دينا رمضان
تصدير المادة
المشاهدات : 3500
شـــــارك المادة
مرت الثورة السورية بعدد كبير من المفترقات الحرجة خلال السنوات الخمس الماضية، ولكن ما تمر به الآن قد يُعد الأكثر خطورة نتيجة للتهميش الفج للسوريين من قبل القوى الإقليمية والدولية، واتخاذها دور الوصي على مستقبل سورية وشعبها، والذي أخذ منحىً جديدًا يدل على قرار تلك القوى الواضح بالوصول إلى تسويات تضمن مصالحها دون الاكتراث بتضحيات الشعب السوري.
وعلى الرغم من الحاجة الماسة لاستجابة موازية من السوريين على هذه التطورات المتسارعة؛ إلا أننا نشهد سلبية واضحة تجاه الأحداث، وأحيانا تتعدى السلبية إلى “اقتتال” حول أحقية تمثيل الشعب السوري من خلال مؤتمر هنا أو هناك، مع تغافل الكثيرين عن أن الأمر أكبر من مجرد حضور مؤتمر أو مفاوضات، فهذه الأحداث قد تحدد مستقبل هذه الثورة بشكل كامل، وقد تطيح بالتضحيات التي بُذلت على مرِّ السنوات الماضية في سبيل تحقيق غايات شخصية أو “بروظات” اجتماعية!
وعلى ضوء تلك الأحداث المتسارعة لم يعد خافيًا أن أحد متطلبات المرحلة هو إعادة هندسة المعارضة الحالية نظرًا لخطورة المرحلة من جانب، ولفشل التمثيلات السابقة من جانب آخر.
وضمن خطة متكاملة تندرج الخطوات التالية كخطوات أساسية يجب اتخاذها بشكل سريع في محاولة لإنقاذ ثورة السوريين وأهدافها:
إحياء المرجعيات:
نجح النظام خلال الفترة السابقة والكثير من المعارضين في القضاء على المرجعيات ورموز الثورة، وكان من نتائج ذلك وجود تشتت واضح على كافة الصعد، فكل جهة أو مجموعة تتصرف وتدعي أنها تمثل رأي “الأكثرية” أو “الداخل”. ومع صعوبة الوصول إلى قياس حقيقي لمدى قبول أي جهة أو شخصية… إلخ، بسبب الأوضاع الحالية التي تنتفي معها القدرة على استخدام الطرق الاستدلالية، فلا بد أن تكون هناك مرجعيات محددة يتم العودة إليها لتحديد الأطر العامة للعمل الثوري، ولمنع أي فصيل سواء سياسي أو عسكري أو حتى مدني من الادعاء بتمثيل الشارع السوري لوحده، بل يتم التمثيل وفقًا لأسس ومعايير واضحة وشفافة.
وفي هذا الإطار يمكن أن يكون المجلس الإسلامي أحد أهم تلك المرجعيات، والتي ستكون مهمتها التأكد من عدم الخروج عن مبادئ الثورة والتي تم تحديدها بشكل أولي بوثيقة المبادئ الخمسة الموقع عليها من قبل عدد كبير من مختلف الجهات السياسية والعسكرية والمدنية.
إنشاء مجلس الامة:
تصاعدت في الفترة الأخيرة العديد من الأصوات التي تطالب بوجود مجلس من الشخصيات الوطنية السورية، وهذا أمر مشروع بل واجب حاليًا.
يلزم تشكيل هذا المجلس من عدد محدود من النخب الفكرية والسياسية الممثلة لأوسع طيف ممكن من الشارع السوري (اقتداء بالتجربة السورية في عام 1947) على أن تكون هذه الأسماء مؤيدة من قبل المرجعيات، وسيكون من مهام هذا المجلس الاتفاق على المفاهيم الأساسية المستمدة من قيم ومبادئ الشعب السوري، بالإضافة إلى وضع إستراتيجية عامة لعمل المعارضة بما يحقق أهداف الثورة.
إعادة هيكلة الائتلاف:
على المرجعيات بالإضافة لمجلس الأمة أن تضع الائتلاف أمام مسؤوليته التاريخية بمطالبته بإعادة هيكلة جذرية، بما يضمن إقصاء أي محاصصات أو هيمنة يفرضها أي فصيل أو حزب…الخ، حتى يكون جسمًا مرنًا وممثلًا حقيقيًّا للسوريين، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة المحافظة والاستفادة من الشرعية الدولية التي حصل عليها سابقًا.
ستكون عملية إعادة الهيكلة ضمن أطر زمنية محددة تحت طائلة عدم الاعتراف به من قبل المرجعيات المحددة ومجلس الأمة في حال الإعاقة من قبل الأطراف المكونة له، وسيقع عليه – في حال النجاح بإعادة الهيكلة – عاتق تنسيق العمل السياسي والعسكري والمدني وذلك بكونه مظلة جامعة.
ومن نافلة القول أن التنسيق مع الائتلاف سيكون هو الخيار البراغماتي الأفضل لكافة الفصائل والكيانات المتفرقة بالنظر إلى التهديد الواضح لها من أن تكون منبوذة من قبل السوريين أنفسهم، ومن قبل الفاعلين الدوليين وخاصة بعد اجتماعات فيينا التي أعلنت بشكل صريح عن تصنيف الفصائل، وعليه فلن يكون أمام هذه الفصائل إلا المرجعية السورية التي سترفض أو تقبل بهذا التصنيف.
وعلى ضوء القيام بإعادة الهندسة المقترحة أعلاه؛ فإن هناك بعض الأمور الهامة التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار حتى يتم البناء بالشكل الصحيح، ومنها:
– التمثيل الإعلامي الصحيح. فنظرًا لكون الإعلام من أهم وأخطر الأسلحة الواجب الاستعانة بها لإيصال حقيقة القضية السورية للعالم فقد كان لزامًا إيجاد مظلة إعلامية قوية جامعة تحاكي بأساليبها وتقنياتها المؤسسات الإعلامية العالمية.
على هذه المظلة أن تضع إستراتيجية إعلامية كاملة تأخذ في الاعتبار مواكبة الأحداث وطريقة صناعتها بما يساهم في توضيح القضية السورية، مع الانتباه إلى ضرورة مخاطبة العالم أجمع وعدم الاكتفاء بالجمهور السوري، بالإضافة إلى الاعتماد على الكثير من الكوادر السورية والطاقات المحلية التي أثبتت خلال السنوات الخمس الماضية قدرتها على إحداث تأثير هائل تجاوز مفاعيل قنوات كاملة أحيانًا.
– إعادة الاعتبار للمنشقين الذين خاطروا بحياتهم والذين قوبلوا للأسف بالتخوين والاستعلاء من قبل المعارضة، مما أدى إلى توقف “موجة” الانشقاق بشكل شبه كامل، مع إدراج هؤلاء المنشقين في مناصب تليق بالمخاطر أو المواقف الشجاعة التي أخذوها وبما يتناسب مع كفاءاتهم ومؤهلاتهم، في محاولة لأن تكون الثورة قادرة على استقبال واحتضان أبنائها الذين قدموا التضحيات في سبيلها.
– تفعيل دور المجتمع المدني والمنظمات المدنية، والتي توقف عملها على الإغاثة الإنسانية على الرغم من أهمية دورها المهمل في تكوين جماعات ضغط محلية وعالمية، مع ضرورة تنظيمها تحت مظلة عمل وتنسيق واحدة لتثبت كفاءتها وقدرتها على دمج المجتمع المدني في الداخل لبناء سورية المستقبل.
– تفعيل دور المرأة ودفعها نحو المقاعد الأمامية في كافة المجالات وأولها السياسية، فقد عانت المرأة السورية ما عانته وكانت الحامل الرئيسي لأعباء الثورة، وقد انسحبت الكثير من السيدات السوريات من النشاط السياسي الذي شاركن فيه مع بداية الثورة بسبب ما لاقينه من عقد نقص اجتماعية وغيرها متجهة إلى العمل الإغاثي وأثبتت نجاحًا لا يمكن إنكاره، وآن لها أن تكون في الصفوف الأمامية في المجال السياسي أيضًا.
– تفعيل دور الشباب وتمكينهم، ومحاولة دفع الوجوه الشابة لتقود المرحلة الحالية والقادمة، مع الاستفادة من الخبرات المتشكلة خلال الفترة الماضية لدى المعارضين “القدامى” الذين يجب أن يأخذوا دورهم كمستشارين بالإضافة إلى كونهم قوة دفع وتشجيع لهؤلاء الشباب الذين يتمتعون بالكفاءات والمهارات المطلوبة.
– وهنا يأتي دور رجال الأعمال السوريين والذين يجب أن يكملوا واجبهم تجاه الثورة بإنشاء “صندوق تمويل الثورة” ونشاطاته وما تتطلبه على كافة الأصعدة وذلك بغاية استقلال القرار السوري.
مجرد البدء بهذه الخطوات وإظهار النية الحقيقية بالتطبيق على أرض الواقع ستكون كافية كمرحلة أولية للانطلاق نحو تغيير حقيقي، والذي سيكون مهمًّا ومحسوسًا على كافة الصعد، وسيعيد للمعارضة السورية ألقها واستحقاقها لتمثيل الشعب السوري، وستلقى عندها الاحترام الذي افتقدته من الداخل ومن الخارج.
الفاعل السوري “الغائب” يجب أن يفرض نفسه على الساحة الدولية، وهذا الفرض يجب أن يتأتى من عمل مخطط شفاف وواضح يلحظ من خلاله كافة الأطراف التغييرات الجذرية التي تحققت نتيجة خبرة السنوات الخمس السابقة والتي دفع ثمنها آلاف الضحايا من السوريين.
ساسة بوست
غازي دحمان
صفحة فكر الحرية
محمود الكن
مجلة العصر
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة