علي حسين باكير
تصدير المادة
المشاهدات : 4614
شـــــارك المادة
يستند ما يمكن تسميته بمسار فيينا السوري بشكل رئيسي إلى بيان اجتماع فيينا الأول (30 أكتوبر 2015) وبيان اجتماع المجموعة الدولية لدعم سوريا (14 نوفمبر 2015)، وقد جاء في هذين البيانين ما يشير إلى ضرورة محاربة الإرهاب في سوريا والقضاء عليه.
خلال الاجتماعين المذكورين حصل جدل كبير إزاء هذا الموضوع، إذ كيف يمكن محاربة الإرهاب من دون تحديد من الجماعات الإرهابية؟
الجانب الإيراني دفع داخل الاجتماعات باتجاه اعتبار كل جماعات المعارضة السورية المسلحة جماعات إرهابية بشكل خاص إلى «أحرار الشام، جيش الإسلام وجيش الفتح»، وهو الأمر نفسه الذي ذهبت إليه روسيا مع اعتبارها أن بعض فصائل المعارضة السورية تقع في منطقة رمادية في أحسن الأحوال وأنه يجب حسم موضوعها.
بطبيعة الحال رفضت الدول الداعمة للمعارضة السورية المسلحة هذا المنطق، ولكن الجدل انحصر في الفصائل السورية بسبب تركيز روسيا وإيران والولايات المتحدة على موضوع «داعش» والقرارات الدولية بهذا الصدد، ولم يتم التطرق بسبب ذلك إلى أي من الميليشيات الشيعية التابعة لإيران في سوريا والتي لا تقل إجراما عن تنظيم «داعش».
وبسبب هذا الخلاف ورد في النقطة السادسة من نص من بيان اجتماع فيينا الأول (30 أكتوبر 2015) ما يلي:
«يجب هزيمة داعش، والمجموعات الإرهابية الأخرى كما صنفها مجلس الأمن وما يتفق عليه المشاركون».
أما بيان المجموعة الدولية لدعم سوريا، فقد تطرق إلى هذا الأمر في مكانين مختلفين من البيان.
الأول أشار فيه إلى أن وقف إطلاق النار الذي سيتم الترتيب له لن يشمل «داعش أو النصرة أو أي جماعة أخرى تعتقد المجموعة أنها إرهابية». وقد ورد في مكان ثان في نص البيان: «فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، ووفقاً للفقرة 6 من بيان فيينا، كرر أعضاء المجموعة الدولية لدعم سوريا التأكيد على وجوب إلحاق الهزيمة بـ «تنظيم داعش» و «جبهة النصرة» وغيرهما من المنظمات الإرهابية الأخرى التي حددها مجلس الأمن الدولي، وما يتفق عليه المشاركون ويقره مجلس الأمن الدولي».
يحتل موضوع تصنيف الجماعات الإرهابية في سوريا الآن أولوية لدى الفاعلين في الملف السوري لأنه ستترتب عليه نتائج كبيرة في المرحلة المقبلة بدءا من عملية وقف إطلاق النار وليس انتهاءً بمن يحق له المشاركة في العملية السياسية.
لقد حدد بيان المجموعة الدولية لدعم سوريا الصادر في 14 نوفمبر 2015 دورا واضحا للأردن في مسار فيينا، عندما أورد بأن المملكة الأردنية الهاشمية وافقت على المساعدة في بناء فهم مشترك لدى ممثلي الدوائر العسكرية والاستخباراتية حول الأفراد والجماعات من أجل تحديد الإرهابيين، وأن الموعد المستهدف للانتهاء من هذه العملية هو بداية العملية السياسية تحت رعاية الأمم المتحدة.
ماذا تعني هذه الفقرة في ضوء ما تقدم من معطيات؟ تعني أن الجانب الأردني سيضع المعايير المحددة والخصائص الدقيقة لمعنى «الجماعات الإرهابية» والتي من المفترض أن يتم على أساسها تصنيف كل الجماعات التي تعمل على الساحة السورية بين جماعات إرهابية أو جماعات غير إرهابية.
سيترتب على هذا الدور بطبيعة الحال مسؤوليات كبيرة خاصة إذا ما عرفنا أن الجماعات التي سيتم اعتبارها جماعات إرهابية وفق المعايير التي سيضعها الجانب الأردني سيتم استهدافها وقصفها ومحاربتها حتى القضاء عليها، وقد تشملها قرارات ملزمة من قبل مجلس الأمن بموجب الفصل السابع مستقبلا.
من الضرورة بمكان أن يقوم الأردن أثناء قيامه بهذا الدور الدقيق والحساس بتلافي أخطاء الماضي فيما يتعلق بمحاربة المجتمع الدولي للجماعات الإرهابية، وقد آن أن يتم تجنب النظر بعين واحدة إلى هذه الظاهرة.
قبل الأزمة السورية، خبر الجانب الأردني الأزمة العراقية والتي لا تزال قائمة منذ أكثر من عقد من الزمان. هناك بذل الأردن وغيره من دول العالم جهودا كبيرة لمكافحة الإرهاب والتطرف على مدى حوالي عقد من الزمان. النتيجة لم تكن مبهرة على الإطلاق، فقد حصلنا على تنظيم داعش بدلا من القاعدة التي أصبحت تبدو وكأنها فصيل شديد الاعتدال مقارنة بداعش! وحصلنا أيضا على مجموعة كبيرة من الميليشيات الشيعية الطائفية التابعة للحرس الثوري الإيراني بدلا من الجيش العراقي الوطني، السؤال الذي يطرح نفسه بطبيعة الحال، لماذا؟
بكل بساطة لأن جهود مكافحة ما يسمى الإرهاب طوال العقد الماضي لم تأخذ بعين الاعتبار مواجهة الأسباب الحقيقية أو جذور المشكلة وتعاملت بسطحية بالغة مع النتائج أو القشور. بمعنى آخر، بدلا من أن يتم حل مشكلة النظام السياسي في العراق والذي سيطرت عليه ميليشيات إيران وأتباعها وأخذت تفتك بالمكون السني قتلا وتعذيبا واستباحة وإقصاءً وتهميشا وتشريدا، تم التركيز حينها على محاربة القاعدة فقط.
قرارات مجلس الأمن التي تتعلق بمكافحة ظاهرة الإرهاب في سوريا تم تفصيلها على مقاس محدد ليناسب الولايات المتحدة، فقد تم ذكر داعش والقاعدة وجبهة النصرة بالاسم وتم تجاهل الميليشيات الشيعية التابعة لإيران تماما والتي كانت السبب الأساسي في تفجر ظاهرة الطائفية واجتذاب المقاتلين الإرهابيين الأجانب إلى سوريا.
قرار مجلس الأمن (2170) على سبيل المثال احتكر صفة «المقاتل الأجنبي»، لأولئك الذين انضموا من الخارج إلى ثلاثة أطراف فقط هي: تنظيم الدولة «داعش» و «جبهة النصرة»، و «تنظيم القاعدة»، مطالباً هذه الكيانات الثلاثة بالكف المباشر عن كل أشكال العنف وأعمال الإرهاب ونزع سلاحها وتسريح قواتها فوراً، إضافة إلى مطالبته لجميع الإرهابيين الأجانب المرتبطين بهذه الكيانات بالانسحاب فوراً. وكذلك فعل (2178) الذي ذكر أيضا التنظيمات الثلاثة السابقة الذكر.
آن الأوان لتصحيح هذا الأمر، ويستطيع الأردن أن يلعب دوراً فاعلا في هذا المجال من خلال دوره الجديد، إذ تقع على عاتقه مسؤولية كبيرة في تصحيح التعامل الانتقائي و «الأعور» إن صح التعبير مع ظاهرة الإرهاب وإظهار النصف الآخر من المشهد، لأنه إن بقي مثل هذا التعامل الانتقائي قائما في مسار فيينا فإنه سينسف الحل من جذوره وسيزيد المشكلة تعقيدا.
وطالما أن البعض يريد أن يلعب اللعبة بأدوات الأمم المتحدة، فالجواب عليه موجود هناك أيضا. القرار 2178 تضمن تعريفا واضحا للمقاتل الأجنبي وهذا التعريف لا ينطبق على داعش فقط وإنما على مقاتلي حزب الله والميليشيات الشيعية والميليشيات التابعة لإيران وهذه كلها مجموعات ليس لها صفة قانونية في القانون الدولي حتى يتذرع الأسد أو غيره بأن استعانته بها مشروعة، فضلا عن أن قائد الحرس الثوري الذي يعمل في سوريا توجد بحقه سلسلة من العقوبات الدولية والأميركية والأوروبية منها القرار الصادر عن مجلس الأمن 1747 عام 2007، ومع ذلك تترك له الحرية الكاملة في صناعة وقيادة جماعات إرهابية طائفية في سوريا وغيرها من بلدان العالم العربي.
العرب القطرية
عبد الجواد الراشد
عبد الباسط سيدا
منذر الأسعد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة