..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

نحو إعلام إسلامي منضبط وهادف

عباس شريفة

٢٠ مارس ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 5653

نحو إعلام إسلامي منضبط وهادف
شريفة 2.png

شـــــارك المادة

الحروب الإعلامية وسلاح الكاميرة لا تقل أهمية عن الحروب العسكرية وسلاح البندقية في توجيه وعي الجماهير وصياغة مواقف الأمة أمام القضايا المفصلية.

في معركة إيصال الحقيقة إلى الجماهير لابد للإعلامي من التحلي بالإنصاف والموضوعية والحيادية ولو نسبياً.

ونحن لا نزعم أن هناك إعلاماً حيادياً، فالإعلام اليوم لم يعد مقتصراً في دوره على نقل الخبر والمعلومة وإنما يلعب دور التوجيه والتحليل والتوظيف للأخبار والمعلومات وفق ما يحقق الأهداف التي يتبناها، ولكن أن يصل دور الإعلام الإسلامي إلى أن يوظف لأغراض حزبية بعيدة عن هموم الأمة فهذا ما لا يقبل بحال.

قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)}[المائدة]

قديماً قال الشاعر الشريف الرضي: وهم نقلوا عنّي الذي لم أَفُه به ((وما آفَةُ الأَخبارِ إِلا رُواتُها)).

وآفة الساحة اليوم من رواة استخفوا وراء معرفاتهم بأسماء مجهولة وبدأوا يبثون الغث والسمين، ويثرثرون بعد أن صار العمل الإعلامي متيسراً لكل هاوٍ لم يرعَ أخلاق المهنة ولا احترافية الأداء، وبتنا لا نميز بين الغالي المتعصب لفصيله وبين الجيوش الإلكترونية التي تحمل شارات الجهاد وهي تعمل لأجندات النظام تحريشاً بين الثوار، وقد ينساق وراءها الكثير من السماعين لهم، فيقع بسبب ذلك شر عظيم، والأنكا من ذلك يأتيك مزايد يطلب منك الصدع بالحق وهو متوار وراء معرف وهمي لا يجرؤ أن يبين.

ابتلينا في ساحة الشام بإعلاميين محترفين في تزوير الوقائع فكيف سينقل هؤلاء التاريخ إذا كنا لا نثق بهم في نقل الواقع، فكيف نأمنهم على تاريخ مرحلة من أخطر مراحل الصراع التي تمر بها  الساحة السورية.

قال تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} [الإسراء]

وقرٌ يحجب السمع وغشاوة تعمي البصر وهوى في العقل يجعل الأوهام حقائق في معركة الإعلام المخادعة.

أخبار الإعلاميين الفصائليين كلها تحتاج إلى تبين، لا يسلم لأحد بنقله لما يقع منهم من العصبية لأحزابهم التي يقبضون منها ثمن المقاطع والإخراج.

وكفى بالعصبية العمياء مأثماً يستوجب التبين من النبأ.

لا أشبه هؤلاء الإعلامين في الساحة إلا كالنائحة المستأجرة كلما دفع لها أهل الميت أكثر جادت عليه بمدح كرمه وشجاعته ومحاسنه، وهي لم تلقه يوماً في حياتها، أو بالهجاء المحروم الذي راح يكيل الاتهام والسب والشتائم لأنه لم يجد عند الثوار بغيته من الزلفى وعاجل الدنيا.

قال تعالى: {إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم}[النور].

من بلاغة القرآن وصفهم أنهم، يتلقون الخبر بألسنتهم دون أن يمر على السمع والبصر والفؤاد كناية عن ترويج الشائعات دونما تثبت، ظني أن كثيراً من الفصائل صار عنده فرع مختص لبث الشائعات.

وبعض الإعلاميين ينقل الخبر وهو خارج حتى غرفة العمليات فضلاً أن يكون مع المجاهدين، فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً عسى الله يصلح أعمالهم.

بحجة الحرب خدعة صار عندنا صروح للكذب في العمل الإعلامي فمصداقية الإعلامي الجهادي لم تعد تتجاوز30%، كمثل الجن الذين يسترقون السمع يخلطون مع الخبر 99 كذبة، والمصيبة عندما تكون الحقيقة عند الإعلام العلماني.

تكاثرت المكاتب الإعلامية في الساحة حتى صار لكل كتيبة إعلامي كما تتكاثر الثأليل في جسد الصحيح، فلم تزد الساحة إلا تشويهاً، يفرحون بالزلة للمخالف، ويكتمون الحسنة، ويتمنون العثار للمستقيم ليجعل من كشف خبيئته مادة وسبقاً إعلامياً يتزلف به إلى المستثمر السياسي.

فكثير منها يذكرني بإعلام الأنظمة العربية إبان النكبة والنكسة بإعلان سقوط المدن قبل سقوطها والمعارك لا تزال تدور رحاها، وتعلن النصر قبل بدأ المعركة، وتهويل من بطولات فصيله، وتبخيس من المغمورين بطولاتهم بتطفيف ممقوت.

ما وجدت خساسة ولا وضاعة مثل من يستثمر خسارة معركة أو كسب معركة لأغراض سياسية يسقط فيها من يشاء ويمجد فيها من يشاء وكأن الحرب انتهت وصرنا في مرحلة محاكمة الأخطاء وقطف الثمار.

ليس الوقت وقت إبراز خذلان الفصيل الفلاني وشهامة الفصيل الفلاني واستثمار النكبات لتلميع فصيلك، واجب الوقت رص الصف وحفظ البيضة وتحفيز الجميع على النفير.

الإعلام الإسلامي بحاجة ماسة لدراسة علم مصطلح الحديث ليميز في رواياته بين المنقطع والمنكر والشاذ والمقطوع والمضطرب والمحرف والمصحّف والمرسل والمعضل.

إذا ما أسقطنا علم الجرح والتعديل على المعرفات الإعلامية للفصائل فكل رواياتهم ساقطة إلا من رحم ربك، لأنها رواية مجاهيل بأسماء حركية حتى القادة منهم، ورواية المجهول ساقطة عند أهل الفن.

لو كان هناك علماء جرح وتعديل في عصرنا لصنفوا المكاتب الإعلامية في عداد الوضاعين والمجاهيل والمخلطين والمعنعنين والمدلسين.

البعض من أصحاب الورع البارد يتورع عن رواية الحديث الضعيف في السنة ولا يتورع عن رواية الموضوعات التي يكذبها مكتبه الإعلامي ويرتوت لها ليكون شريكاً في الإثم، ثم يقول لك الرتوتة لا تلزم الموافقة.

نقول للإخوة الإعلاميين أنتم على ثغر عظيم من ثغور المعركة، الله الله في إخونكم، لا نؤتى من طرفكم، ولا تصبوا الزيت على النار، وتمثلوا قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)}. [سورة الأحزاب]، فأمانة الكلمة أمانة عظيمة ((وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً)) كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما يترتب عليها من تمزيق الصف وإيغار الصدور، عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يُبَلِّغُنِي أحدٌ من أصحابي عن أحدٍ شيئًا، فإنِّي أحبُّ أن أخرج إليكم وأنا سَلِيم الصَّدر)) [مسند أحمد وحسنه أحمد شاكر].

لا يشك الذي يتابع الأداء الإعلامي للإعلام الثوري والجهادي بعين الفاحص المتبصر أننا كنا ضعيفين أمام إعلام الغلاة والطغاة الذي استقطب الآلاف من الشباب، بينما كانت معاركنا الإعلامية هي معارك جانبية تتولى التسقيط الذاتي للثورة بجهل أو بخبث.

 

 

راصد

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع