عبد العزيز الحاج مصطفى
تصدير المادة
المشاهدات : 2904
شـــــارك المادة
في الخمسينيات من القرن الماضي، نشر موشيه دايان وزير الحرب الإسرائيلي، خطة الحرب الإسرائيلية التي ستطبق بعد في حرب 1967م. وعندما سئل عن سبب نشره خطة عسكرية ستطبق بعد. قال: “العرب لايقرؤون!!”
واليوم وبعد مرور قرابة حمس سنوات على الثورة السورية، وبعد وصول أوراق القضية السورية إلى أروقة الأمم المتحدة، وإلى جنيف وفينا والأمم المتحدة تحديدا، ينبعث حول المسألة ألف سؤال وسؤال حول الموقف الدولي من القضية السورية بخاصة، فيعجز عن الإجابة المعني بالإجابة بينما يجيب على استحياء وخوف آخرون فيشوهون الحقائق و يقدمون الآراء والأفكار على شكل هرم مقلوب.
وتعود مقولة موشيه ديان ”العرب لايقرؤون” لتطفو على السطح من جديد!!!
خمس سنوات مضت من عمر الثورة السورية وقد أَّوقف الحاسوب الإعلامي عن العد بعد أن قاربت الضحايا الربع مليون إنسان، وغدت الضحايا التي تسقط تباعا وبشكل يومي وكأنها لاشيء في عالم البشر!!
لقد ناهض جيش النظام الثورة السورية ردحا من الزمن، ثم أضيف إليه شراذم لبنان، وآخرون جاؤا من إيران، ومن باكستان وأفغانستان، ومن رافضة العراق ومن غيرهم. فعجزوا وذلوا أمام قوى الثورة السورية، المدججة بإيمانها، ومرغت أنف أولئك، وأرغمته في التراب.
وأخيرا بشكل عدواني وفي منعطف تاريخي تمر به الثورة السورية يأتي التدخل الروسي في سورية، ضد الثورة السورية بخاصة، وضد الشعب السوري بعامة، قصد تركيعه وإذلاله، بل وقصد اجتياح سورية، على وفق مخطط خفي، تتجاوز حدوده موسكو و طهران، بل ولندن وباريس!!
لقد بدأ الروس عدوانهم على شعب سورية فقصفوا المدارس والمشافي والأسواق الشعبية، والأحياء الآمنة، ولم يفرقوا بين أعزل ومسلح وكأنهم يتبنون خطة تدمير سورية قصد تفريغها من سكانها، وجعلها غنيمة لقوى الغزو الخارجي التي تألبت عليها من جهاتها الأربع.
وفي زحمة ذلك وحيث أشلاء القتلى تتناثر موزعة بين حلب ودرعا، وحمص وحماة، واللاذقية والميادين، وحيث ينبعث الصراخ من كل حنجرة، والجميع ينادي النجدة، دون أن يجد حتى ولو بارودة واحدة مشرعة تنتصر لهم، فينكسر ذلك الصراخ على نفسه، تلفّه الخيبة المرة، ولسان حاله يقول مؤكدا ومقلدا ”العرب لا (يعلمون) ولا (يتعلمون)!!!
وفي أجواء الأمية هذه، يهرع أصدقاء سورية إلى المحافل الدولية، وهم يحملون الحقائب الفارغة، إلا من المناديل المعدة مسبقا، لمسح عرق جباههم الخجلى من اللاموقف. وقد كاد يصبح سمت تلك المؤتمرات حتى وإن بدا مغلفا بأكثر من ادعاء سمت أكاذيب مكشوفة، يكثر فيها الصياح، حتى قال قائلهم وهو يسخر من نفسه: ”أسمع جعجعة ولا أرى طحنا”!! فيضحك ويضحك آخرون.
وتعقد المؤتمرات تلو المؤتمرات، ويتداعى الأعدا والأصدقاء، ويتحرك المبعوثون. ولسان الحال يؤكد الحاجة إلى قراءة جديدة ممن يقرأ ويكتب، وذلك لِتُبنى رؤيته على أساس من فهم واسع لما يجري داخل سورية وخارجها، وحتى في أروقة المحافل الدولية، التي تعلن أنها مهتمة بالقضية السورية.
وفي تقديرنا: أن المؤتمرات جمعيا ليست أكثر من تظاهرة مخادعة قصد امتصاص غضب بعض الأصدقاء الذين هالهم ما يحدث في سورية سيما بعد أن أصبحت بلدا محتلا من روسية وإيران تحديدا، وأن حاكمها الذي استعان على شعبه بالأجنبي، لم يعد سوى عدواٌ لذلك الشعب الذي يحكمه، وبعد أن طفح الكيل من الدم السوري، حتى رشق رشقات وصلت واشنطن وباريس، والذي يجعل الأمر أكثر تكشفّاَ أن المفاوضاتالتي قد تعقد في ظروف استثنائية، تعقد والعدوان الروسي يصعد كل يوم وتائر هجومه، بينما الجسر الجوي منصوبا بين المطارات السورية ومطارات روسيا، وقد أخذت تتدفق على سورية الوحدات الروسية المدمجة بالسلاح، للمشاركة في القتال على الأرض السورية، وللوقوف إلى جانب النظام السوري في حربه ضد السوريين. وهذه القضية قد تكون كافية بالنسبة لنا نحن العرب، لنصحح القراءة، ولنقدم الدليل على أن الموس التي كانت تعد لحلاقة لحى السوريين ستجز لحى أولئك الذين لايزالون يعتبرونها بعيدة عنهم. فالذي آمن بالعولمة منجزا حضاريا لإنسان القرن الواحد والعشرين، والذي آمن أن حقوق الإنسان تعلو ولا يعلى عليها، عاد ليؤمن من جديد أن الإرهاب والإرهاب المضاد الذي يهب من شرق أو غرب لابد إلا أن يشمل العالم كله وبدون استثناء، فيكتوي بناره ويذوق مراره الناس جمعيا، وأن ردود الأفعال لابد إلا أن يحسب حسابها وبدقة: لذا ومن هذا المنطلق جاء التدخل الروسي في سورية، ليقدم الدليل على فداحة الجريمة التي يرتكبها الروس على الأرض السورية، وليضع العالم أمام أخطاء أربعة: الخطر الأول: خطر المطامع الدولية المتعدية، التي يمثلها العدوان الروسي والتي تهدف إلى قتل الإنسان وتدمير بناه التحتية في كل مكان من سورية، وأن خطر المطامع هذه قابل للتعدي وبدون حدود .
الخطر الثاني: خطر التحالف الصهيوإيراني الذي يهدف إلى تفريغ سورية من سكانها باستهداف السنة –تحديدا- بمحاولة تهجيرهم بكافة الطرق، لتحل بدلا منهم قطعان الرافضة القادمة من وراء الحدود، وه وخطر لا يقل عن سابقه فداحة. الخطر الثالث: خطر السياسة الأمريكية الداعمة للمشروع الصهيوني الإيراني، والتي تعد محكومة بسياسة اللوبي الصهيوني. الذي يجر السياسة الأمريكية إلى خانة الدولة العدوّة لأمريكا والغرب، وهي حرب لن تكون رابحة على المدى الطويل بالنسبة لأمريكا تحديدا. الخطر الرابع: خطر الضعف الدولي العام الذي يقف عاجزا أمام تلك السياسيات المتآزرة والمتضافرة، والتي تمسُّ سيادة الدول جمعيا ومنها الدول الشرق أوسطية المعنية بالعدوان، ودليلنا على ذلك اتساع رقعة الخطر في سورية، وقد أصبحت حمى مستباحا للموتورين من الناس جمعيا. وهم يسندون حاكما حول حقده إلى براميل متفجرة ، تلقى من علٍ على شعب كل ذنبه أنه رضي به ذات يوم أن يكون حاكما له. والأخطار الأربعة هذه تتطلب منّا فهما جديدا وقراءة جديدة للمنعطف الجديد الذي تمر به المنطقة الشرق أوسطية، وللأمن والسلام الدوليين اللذين يهتم بهما البشر.
والفهم الجديد والقراءة الجديدة يتمثلان بقراءة التاريخ العربي والإسلامي، وفهمه فهما جيدا من واقع خطه البياني الصاعد والنازل منذ العصور الوسطى وإلى اليوم. قراءة التاريخ الأوربي وفهمه فهما صحيحا على أساس من جدل العلاقة بين النصرانية والإسلام من ناحية، وبين أوربا والعالم الإسلامي من ناحية أخرى في القديم والحديث. قراءة المسألة الإقليمية منهم الخصوصيات الوطنية والقومية لدول المنطقة من ناحية ولدول الجوار من ناحية أخرى سيما إيران التي تتبنى سياسة أقل مايقال عنها: أنها سياسة توسعية صرف. فهم الخصوصية المذهبية ومعرفة مافيها من سمات وخصائص إيجابية وسلبية. وهي مسألة قل أن تخل ومنها دولة من دول المنطقة وتداخلاتها المقلقة، والتي تتطلب حلا سريعا ومنصفا. معرفة الدور الإيراني وما عليه الإيرانيون من حقد وكراهية للعرب من ناحية، ومن محاولة جادة وطموحة لإحياء امبراطوريتهم الفارسية القديمة، ومد مناطق نفوذهم إلى ماه وأبعد وعلى حساب جيرانهم جمعيا وعلى حد سواء. معرفة الدول الأجنبية التي ترسم سياساتها من واقع مصالحها وتحالفاتها وأهدافها السرية والمعلنة ومنها روسية التي تمارس الدور الأخطر والأكبر على الساحة الدولية. معرفة طبيعة العلاقات الدولية التي قامت على أساس من كل تلك الخصائص والأهداف ومنهم نقاط الالتقاء والافتراق بينها، وعدم الاكتفاء بالمعلن من تلك العلاقات، وهي إعلانات قد تكون مضللة وغير صادقة.
وهذه الرؤية تقودنا إلى أمرين متناقضين تماما. الأمر الأول: يتعلق بقبول الدعوة إلى المفاوضات. وهو قبول من شأنه أن يؤذي الشعب السوري، ويؤذي ثورته كذلك. ونقطة الإيذاء فيه، أنه مخادع وكاذب والهدف من ورائه تمرير الوقت من أجل إطالة معاناة الشعب السوري وتدمير القدر الأكبر من بناه التحتية، وقتل وتشريد العدد الأكبر من السوريين. والأهم من ذلك الوصول بالسوريين إلى حد اليأس وفقد الثقة. وذلك بالربط بين الائتمار والتآمر وهو ما يكاد يلحظ في أوساط العامة والخاصة.
ومنهم الثوار الذين يرون في تلك المفاوضات أكذوبة يجب ألا تصدق. أو على حد تعبير بعضهم ”الحصى الذي يطبخ على نار هادئة”!!!
الأمر الثاني: يتعلق برفض الدعوة إلى المفاوضات وهو رفض من شأنه أن يؤدي إلى إيذاء السوريين وإلى إضعافهم وإلى خذلانهم كذلك من قبل أشقائهم وأصدقائهم والمتعاطفين معهم من دول العالم كافة. فالقضايا العادلة، تتطلب مواقف مشرفة، وهذه المواقف لا تكون بالرفض المطلق، وإنما بالحوار الهادف والبناء، الذي يتفهم أبعاد المسألة ويعرف كيف يتعامل معها، بعيدا عن الانجرار التقليدي الذي كما قلنا آنفا يؤذي ويضر وحسب ادعاء النظام وحلفائه الذين يعدون الفصائل المقاتلة على الأرض السورية جمعيها إرهابية. فقد باتت المسألة تتطلب منا فهما جديدا للرفض والحضور معا. يستوي في ذلك من يحمل السلاح في الداخل ومن يعارك في أروقة المؤتمرات في الخارج، فالمسألة نضالية بامتياز.
وهي لا تقف عند حدود المعرفة حسب بل تتعدى ذلك إلى التآمر المقنن والمدروس والذي يعد مسبقا بعيدا عن مصالح الشعوب وعن حقوقها المشروعة في الحياة الحرة الكريمة التي تبرر كفاحها ضد عدوها.
والقادم المتلفع بمخرجات المفاوضات قد يسقط ورقة التوت عن سوءة أولئك الذين يظنون أنهم يعملون بعيدا عن الأعين، وفي خفاء، حيث سيؤدي ذلك إلى المواقف الصحيحة والجادة بل والتحشد الحقيقي ضد ما هو أكبر وأخطر حتى من بشار، ومن نظام بشار. ”وَلَتَعلَمُنَّ نبأه بعد حين”
مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية
عباس شريفة
أبو أمجد
محمد علي الهرفي
علي حسين باكير
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة