عماد الدين خيتي
تصدير المادة
المشاهدات : 9912
شـــــارك المادة
توطئة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: انطلقت الثورة السورية قبل خمس سنوات احتجاجًا على إجرام النظام مطالبةً له بإلإصلاحات، ومع تطور الأحداث وإجرام النظام تبلور مشروعها الرئيس في إسقاط النظام.
وبعد تشكل الفصائل والمؤسسات الثورية بدأت تظهر مشاريع عديدة تبحث في مستقبل البلاد وإدارتها، وشكل الدولة القادمة، فنشأت تجمعات، وولدت مواثيق، وطرحت مشاريع عديدة عسكرية، وسياسية، منها الذي يهدف إلى الحفاظ على مكتسبات الثورة وهوية البلاد، ومنها الذي يهدف إلى مصادرة الثورة بإعادة إنتاج النظام، وأخرى تسعى لحرف مسارها بمشاريع تغريبية متفاوتة، ولعل من آخرها وأشدها انحرافًا مشروع ميليشيا (سورية الديمقراطية) التي بدأت تتبلور هذه الأيام. وبذلك يتَّضح أنَّ المرحلة القادمة هي مرحلة صراع بين هذه المشاريع، لكن َّالغائب الأبرز عن جميع هذه المشاريع ومشاوراتها والتباحث حولها وعرض مشروعها الخاص هي جبهة النصرة.. على الرغم من مشاركاتها الميدانية، وصدور مواقف وبيانات لها في رفض المشاريع المطروحة.. فما هو مشروع جبهة النصرة الذي تحمله لسوريا؟ وما أبرز ملامحه وتفاصيله؟ وما آليات تطبيقه على أرض الواقع؟ وهل يعرف السوريون عمومًا –وأنصار الجبهة خصوصًا- تفاصيل هذا المشروع؟ هذا ما سيكون الحديث عنه في هذه السلسلة من المقالات بإذن الله. مقدمات: 1- من حق أي باحثٍ أو مختص أن يعرض لمشروع أي جهة من الجهات السياسية أو العسكرية، ويناقشه ويحلله، ويبين موقفه منه، وما فيه من مواطن ضعف أو قوة، أو موافقةٍ للشرع أو مخالفة، وهذا جزء من الحق الذي أعطاه الشارع الحكيم للأمة في سلطانها في الدولة وعلى الحاكم؛ إذ يحق لها –في حدود الشرع- أن تناقش، وتقترح، وتعترض، بل من حقها إن رأت من الحاكم مخالفة أن تعزله، فكيف بمن دونه في الولاية؟ فليس لفصيل أو مكون أن ينازع عامة الناس في حقهم هذا، أو يمنع أو يأذن، إلا في حدود مناقشة الآراء المطروحة. 2- ليس من شأن هذه المقالات التعرض للجوانب الإيجابية لجبهة النصرة أو منجزاتها، أو الموازنات بين إيجابياتها وسلبياتها؛ فهذا خارج سياق المقالات وهدفها؛ إذ لا يلزم في كل حالٍ ذكر الموازنات كما هو شأن مقالات التقييم. كما أنه ليس من شأن هذه المقالات تقييم الجماعات أو الفصائل أو الشخصيات التي سيأتي ذكرها، ولا يلتزم الكاتب بموقف تجاهها إلا ما يلتزم به ويوضحه نصًا. 3- لعل أهم ما يواجه الباحث والقارئ في منهج جبهة النصرة أمران: أ- انتماء الجبهة لتنظيم القاعدة، والتصريح بالبيعة له، والالتزام بقرارات قياداته، وأفكاره وأدبياته، مما يطرح تساؤلات عن المدى الذي ستلتزمه الجبهة بهذه الأفكار والأدبيات، ومدى تحملها لتبعات هذا الارتباط. ب- عدم وضوح أغلب القضايا والمسائل وخاصة التي تتعلق بمسائل الحكم والإدارة، مع اكتفاء الجبهة إلى الإشارة لعموميات الشريعة، أو الرجوع إلى أقوال "العلماء الثقات". مما يوجب استعراض إصدارات جبهة النصرة من بيانات، وفتاوى، ومقالات أعضائها، وما ارتضته من مرجعيات مؤسسية أو شخصية، وضم بعضها إلى بعض؛ لإيضاح كامل الصورة في المسائل المطروحة. 4- من المتقرر عند كل من تعامل مع جبهة النصرة أو خبرها أن أتباعها درجات: فكثيرٌ من جنودها انضموا إليها للجهاد في سبيل الله دون التشبع بالكثير من أفكار الجبهة أو القاعدة، وقسم من أتباعها يعتنق أفكارًا غالية، وغالب القيادة الدينية والسياسية منهم، وقسم يعتنق أفكارًا أقرب للاعتدال، وبينهم فئات ودرجات، كما يختلف جميع هؤلاء في إدراك ماهية مشروع جبهة النصرة بكافة أبعاده وخطوطه. لذا فإنَّ هذه المقالات ستتوجه بالحديث والنقد لذات الأفكار والمشروع، دون أن يعني ذلك تحميل كل فردٍ بذاته مسؤولية ذلك، وإن كان يشمله الاسم والنظر العام. 5- سأقسم المادة إلى مقالات قصيرة قدر المستطاع؛ لتكون أسهل في القراءة والاطلاع، مع ما في ذلك من عدم اكتمال بعض الأفكار إلا بعدة مقالات. تساؤلات: نظرًا لخصوصية الحديث عن الفصائل العسكرية، وطبيعة المعركة القائمة على الأرض، فمن المتوقع أن تثار بعض الأسئلة عند عدد من القراء، أُقدم بالإجابة عنها ابتداء.. 1- قد يقال: لماذا تخصيص الحديث عن مشروع جبهة النصرة بالذات، وأين الحديث عن مشاريع بقية الفصائل والجهات الثورية؟ وهل هي سالمة من النقد والخطأ؟ والجواب: مواثيق سائر الجهات الثورية (كميثاق الشرف الثوري، ووثيقة المبادئ الخمسة، والبيان المشترك بين الفصائل والهيئة السياسية للائتلاف) وغيرها من مشاريع سياسية أو عسكرية، أو مؤتمرات، هي معروفة مشهورة لكافة الناس، وهي محل اشتراك غالب الجهات الثورية العسكرية والسياسة والشرعية، ويمكن لعامة الناس التواصل مع الأطراف أصحاب العلاقة والمشاركة بالنصح، والمشورة، والتسديد. وهي ليست معصومة بالتأكيد، ومحل نقاش ونقد وتعديل وتطوير، وقبول النصيحة.. فهل مشروع جبهة النصرة كذلك؟ 2- قد يقال: إذا كان المقصود البحث عن الحق، فلماذا إطلاق اسم (الإمارة) على هذا المشروع؟ أما كان يجدر تسميته بالمشروع دون هذا التهييج الإعلامي؟ والجواب: اختيار هذا الاسم ليس اختيارًا شخصيًا، ولا لهدف إعلامي، بل هو حقيقة المشروع الذي يُعمل لأجله، وبه تم النطق والتصريح. فإن كانت التسمية صوابًا فلا يضرهم الحديث عنه، وإن كانت خطأ فلا بد من بيان حقيقة التصريحات التي خرجت باسم الإمارة بصراحةٍ ووضوح. 3- قد يقال: قبل أن تنتقدوا المشاريع للفصائل الجهادية، هلا تصديتم للمشاريع العلمانية والمنحرفة التي تريد قطف ثمرة الثورة والانحراف بها؟ والجواب: سبقت الإشارة أنَّ للعديد من الجهات مشاريع تريد تطبيقها على أرض سوريا، وليست كلها مرضية أو مقبولة؛ لذ فإنَّ التصدي لهذه المشاريع واجب شرعي من جهتين: - الأولى: بيان ما في هذه المشاريع من أخطاء وتجاوزات والتحذير منها، وكيفية التعامل معها. - الثانية: إيجاد البديل عن هذه المشاريع. وقد بذلت الجهات الثورية من فصائل، ومكونات شرعية جهودًا كبيرة قديمة في هذا المجال، وسأكتفي بضرب أمثلة من الجهات التي لي اطلاع أو علاقة بمشاريعها(1): ففي التحذير من هذه المشاريع وبيان أخطائها: صدر للمجلس الإسلامي عدة بيانات ومواقف، ومن ذلك: بيان المجلس الإسلامي السوري بشأن الحرب على الإرهاب http://sy-sic.com/?p=182 وبيان بشأن ما تفعله مجموعات الحماية الكردية في الشمال السوري http://sy-sic.com/?p=1655 وبيان بشأن مؤتمر (فينّا) لحل القضية السورية http://sy-sic.com/?p=2475 وبيان بشأن أحداث ريف حلب الشمالي وتقدم قوات سوريا الديمقراطية http://sy-sic.com/?p=2776 ومن جهود هيئة الشام الإسلامية على سبيل المثال: الموقف (2) إسقاط النظام http://islamicsham.org/letters/363. الموقف (3) "وثيقة العهد الوطني" http://islamicsham.org/letters/385. الموقف (6) مشروع "هيئة المبادرة الوطنية السورية" http://islamicsham.org/letters/575. ولبقية الفصائل العسكرية مواقف كثيرة مشهورة يصعب حصرها في هذا المقال المختصر. وفي إيجاد البديل عن هذه المشاريع التي تريد حرف الثورة عن مسارها، واختطاف هوية البلاد أو العبث فيها: رعاية المجلس الإسلامي لوثيقة المبادئ الخمسة، والتي تنص على ثوابت الثورة، وقد وقع عليها غالبية المكونات الثورية، وأضحت معتمدها في اللقاءات والمؤتمرات والمفاوضات http://sy-sic.com/?p=2221 جهود مركز الحوار السوري في بحث ما يتعلق بالمشروع السياسي السوري http://sydialogue.org/tempsite/ كما كان لمختلف المكونات الشرعية العديد من الفتاوى والبيانات والمنتجات التأصيلية لترشيد الثورة وحمايتها من الانحراف. 4- قد يقال: هلا انشغلتم بالوقوف ضد النظام واجتهدتم في مدافعته وسائر الأعداء المتربصين من روس وإيرانيين وغيرهم؟ بل هلا وقفتم ضد جرائم تنظيم (الدولة) قبل الانشغال بنقد ساحات الجهاد؟ والجواب: منذ أول يوم خرجت فيه المظاهرات كان للمكونات الشرعية المختلفة مواقف وفتاوى ومؤلفات ومنتجات مؤيدة لهذا الحراك، ومسددة، وناصحة، وموجهة للمجاهدين في جهادهم ضد النظام وحلفائه والصامتين عنه والراضين به، وهي مواقف لا تزال مستمرة بحمد الله تعالى. وهذا شيء من جهود هيئة الشام في هذا الموضوع: - قرابة 80 فتوى في نوازل الثورة السورية http://islamicsham.org/fatawa - مؤلف خاص في أحكام جهاد الدفع (شرح ميثاق المقاومة السورية)، وهو معتمد من العديد من الفصائل والجهات الشرعية http://islamicsham.org/versions/715 - عدد من المنتجات العلمية والشرعية المتنوعة http://islamicsham.org/versions/show/315 كما كان للمجلس الإسلامي السوري العديد من الفتاوى والأبحاث: http://sy-sic.com/?cat=7. - وقد حازت الجهات الشرعية والفصائل العسكرية –عدا النصرة- قصب السبق في بيان موقفها من تنظيم (الدولة) وبيان أحكام التعامل معه ومدافعته، والرد على شبهه وتلبيساته، ومن ذلك: عدد من الفتاوى التي توضح أحكام التنظيم والتعامل معه. بيان حول تصرفات تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق والشام) http://islamicsham.org/letters/1431 فتوى: هل القتال القائم بين الكتائب المجاهدة وتنظيم (الدولة) قتال فتنة؟ http://islamicsham.org/fatawa/1549 بيان حول إعلان "خلافة" البغدادي http://islamicsham.org/letters/1892 فتوى: هل تنظيم (الدولة الإسلامية) من الخوارج؟ http://islamicsham.org/fatawa/1945 كيف نتعامل مع تنظيم (الدّولة) في المناطق التي يسيطر عليها؟ http://islamicsham.org/fatawa/2552 حكم تكفير تنظيم (الدولة) ولعنهم وحكم أسراهم وأموالهم http://islamicsham.org/fatawa/2046 وكتاب "شبهات تنظيم (الدولة)" في مناقشة عدد من الشبهات الشرعية للتنظيم http://islamicsham.org/versions/2352 وهناك فتاوى ودراسات عديدة عن الموضوعات التي يثيرها الغلاة عمومًا. فالجهود مبذولة، وقائمة، وهي لم تتوقف يومًا، ومن تمام هذه الجهود شمول النقد والتصحيح لما تراه على الساحة من أي جهة كانت. 5- قد يقال: أليس للفصائل الأخرى والجهات الثورية أخطاء في القرارات، والدماء، والأموال، بل والقضاء، وفي التصرفات العسكرية؟ لماذا لم تتحدث عنهم طوال السنوات الماضية؟ والجواب: بلى، هناك أخطاء كثيرة وقعت في الثورة من مختلف الأطراف الثورية، وهي بحاجة لتصحيح وتدارك، وبعضها لا بد فيه من محاسبة أو قضاء، لكن ليست هذه من المسائل التي تناقش في مقالات فكرية منهجية كهذه، بل يكون تداولها في الميدان والسعي بالإصلاح أو المحاسبة، وهناك جهود تبذل فيها. أما ما كان من ملحوظات أو أخطاء منهجية فلا بد من نقاشه ومراجعته وبيان حقيقته للناس. 6- قد يقال: إذًا هلا تكلمتم علنًا عن الموقف من المذاهب والتوجهات الفكرية الأخرى في سوريا؟ ولماذا لم نسمع صوتكم إلا عن جبهة النصرة بالذات؟! والجواب: التعامل مع المخالف عمومًا –بل والمبتدع- له أحكامه الشرعية المنضبطة، إذ هو مسلم تجب له حقوق المسلم العامة من جهة، وهو مخالف تنكر عليه مخالفته بضوابطها المعلومة في الشرع من جهة أخرى. ومما يتعلق بواجب الوقت: فإَّن التعاون مع المخالف بل والمبتدع على البر والتقوى هو من التعاون المشروع، فكيف إذا كان هذا البر هو جهاد الدفع الواجب، وحماية بيضة المسلمين من الاستئصال؟ قال ابن تيمية رحمه الله في "الفتاوى": "فإذا تعذر إقامة الواجبات من العلم والجهاد وغير ذلك إلا بمن فيه بدعة مضرتها دون مضرة ترك ذلك الواجب: كان تحصيل مصلحة الواجب مع مفسدة مرجوحة معه خيراً من العكس". وقال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد": "ومنها: أن المشركين وأهل البدع والفجور والبغاة والظلمة إذا طلبوا أمراً يعظمون فيه حرمة من حرمات الله تعالى، أجيبوا إليه وأعطوه وأعينوا عليه، وإن منعوا غيره فيعاونون على ما فيه تعظيم حرمات الله تعالى، لا على كفرهم وبغيهم، ويمنعون مما سوى ذلك، فكل من التمس المعاونة على محبوب لله تعالى مرض له، أجيب إلى ذلك كائناً من كان، ما لم يترتب على إعانته على ذلك المحبوب مبغوض لله أعظم منه، وهذا من أدق المواضع وأصعبها وأشقها على النفوس". وهكذا كان حال الأمة أثناء تعرضها للعدوان أيام التتار، والصليبيين ونحوهم. فليس من العلم ولا الفقه إثارة مسائل علمية منهجية، أو خلافية أو فكرية في مثل هذه الأوقات، أو الانشغال بمناقشة المخالفين وإقامة الحجة عليهم، بل هو من تفريق الصفوف المحرم. 7- قد يقال: إذًا هل من المصلحة إثارة الحديث في هذا الوقت بالذات وجبهة النصرة في ساحات الجهاد إلى جانب بقية المجاهدين؟ وهل هذا من فقه الأولويات؟ والجواب: هذه المقولة ليست على إطلاقها، وليست قاعدة مستقرة مستمرة في كل حين، فالأخطاء حين تقع من العسكريين، أو السياسيين، أو الدعاة أو غيرهم، فينبغي حينها التناصح بما لا يفيد العدو ولا يضعف الأخ المسلم. أما في الأخطاء الكبيرة أو المنهجية، والتي قد تشق الصفوف، أو تؤثر في مسيرة الثورة وعلى عامة الناس فلا بد حينها من التوضيح والبيان العام، نصحًا للدين والأمة وقيامًا بالواجب الشرعي، من أي جهة كانت؛ (فتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز) كما قرره أهل العلم؛ حتى لا تستمر المسيرة على الخطأ والانحراف. وفي سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام خير شاهد، فقد عاتب الله تعالى رسوله الكريم في مواقف عديدة فور حدوثها عتابًا عامًا على الملأ بقرآنٍ يتلى إلى يوم الدين، فقد عاتبه على موقفه من صد الأعمى رغم ما هو فيه من ضيق من صدّ قريش له وقلة الأتباع، واحتمال مفسدة شماتة قريش به. وعاتبه على إطلاق أسرى بدر رغم فرحة المسلمين بالانتصار، وعاتبه حين عفا عمن تخلف عن غزوة تبوك رغم خطر المنافقين على الصف المسلم، كما عاتب المسلمين يوم أُحد ويوم حنين على أخطائهم على رغم الجراح وقسوة الموقف. وهكذا كانت سيرة الصحابة رضي الله عنهم مع قادة الجيوش أثناء معاركهم وغزواتهم إذا رأوا منهم ما يستوجب توجيههم بل محاسبتهم، كما فعل أبو بكر الصديق مع خالد بن الوليد رضي الله عنهم في عزله واستقدامه للسؤال عما بدر منه يوم اليمامة، وغير ذلك كثير. وإلا لو ترك كل صاحب خطأ على خطئه حتى ينتهي من عمله لترتب على ذلك مضار كثيرة شرعية وعملية.. فالتصحيح والنصح أثناء العمل أمر مطلوب شرعًا وعقلاً. 8- قد يقال: لنسلِّم أن جميع ما سبق صحيح، فلماذا الحديث الآن وفي هذا التوقيت؟ وفي شدة الهجمة على الثورة عسكريًا وسياسيًا؟ وخاصة أنه ترافق مع انطلاق عدة مؤتمرات دولية، ومبادرات توحيد بين الكتائب! والجواب: أكثر هذه الملحوظات مرصودة لدى كثير من الباحثين والمهتمين بشؤون الجماعات، ومادة هذه المقالات مجموعة منذ شهور طويلة، لكن جرى تأخير الحديث عنها لمصلحة الثورة والجهاد، وتغليبًا لجانب عدم استغلال الأعداء لمثل هذا، لكن لم يعد الانتظار مجديًا بعد المستجدات التي تجري على الساحة حاليًا، والتي ستتضح في المقالات القادمة، وقد صادف وقت نشرها هذه الأيام. وقد ازدادت القناعة بإصدار هذه المقالات بعد مؤتمر الرياض (9 ديسمبر / كانون أول – 2015م) وما حدث بعده من مواقف، وبث مقابلة الجولاني (12 ديسمبر / كانون أول – 2015م)، وطرح ما سمي بمبادرة الجولاني هذه الأيام (25/ يناير – كانون الثاني 2015). علمًا أنَّ المواقف المبدئية العامة معروفة معلنة منذ مدة طويلة، ومن أهمها: بيان الروابط والهيئات الشرعية (قبل تأسيس المجلس الإسلامي) حول: الدولة الإسلامية في العراق والشام وبيعة جبهة النصرة http://islamicsham.org/letters/824، والذي نشر بتاريخ 3 جمادى الآخر 1434هـ الموافق 13 / أبريل - نيسان 2013م، ونص على: "الرسالة الأولى إلى إخواننا في جبهة النصرة: إنَّ جهادَكم على أرض الشام إلى جانب بقية الفصائل والكتائب منذ انطلاق الثورة المباركة، أمرٌ معلوم، وتضحياتكم فيه مشهودةٌ مشهورة، وما وقوف الشعب إلى جانبكم في جمعة (كلنا جبهة النصرة) إلا شهادة منه بذلك. وإن واجب النصيحة يدعونا – وقد وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه– أن نذكركم بأمورٍ عملاً بقول الله {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55]، سائلين الله أن يشرح صدوركم لها. إنَّ إعلان تبعية "جبهة النصرة" للقاعدة تنظيميًا، وإعلان "البيعة" للظواهري"، فيه ما فيه من المحاذيرِ الشرعية، والمخاطرِ من جرِّ البلاد والعباد إلى معارك هم في غنى عنها، وإضفاءِ "الشرعية" على حرب النظام "للجماعات المتطرفة" كما يزعم، وفتحِ البلاد أمام التدخلات الأجنبية المتربِّصة، وتقديمِ المسوِّغ لها لأي تصرف تتخذه ضد المجاهدين أو قياداتهم تحت دعوى محاربة "التطرف والإرهاب"، وغيرِ ذلك مما لا يخفى على عاقل. وهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أراد أن يشاطرَ غطفان المشركة تمر المدينة؛ ليأمن جانبها، لما رأى العرب رَمَتهُم عن قوسٍ واحدة، أَفَنستعدي علينا الناسَ دون طائل! لذلك فإننا ندعو إخواننا في "الجبهة" إلى التراجع عن "البيعة" وما تعنيه من ارتهانٍ مستقبلي بقراراتٍ وأحكامٍ خارجية، وما تؤدي إليه من ضعف التحام المسلمين وانضمامهم إلى بعضٍ في الداخل، وندعوهم أن يأخذوا قراراتهم بالتشاور مع إخوانهم العلماء والمجاهدين على الأرض، فهذا هو الضامن لتجنيب البلاد والعباد مآسيَ ونكباتٍ لا يعلم مداها إلا الله. كما ندعو قادة "الجبهة" ولجانها الشرعية أن يبادروا إلى تبيينِ منهجها من قضايا التكفيرِ والتعاملِ مع المخالفين بكافة تنوعاتهم، ومع الكتائب الأخرى، ومن إقامة الدولة الإسلامية، وألا تدعَ هذا الأمر للشائعاتِ والتخرُّصات، مع عرض هذه المسائل للبحث والحوار مع أهل العلم" انتهى. 9- قد يقال: لنفترض أن جبهة النصرة قد وقعت في أخطاء، أو عليها بعض الملحوظات، ألا يشفع لها جهادها للنظام، ومشاركتها للسوريين في دفع عدوان تنظيم (الدولة)، وما يشهد لها من إنجازات؟ والجواب: إن مدافعة النظام وخوارج تنظيم (الدولة) لهو من أعظم الجهاد في سبيل الله تعالى، يُرجى لفاعله الأجر العظيم من الله تعالى، وهو جهد تشترك فيه سائر الفصائل في سوريا، لا فضل لأحدها على الآخر إلا في مقدار إثخانه في العدو، ودفع عاديته، وتأمين الناس على دينهم وشؤون دنياهم. لكن مجرد القيام بالجهاد أو العبادة، لا دلالة فيه على صحة التوجُّه أو سلامة المنهج، أو يعني ترك نقد الخطأ؛ بل تصحيح أخطاء المنهج مما يساعد على استمرار الجهاد ودفعه للأمام، والتأخر عنه يؤدي إلى انحراف المعركة، مما يؤخر النصر ويحدث الفرقة بين المجاهدين، والغفلة عن مكان الخطأ والخلل حتى تستفحل. 10- قد يقال: وماذا بعد هذه المقالات؟ هل هذا مقدمة لشيطنة جبهة النصرة؟ ثم تشريع قتالها كما حدث مع داعش؟ والجواب: إنَّ مما قرَّره أهل العلم وأجمعوا عليه أنَّ الأصلَ في المسلم عصمةُ دمه وعرضه وماله، ما لم يرتكب ما يبيح دمه أو رميه ببدعة أو انحراف، ومِن أعظم ما فارق به أهلُ السّنّة الغلاةَ: تعظيمُ أمر الدماء، وعدم الاستهانة بها. فاتهام جماعة أو فصيل بالخروج عن الدين الصحيح –أو الابتداع فيه، أو الردة عنه- ليس مما تجري به الأهواء، أو تتقاذفه الرغبات، بل لا يكون إلا عن دليل صحيح ممن له حق الإفتاء والنظر في هكذا أمور. وقد أثبتت الفصائل والهيئات الشرعية في سوريا وعيها ومسؤوليتها في هذه المسألة؛ فلم يصدر منها تكفيرٌ أو تخوين لغيرها من الفصائل، ولم تتخذ موقفها من تنظيم (الدولة) برميه بالخروج عن الدين الصحيح، ثم الفتوى بمشروعية قتاله -مع ما فيه من غلو وانحرافٍ- إلا بعد إعلانه تكفير المسلمين وإيغاله في استباحة دمائهم، وصمِّ آذانه عن النصائح، والشفاعات، والمناشدات، فاستحق ذلك شرعًا وواقعًا. فالحكم على أي فصيل بالغلو في الدين، أو الانحراف عنه لا يكون إلا بما يصدر حقيقة عن هذا الفصيل أو ذاك.. ولا ينبغي أن يكون منع النقد بهذه الطريقة الاتهامية! والله من وراء القصد.. يتبع... ---------------- (1) هذا التوضيح بأسماء المنتجات وعناوينها هام وضروري؛ لأنه سيأتي من لم يعرف هذه الجهود، أو من يتجاهلها، أو ينكرها ويتساءل عنها،، ومع هذا التنبيه والتفصيل ستبقى فئات لا تجدي إلا الاتهام وترفض القراءة ومعرفة رأي الطرف الآخر؛ تعصبًا وتعنتًا!
نور سورية
جعفر شيخ إدريس
مجاهد مأمون ديرانية
محمود الزويد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة