موسى برهومة
تصدير المادة
المشاهدات : 6366
شـــــارك المادة
لئن كان الخطاب الأخير لزعيم تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» أبو بكر البغدادي مكتظاً بإشارات دالة وعميقة الأثر لجهة الإقرار، لا التلميح، بتكبده خسارات تستوجب الصبر والصمود، باعتبارها «ابتلاء»، إلا أن الملمح الأبرز هو التطرّق، لأول مرة، إلى المواجهة مع إسرائيل، وتهديد الكيان الصهيوني بعبارات «ساخنة» لم تألفها أدبيات «داعش» ولا خطابات البغدادي، على قلتها.
الخطاب، ذو الأربع والعشرين دقيقة، يفيض بذخيرة ملحوظة من عبارات التعزيز والتأسي واستدرار العطف، كما لو كان يشحذ همم جيش على وشك الفرار وتجرع الهزيمة، لذا يتوسل بأشد النصوص القرآنية حماسيةً، رفعاً للمعنويات، ويلجأ، كذلك، إلى حديث خباب بن الأرت الذي رواه عن النبي ليظهر أن المجاهدين، مهما واجهوا من عَنَت وجور وقهر، فلا بد أنهم ملاقو النصر: «والله ليَتمنّ هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون».
وفي انعطافه، كما درج زعماء عرب كثر، إلى استثمار الجرح الفلسطيني المفتوح من أجل القول لأتباعه أننا صامدون وعاضون على الجراح على رغم الآلام، وأن أصابعنا لا تزال ملتصقة بالزناد، فإن البغدادي يؤكد شدة مأزقه، وحاجته إلى حشد الأنصار وتأليف القلوب، لأنه يدرك مركزية فلسطين في الوجدان العربي والإسلامي والعالمي.
وعلى نحو استدراكي تألفه خطابات البلاغة القديمة، كما صاغ قوانينها عبدالحميد الكاتب، يأتي البغدادي على ذكر فلسطين، فيقول مستأنفاً: «نعم فلسطين، التي ظن اليهود أننا نسيناها وظنوا أنهم أشغلونا عنها، كلا يا يهود، ما نسينا فلسطين لحظة، وبإذن الله لن ننساها وقريباً قريباً بإذن الله تسمعون دبيب المجاهدين، وتحاصركم طلائعهم، في يوم ترونه بعيداً ونراه قريباً، وها نحن نقترب منكم يوماً بعد يوم، وإنّ حسابكم لعسير عسير، لن تهنأوا في فلسطين أبداً يا يهود، ولن تكون داركم وأرضكم، لن تكون فلسطين إلا مقبرة لكم، وما جمعكم الله فيها إلا ليقتلكم المسلمون، حتى تختبئوا خلف الشجر والحجر، ولقد علمتم ذلك جيداً، فتربصوا إنا معكم متربصون».
ومع أن غالبية الدلائل والقراءات للحراك السياسي والعسكري لـ «داعش» تستبعد عزم التنظيم فتح جبهة الآن (وقريباً قريباً) مع إسرائيل، لعدم أولويتها، وتقدم المواجهة الطائفية بين السنّة والشيعة عليها، فإن لجوء البغدادي إلى زج اسم فلسطين، لغايات الترويج وكسب التعاطف، فيه مقدار عالٍ من البراغماتية، بل قل الانتهازية، وهو مألوف في خطاب هذا التنظيم الإرهابي، لكن الأميز أن الاضطرار إلى الاستثمار باسم فلسطين، يجسّد المأزق الشديد الذي يعاني منه التنظيم، فليجأ إلى هذا المتراس، مُكرهاً، وفي ظنه أنه يقيه، ويضمن صموده.
بيْد أن هذا المتّراس الموقت قد يتحوّل إلى مدفع موجّه إلى صدر «داعش» إذا لم يتم الوفاء بتلك التهديدات ضد إسرائيل (قريباً قريباً)، لأن ذاكرة الناس محشوة بالخطابات النارية والتهديدات اللفظية بالاحتفاظ بحق الرد على تل أبيب منذ أزيَد من أربعين عاماً، ولهم في ميراث الأسد الأب وشبله الصغير عبرة غير حسنة، لكنّها على بشاعتها ترنّ في أروقة التاريخ، وتذكر بالكَذَبَة!
وإن كانت «الذئاب المنفردة» سياسة «داعش» في لحظات مواجهة اتّسمت بالاقتدار والتمكّن والمرونة في التحرّك، فإنّ ما يتناسل من خطاب البغدادي الأخير وصوته المتهدّج الخالي من نبرة «النصر المؤكّد» يومئ إلى أن الذئاب تنزف، وهذا مؤشر إلى اندفاعة متوقعة قاسية وأشد وحشية وانتقامية من ذي قبل، قد يُقدم عليها التنظيم الذي أعلن زعيمه أن قدر «المجاهدين» أن يثبُتوا «وما أمامكم إلا إحدى الحسنيين، إما ظهور وإما شهادة (...) فاثبتوا فإما حياة عزيزة كريمة، وإما قتلة سعيدة وشهادة مشرِّفة»!
الحياة اللندنية
غسان عبود
أحمد بن فارس السلوم
عماد مفرح مصطفى
راميا محجازي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة