..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

في ذكرى 22 شباط السورية المصرية

شمس الدين الكيلاني

٢٢ فبراير ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 5482

في ذكرى 22 شباط السورية المصرية
349.jpg

شـــــارك المادة

تطل ذكرى الوحدة السورية المصرية، وقيام الجمهورية العربية المتحدة في 22 فبراير/ شباط 1958، وسورية تقطر دماً من كل اتجاه، بفعل وحشية نظامها الاستبدادي الذي تحوّل إلى قوة احتلال همجية بدائية، أصبح معها الانتداب الفرنسي فسحة أمل وحرية، قياساً إلى همجيته، فكما عمل معمر القذافي في دمج قبيلته بأجهزة الدولة كي تلتحم وتتماهى بها، وتشعر بأنها هي الدولة، فتنفصل شعورياً ووطنياً عن بقية الليبيين، فيسهل ذلك على النظام استخدامهم لقتل الليبيين عندما يشاء، وهو ما فعله حقاً في مواجهة ثورة الشعب الليبي.

سار الأسد على الطريق نفسه، فدمج فئات واسعة من (الطائفة) في أجهزة الدولة القمعية (الجيش والمخابرات)، فامتلك هؤلاء الذين اندمجوا بهذه الأجهزة عصبية سلطوية طائفية، بعد أن صاروا جزءاً منها بصفتهم من (الطائفة)، وامتلكوا عصبية طائفية في الدولة وللدولة، في قبالة ما هو خارج الدولة، وانفصلوا شعورياً عن بقية السوريين، أصبحوا هم الدولة القهرية في مواجهة المجتمع برمته، إلى درجة أضحوا فيها يرون في أي احتجاج على السلطة من المواطنين أو مطالب بالتغيير، بمثابة تهديد لهم، ولعصبيتهم الطائفية وللطائفة نفسها.
هذا هو المعنى الحقيقي لذبحهم السوريين وحرقهم أحياء، وتدميرهم المدن على ساكنيها، وتعذيبهم الرهيب للمعتقلين في أقبية المخابرات والجيش المليشياوي. هذا هو معنى سلوكهم الاستعماري الوحشي ضد المواطن السوري، إذ تقف العصبية الطائفية السلطوية وراء تلك السلوكيات الجهنمية المريضة. سهل ذلك كله على النظام تحويل (الجيش) إلى قوة تدمير وإبادة للمواطن والوطن، وهذا ما فعله بـجدارة. ما كفاه ذلك استقدم إيران بطائفيتها ومذهبيتها المشهود لها، والمتلهفة لدور على حساب العرب بأي ثمن، فلم تكفها تجربة حزب الله الذي بنته، ليصبح دولة على حساب الدولة، أرادت أن تُكمل (مشوارها) التقسيمي داخل سورية، وأيضاً الاستيطاني عبر التطهير الطائفي واسع النطاق. هذا معنى هروب السوريين بالملايين خلف الحدود، فاستقدمت مليشياتها الطائفية من كل مكانٍ مع حرسها بقيادة (طرزانها) قاسم سليماني، لتبدأ مشروعها الاستيطاني في سورية، لاسيما في حمص ودمشق، تراودها الأحلام الإمبراطورية الكاذبة، وضغائنها المذهبية المزروعة في ظلمات الزمان.
ولما لم تفده القوة الإيرانية الاستيطانية في وقف سقوطه، استكمل النظام جرائمه باستقدام بوتين – سايكس بيكو، عله يرسم له خط النجاة، فبدأت مع بوتين الذي قايض شعبه بأن يمنحه شعور العظمة الإمبراطورية الكاذب مقابل حريته، حرب الإبادة، على الطريقة نفسها التي جربها في غروزني في الشيشان.
هذا هو حال بلدنا، سورية، في يوم ذكرى الوحدة مع مصر، كان زمناً مختلفاً، كانت الرابطة العربية اللاحم والرافعة الكبرى لنهوض عربي خاطف. ملايين من العرب شاركوا المصريين والسوريين بهجتهم وعيدهم الكبير في 22 فبراير/ شباط. كان اللبنانيون وغيرهم هناك، في مرجة دمشق للاحتفال بيوم طويل من الأمل والحلم. ساد جيشان التعاطف العارم على أرض العرب، يذكّرنا بالفترات التحولات التاريخية الكبرى التي أيقن فيها الناس أن تطلعاتها التي أُغفلت طويلاً، الآن تتحقق ودفعة واحدة. شعروا حينها أن وحدة العرب انتقلت من الدائرة الضيقة لحذلقة المثقفين والأحزاب والنخب إلى حقيقة ملموسة أمامهم في دولة كبرى، تلتف حولها الكتل المليونية من العرب.
عندما قام الانفصال في 28 سبتمبر/ أيلول 1961، مستغلاً أخطاء الحكم الاستبدادي، تمسكت أكثرية الشعب السوري بالجمهورية العربية المتحدة، ورفضت الانفصال. ميّزت حينها أكثرية السوريين، بنباهة، بين المطالبة بإصلاح الحكم واستهداف كيان الدولة كدولة. انقسم حينها المجتمع السوري عمودياً، استغلت (اللجنة العسكرية البعثية) ذات النزوع الطائفي، هذا الانقسام الكبير، لتسارع بالانقلاب، رافعة شعار الوحدة، مستبقة تحولات محتملة لصالح الناصريين وأنصار الوحدة، فقامت حركة 8 آذار/مارس بذريعة استعادة الوحدة، فساندها الناصريون مراهنين على صدق النيات، فخرجت أغلبية الشعب السوري تطالب بعودة الوحدة، لكن (اللجنة العسكرية) ذات الهوى الطائفي استخدمت صلابتها التنظيمية، واستخدامها الروابط الجهوية والطائفية، لتدعيم الأجهزة المخابراتية والجيش بالعناصر الموالية، من وراء ظهر شركائهم في الانقلاب الذين يفتقرون إلى التنظيم. واستخدموا قيادات "البعث" المدنية واجهة مؤقتة لتمرير خططهم. كما استخدموا مباحثات الوحدة لترسيخ مواقعهم الفئوية في المؤسسات السلطوية والبيروقراطية للدولة السورية، لتصبح أسوارها عصية على الاختراق من الشعب السوري، وفي مواجهة شعار عبدالناصر "عبر الوحدة والتنمية نحو حل المسألة الفلسطينية"، رفعوا شعاراً نقيضاً "عبر تحرير فلسطين وحرب التحرير الشعبية والاشتراكية نحو الوحدة"، فتداعت الأحداث، وصولاً إلى هزيمة 5 حزيران، وخسران فلسطين والوحدة والحرية.
على الرغم من هزيمة حزيران العار، بقيت ذهنية النظام المشوشة والإجرامية التي أوصلتنا إلى الهزيمة على حالها، الاستبداد مع شعارات كاذبة، وتضخيم الأنا العصبية السلطوية الطائفية، ووضع نفسها في وجه المجتمع السوري وضده. حافظ النظام بالفعل على عدائه المدمر لعبد الناصر وللجمهورية العربية المتحدة، وعمل كل ما يلزم ليحيط سورية بالأسوار التي تفصلها عن العروبة. مرة تحت شعار الصمود والتصدي، ومرة أخرى تحت شعار الممانعة! وأبقى الحدود مقفلة بين العراق وسورية من عام 1980 حتى الغزو الأميركي للعراق. وقدم في تجربة علاقته مع لبنان نموذجاً للطريقة الوحيدة التي يتقنها ويريدها. هي محاولة إيجاد نظام من السيطرة لوضع البلد الآخر تحت رقابة أجهزته المخابراتية. ولمّا ثار اللبنانيون من أجل حريتهم، لم يتوقف عن القتل واللعب على التنوعات الطائفية، وقد ترك لهم (الفتنة) بالتعاون مع إيران تحمل اسم (حزب الله)، لتكون دولة شيعية طائفية في قلب كيان سياسي قائم على التوازنات الطائفية، ولتكون أداة تهديد لهذا الكيان. وقد عمل كل ما يلزم لتكون سورية كياناً مخيفاً لدول المشرق العربي، يهددها بتصدير الفتن والإرهاب، وليس عامل وحدة واطمئنان. ولم يتورّع عن الاصطفاف مع نظام الملالي في حربه ضد العراق العربي، وابتزاز دول الخليج العربي بالتلويح بالخطر الإيراني، وإمكاناته في مضاعفة الخطر واحتوائه.
ولا ينسى السوريون أن النظام عمل كل شيء ليمحو من ذاكرتهم مثال 22 فبراير/ شباط وعواطفهم العارمة تجاهها. وعمل طويلاً لفصل سورية عن مجالها العربي، وإلحاقها بالمشروع الطائفي لإيران، وفتح الطريق واسعة أمام قطعان المليشيات الطائفية المُلحقة بها، المتعطشة للقتل. وها هو يعمل، الآن، على تمزيق البلد إرباً إرباً على قاعدة التخوم الطائفية. ويمارس التدمير والذبح والتطهير العرقي، مع بوتين وصالح مسلم والمليشيات الطائفية الإيرانية، فغدت المهمة الرئيسية أمام السوريين، في مواجهة تحدي البقاء إزاء حرب الإبادة الروسية، والاستعمار الاستيطاني الإيراني، هي استعادة الروح الوطنية والوحدة واستلهام دروس 22 شباط المجيدة.

 

 

العربي الجديد

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع