سوريا تبعا للموقف من الأزمة السورية بعمومها، فمن يؤيد الثورة رأى فيه استمرارا للدعم القوي الذي يحصل عليه النظام من حلفائه للقضاء على الثوار وعلى آمال الشعب السوري بالتحرر والكرامة، مقابل "خذلان" هذا الشعب وثورته من قبل حلفائه أو ممن أطلقوا على أنفسهم وصف "أصدقاء سوريا"، وقد أعلن هذا الفريق المؤيد للثورة إدانته ورفضه للتدخل الروسي العسكري بوضوح.

وفي مقابل هذه الإدانة والرفض، كان موقف حلفاء ومؤيدي نظام الأسد ومحور إيران واضحا لجهة الترحيب بالتدخل الروسي، نظرا لأنه سيساهم بكل تأكيد بتعزيز الموقف العسكري والميداني للنظام. ورأى هذا الفريق أيضا في تدخل موسكو الأخير عودة مظفرة "للدب الروسي"، الذي "سينهي تفرد الولايات المتحدة في المنطقة"، من وجهة نظره، و"سيعيد التوازن الدولي في الشرق الأوسط، بعد أن أثبت بوتين "شجاعته" مقابل "تردد" أوباما".

وبعيدا عن الإدانة أو الترحيب، فإن مدار البحث في هذا المقال هو عن معنى التدخل الروسي في الميزان الاستراتيجي، وإن كان يمثل فعلا، كما يرى الفريق المؤيد للنظام السوري، انتصارا لبوتين وموسكو، وهزيمة لواشنطن وسياسة أوباما، وهو ما يتطلب ابتداء قراءة سريعة في استراتيجية أوباما الأوسطية.

استراتيجية أوباما:
مثلت إستراتيجية أوباما تجاه الشرق الأوسط إحدى العقد لدارسي السياسة الخارجية الأميركية في عهده، وتنوعت الأسماء والتوصيفات المستخدمة في الدوائر الأكاديمية والبحثية لهذه الاستراتيجية أو ما يسميه بعض الأكاديميين "عقيدة" السياسة الخارجية لأوباما، إذ وصفها البعض "بالتردد"، وآخرون "بالسياسة المرنة" حسب التطورات، واعتبرها البعض "لا عقيدة"، أي أن سياسته لا يحكمها مبدأ معين كما حكم مبدأ "الحرب الاستباقية" عقيدة بوش الابن في السياسة الخارجية، وأطلق عليها البعض وصف "ضد البوشية"، بمعنى أن المحرك الرئيسي لأوباما في سياسته الخارجية هو أن يقوم "بضد" ما قام به بوش.

ولكن تتبع سياسة أوباما في الشرق الأوسط، خصوصا بعد عامين من دورته الرئاسية الأولى، يدفعنا للقول إن هناك عقيدة واضحة لأوباما في سياسته الخارجية، وإنه لم يكن "مترددا"، بل حافظ على عدة مبادئ رئيسية ثابتة حكمت استراتيجيته في المنطقة:

- الأول: إنهاء سياسة "الحرب الاستباقية" التي انتهجها بوش الابن وكلفت أميركا خسائر مالية وسياسية هائلة، ووعد أوباما في حملته الانتخابية الأولى بالتوقف عنها، والتحول بالإنفاق على دعم الاقتصاد ومشاريع البنية التحتية لفتح الملايين من فرص العمل الجديدة للأميركيين، بدلا من الإنفاق على الحروب.

- الثاني: تقليل الانخراط والتدخل في الشرق الأوسط، وهو مبدأ ترافق مع ظهور تيار أكاديمي وسياسي أميركي يدعو للعودة إلى سياسة واشنطن قبل الأربعينيات من القرن الماضي التي قامت على علاقات جيدة مع دول الإقليم دون التدخل بها، باعتبار أن هذا التدخل أساء لصورة أميركا وكلفها كثيرا من الخسائر المالية والبشرية والسياسية دون الحصول على أثمان مناسبة لهذه الخسائر.

- الثالث: انطلاقا من المبدأين السابقين، فإن التوجه العام لسياسة أوباما لم يكن الابتعاد عن الشرق الأوسط بمعنى خلق "فراغ" فيها، كما قد يفهم من مبدأ "تقليل الانخراط في المنطقة"، فهو أمر لا يمكن لواشنطن أن تتقبله في المرحلة الحالية أو في المستقبل القريب.

بل إن هذين المبدأين قادا إلى المبدأ الثالث والأهم في استراتيجية أوباما الأوسطية، وهو الاعتماد على "وكلاء إقليميين" أو محليين للتعامل مع تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط، أو ترك "الحلفاء" و"الخصوم" يديرون صراعاتهم البينية بما يحقق مصالح الولايات المتحدة دون أن تتورط الأخيرة بحرب استباقية كانت أو غير استباقية، ودون أن تضطر إلى الانخراط في مشكلات الإقليم بما يمثله ذلك من تكاليف سياسية وأمنية واقتصادية على واشنطن.

لقد صبغت هذه المبادئ الثلاثة سياسة أوباما في كل الملفات الساخنة في المنطقة، حيث رفض استخدام "الحرب الاستباقية" للتعامل مع ملف إيران النووي، واعتمد على شركائه الأوروبيين في إسقاط نظام القذافي بعد إصدار قرار مجلس الأمن رقم 1973، كما تراجع اهتمامه بالصراع العربي الإسرائيلي، واستخدم حلفاءه و"وكلاءه" الإقليميين لإدارة الصراع بسوريا، خصوصا بعد عسكرة الثورة التي سببتها دموية النظام، وترك خصوم وأعداء الولايات المتحدة يدخلون في صراع دموي في البلاد، بما يؤدي إلى إضعاف جميع هؤلاء الخصوم والأعداء دون أن تصرف واشنطن دولارا واحدا، أو ترسل جنديا واحدا إلى منطقة الصراع.

التدخل الروسي:
بالنظر إلى المبادئ الثلاثة المذكورة آنفا في استراتيجية أوباما الأوسطية، يمكن القول، وخلافا لما هو سائد، إن التغاضي الأميركي عن "التوغل" الروسي العسكري بهذا الشكل الفج في الصراع بسوريا ليس مجرد دلالة على تراجع الولايات المتحدة أمام طموحات بوتين في المنطقة، وليس دليلا جديدا على "تردد" أوباما، بل على العكس من ذلك، هو دلالة جديدة على تمسك الرئيس الأميركي باستراتيجيته القائمة على تحقيق أهداف بلاده دون توريط جيشه بحروب جديدة، ودون انخراط مباشر في صراعات الشرق الأوسط، وبالاعتماد على "الوكلاء" الإقليميين في إدارة الصراعات وضرب الأعداء والخصوم بعضهم ببعض.

ومن المتوقع أن يحقق أوباما من الانغماس الروسي المندفع في سوريا أربعة أهداف استراتيجية:
الأول: هو محاربة تنظيم الدولة وغيره من المنظمات التي صنفتها الولايات المتحدة جماعات إرهابية، ولكن هذه المرة بأموال وطائرات روسية، دون أن تكلف هذه المعركة واشنطن أية خسائر اقتصادية أو بشرية، والأهم من ذلك خسائر "أخلاقية"، حيث سيتكفل الجانب الروسي بهذه الحرب نيابة عن الولايات المتحدة، بوعي أو من دون وعي، وسيدفع أثمانها الباهظة "أخلاقيا"، حيث ستتحول موسكو إلى "عدو" لغالبية الشعوب العربية، خصوصا أن الجيش الروسي معروف بعقيدته القتالية التي لا تقيم للأبعاد الأخلاقية أي حساب في الحروب.

أما الهدف الثاني: الذي سيحققه أوباما من التدخل الروسي فهو وجود دولة "عاقلة" إلى حد ما، تتفاوض مع الغرب وحلفائه نيابة عن نظام الأسد الذي فقد شرعيته ووجوده كنظام سياسي يمكن التفاوض معه، بعد أن تسبب بما حل في بلاده من تقسيم، وفي شعبه من قتل وانقسام وتهجير.

لقد أصبح نظام الأسد بعد التدخل الروسي، شاء أم أبى، رهينة لموسكو ولخيارات الكرملين السياسية، وليس غريبا من الشواهد التاريخية للسياسة الروسية أن يقرر بوتين في لحظة ما أن يبيع "الأسد" مقابل الحفاظ على ما تبقى من نظامه والحصول على نفوذ روسي في سوريا، مع بعض الحوافز السياسية في المسألة الأوكرانية، والامتيازات الاقتصادية في ظل أزمة تراجع أسعار الطاقة عالميا.

أما الهدف الثالث: فهو التخفيف من نفوذ إيران في سوريا، إذ يمثل التدخل الروسي العسكري تنصيبا صريحا لروسيا فاعلا أساسيا في الصراع، وحليفا أول للنظام، إذ أصبح الدعم الروسي لدمشق يتعدى مثيله الإيراني، وبات يجمع بين قوة "الفيتو" وقدرة الطيران الحربي اللذين لا تملكهما طهران، مما سيؤدي إلى تضخم النفوذ الروسي على حساب إيران. وقد أشارت تقارير إعلامية دولية إلى أن إيران ليست مرتاحة في واقع الأمر للتطورات الأخيرة، وإن كانت أعلنت تأييدها للقصف الروسي في العلن.

ويبقى الهدف الرابع: الذي يمكن لواشنطن أن تحققه على المدى البعيد من التدخل الروسي رهينا لتطورات الأوضاع على الأرض، إذ يعتمد على مدى تورط روسيا بالحرب وإمكانية تجاوز القصف الجوي إلى عمليات برية، ونعني بهذا الهدف استنزاف روسيا في حرب طويلة قد تؤدي إلى خسائر كبيرة على الصعيد العسكري والسياسي، في حالة شبيهة لتورط الاتحاد السوفياتي السابق في أفغانستان.

وبالطبع ليس هناك أهداف مضمونة التحقيق في السياسة والحرب، خصوصا في ساحة ملتهبة كما هو الحال في سوريا، ولكن القراءة الأولية في الأحداث بالاستناد إلى استراتيجية أوباما الأوسطية، تقودنا إلى الاعتقاد بأن مآلات التدخل الروسي ستصب في صالح تلك الاستراتيجية، التي تحقق أهداف الولايات المتحدة من دون التورط في حروب لا تريد واشنطن تحمل تكاليفها وتبعاتها بعد تجربة احتلال العراق.

قد يستمر الجدل طويلا حول الخاسر أو المنتصر من التدخل الروسي العسكري في سوريا حتى تضع الحرب أوزارها، ولكن أحدا ليس بحاجة لانتظار انتهاء الحرب ليدرك أن الخاسر الأكبر في المرحلة الحالية وفي المستقبل القريب غالبا هو الشعب السوري الذي حولت دموية النظام وفشل المنظومة العربية والدولية ثورته المجيدة إلى حرب استنزاف يدفع ثمنها هذا الشعب يوميا.

 

 

الجزيرة

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع